23 ديسمبر، 2024 1:14 م

ستة فقط من ثلاثين مليون..!

ستة فقط من ثلاثين مليون..!

قطعا.. ليس من باب المصادفة استذكار العراقيين قبيل عيدهم بيت المتنبي القائل:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد

وليس من باب المصادفة أيضا ان يتفق أغلب العراقيين على رأي واحد بشعورهم تجاه عيدي الأضحى والفطر، إذ بمتابعة التحقيقات الصحفية واللقاءات التي يقوم بها مراسلون وصحفيون، مع أناس من شرائح مختلفة في مدن العراق كافة، يتضح لنا جليا مدى الألم الذي يعتصر قلوب العراقيين، في أيام كان من الأولى أن يكون الفرح والسرور والابتشار هي شغلهم الشاغل. ولو سألنا أيا من العراقيين صغيرا كان أم كبيرا! عن مشاعره في (العيد السعيد) يجيبنا -حتما- بجملة شكاوى لاتنتهي.. وجملة أمنيات غير قابلة للتحقيق، مصحوبة بحسرة مريرة وأسف لايتناسب مع مناسبة مفرحة كعيد الأضحى. أما العراقيات لاسيما الأمهات فقد تبادر عيونهن بذرف الدموع، كإجابة صريحة ورد واقعي ينم عن مشاعر لاتحتاج الى تعليق. وهذا قطعا لم يتأتَ من فراغ، بل هو وليد تراكمات من الهموم والظروف القسرية التي أقحم المواطن العراقي في العيش تحت وطأتها على مضض.

وبحكم عملي الصحفي أنا كاتب هذا المقال، استمعت في أيام الأعياد السابقة الى إجابات من عراقيين يمثلون شرائح عدة، في استطلاعات كنت قد قمت بها خلال السنين العشر الماضيات، وكانت جميع إجابات المواطنين تصب في كون الأمس خيرا من اليوم الذي يعيشونه، إذ أظهر جميعهم الحنين الى سني السبعينيات او حتى الثمانينيات، رغم أن العراق كان أنذاك عبارة عن ساحة حرب تستعر، وكان العراقيون يرزحون تحت نير جلاد ظالم.

ومن جملة ماأذكره من ردود قول أحدهم: (والله ياأخي العيد أيامه كلهن خير.. وأيام الخير راحن ويه أهل الخير) ولم أتجرأ حينها بسؤاله عن (أهل الخير) خشية تقليب مواجعه.

وآخر اقتصرت إجابته على جملة من مبتدأ وخبر فقط فقال: (العيد للفايخين) وعند استبياني منه عن الـ (فايخين) قال: (هم النواب والحرامية وتلثترباع الكتل السياسية).

وثالث لم تكن تبدو عليه مظاهر السرور والبهجة بالعيد، بل قال بروح الإيثار ورفض الأنا ونكران الذات: (والله ياأخي العيد مو إلنا.. لجهالنا). وراح يسرد لي انثيالات تنم عن شكوى من انقطاعه عن مباهج الحياة، بعد ان صار مسؤولا عن أسرة، وكيف انحسرت أفراح العيد لتشمل أطفاله فقط فأنشد:

لولا فرحة الأطفال ولهوهم في العيد..

لولا لهثهم لشراء من الثياب الجديد..

لولا فرحتهم بالحلــــوى والنقود..

لــولا أملــــهم في غــد سعيـــد..

لـولا ضحكــــهم يغطي أحــزاننا

لــولا مرحـــهم وصخبـــــــهم

لمــــا شعــــرنا أننــــا في عــيد

ورابع كان رده: (عمي ياعيد..! ماتشوف نسوانا لابسات اسود). وخامس أجاب حين سألته عن برنامجه في أيام العيد (السعيد): (والله أول يوم أروح للمگبرة.. أعايد أخويه اللي راح بانفجار الكرادة الأخير).

ورجل خمسيني سألته عن التواصل أيام العيد مع الأهل والأقارب والاحباب فقال: (هو شباقي من الحبايب بالعراق.. أولادي كلهم برّه.. وما بقى لي غير هالعجوز بس تبچي عليهم).

كان هذا استطلاعا سريعا لستة عراقيين فقط.. أي بقي من الثلاثين مليون عراقي كثير جدا لم استطلع آراءهم وأقوالهم، ولاأظنها ستختلف عن هؤلاء الستة، ولاأجدني أملك من القول إزاء ما يقولونه غير مابدأت به مقالي: “عيد بأية حال عدت ياعيد”.

*[email protected]