واحد من أهم أسباب هدر المال العام، وجود شخصيات في هرم المسؤولية ولا يشعرون بأهميتها، أو لا رقابة صارمة تحاسب على كل دينار يسلب من جيب مواطن، ومن لا يُأمن في عمله الوظيفي ولا رقيب عليه، لا يصح وضع خزائن المال لدية، إلا في العراق فهنالك استثناءات.
قصص الفساد في العراق عجائب وغرائب، كقصص ألف ليلة وليلة، كل يوم قصة جديدة وأبطال وهميون هلاميون، يرتبطون بأبطال القصص السابقة، ومشهد جديد يحركه مشهد قديم وأبطال في العلن والخفاء، ويبقى الشعب ينتظر قصة بأزمة جديدة تسحقها أزمة لاحقة، وتنتهي آلاف الليالي وحلقات مسلسلات أطول من كل المسلسلات التي عرفها التاريخ.
أفلام رعب وقصص خيال وأحاديث خارقة للعقل البشري، في عمليات هدر المال العام، والإلتفاف على القانون لتمرير صفقات كبيرة؛ أبطالها متنفذون فوق القانون، وقادرون على غلق ملفات التحقيق، طمرها في قبور اللجان، وإذابتها في مفهوم تطلب المصلحة الوطنية العليا، وبذريعة السكوت عن هكذا قضايا؛ خوفاً على إنفراط العقد الوطني!
بعض المواد الكيمياوية يمكنها إذابة المواد الصلبة والطرية والأجساد، وطبيعة النار تُحرق اليابس وأحيانا لشدتها تحرق الأخضر، وبعض المركبات تذوب في السوائل، لكننا لم نسمع أن الماء يمكنه إذابة سبعة مليار دينار عراقي، ومعظمها من فئة ألف دينار، ولو جمعنا وضربنا وقسمنا المساحة والحجم، لما وسعت شاحنات لنقل هكذا مبلغ؟
سبعة مليارات أتلفت في مصرف الرافدين عام 2013م، حسب الرواية وهفوة لسان محافظ البنك المركزي “وكالة”، الذي أُعتبر المبلغ لاشيء قياساً لبقية القضايا الكبيرة، ومصادر برلمانية تشير الى أن المبلغ 12 مليار، ومئات مليارات سرقت من المصارف والعملة العراقية، من خلال الإحتيال بسوق العملة وغسيل الأموال، وقصص غريبة بهذا المجال، منها إعطاء عملة صعبة لتجار لشراء حديد، بمقدار يكفي تسليح وبناء العراق من شماله الى جنوبه، في عملية واحدة!
قصص كثير فاعلها مجهول أو موظف بسيط، دون إتخاذ إجراء قانوني، وتضمين خسارة المبالغ المهدورة، أوتحميل مدير المصرف ومحافظ البنك المركزي، ويُسأل حتى رئيس الوزراء في حينها، ولكن قضية إتلاف سبعة مليار دينار حُلت، بتكفل البنك المركزي الخسارة والتعويض، على أساس أنه ضامن للمصارف الخاسرة، وأنتهت القصة، بغض النظر عن إنعكاساتها على الإقتصاد العراقي وسعر الدينار، وأهميتها للمواطن ومستوى معيشته.
لا أحد يُصدق أن سبعة مليار دينار أتلفتها مياه المطر، سيما وأن الخزائن محمية من الحرائق والفيضانات والكوارث، والورق المستخدم خاص يتحمل الحرارة والمياه، وهي بالنتيجة مرصوفة برزم يمكن أن تتأثر الأوراق الخارجية، وأول ما يخطر ببال من يسمع الخبر، يقول أنه جزء من مسلسل ضياع مئات مليارات الدنانير العراقية اليابسة، وهذا المبلغ يكفي لبناء عشرات المدارس، ويعمر أجزاء من مدن ويقدم خدمات واسعة، ولكن حال هذه المليارات كغيرها، فهذه ذابت مع المياه لتُهرب للبحر ثم الى العالم الخارجي، مثل مئات مليارات تنقلها طائرات ووسائل نقل متعددة الى خارج الحدود، وبأذن حكومي وحيل قانونية.