سبب نشوء ثقافة ( التسلط ) مطلع القرن العشرين في المجتمع السياسي العراقي هو أنّ أغلب الحكام الذين حكموا العراق من القوميين والعروبيين والبعثيين هم من العسكر، سواء في المرحلة الملكية، وهم كبارالضباط الذين تخرجوا من موسسات الجيش التركي، أمثال (نوري سعيد باشا، وبكر صدقي، وجعفر العسكري، وزكي رستم، وكامل شبيب، ورشيد عالي الكيلاني، وصلاح الدين الصبّاغ، وسعيد المدفعي، وفهمي سعيد ومحمود سلمان) وعشرات الضباط الذين صاروا نواةً لتأسيس الجيش العراقي بعد تشكيل الحكومة عام 1921, او في مرحلة استيلاء العسكر على الحكومة في مرحلة العهد الجمهوري، وتمثّل ب(عبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف، وعبد الرحمن عارف، وأحمد حسن البكر، وبعدها أتت مرحلة صدام حسين)، فكانت بامتياز قد عملت على عسكرة الحياة الاجتماعية، ونشر القسوة، وتربية أجيالٍ من الشعب العراقي على القوة والتسلط والقسوة، فتولّد أثر ذلك ثقافة خاصّة لدى البعض من المكوّن السُني وهي التسلط ؛ لأنّهم بيدهم السلطة، وأنّهم في مواقع عسكرية مهمّة، تحكمت بتاريخ العراق ومجتمعه عقوداً؛ فضلاً عن كون السلوك العسكري سلوكاً مبنياً على القوة والفرض .
إذاً وجود القادة العسكر بوصفهم عنصراً في بناء دولة العراق وتأسيس حكوماته يعدُّ عاملاً لنشر ثقافة التسلط والاقتدار لدى هذا المكوّن الاجتماعي العراقي , وهذه المفردة تشبعت في سلوك البعض من العراقيين حتى في تعامله الاسروي والاجتماعي والسياسي الي يومنا هذا .
من الاسباب المهمّة أيضاً لنشأة سياسة التسلط والتي عملت على تمزيق وجودنا السياسي وهي واحدة من ابرز المشاكل التي تحول دون تنمية احزابنا ومجتمعنا ؛ هي غياب الحياة الدستورية, والانظمة الداخلية في العراق خلال القرن العشرين مما جعل الحكومات العسكرية المتعاقبة تفرض رأيها بالقوة والغلبة على وفق مبدأ «القوي يفرض رأيه على الضعيف» سياسياً وهو منطق قبلي بدوي متخلف، ومن هنا نشأت ثقافة ( التسلط السياسي ) وانتقلت تدريجياً إلى شرائح المجتمع العراقي وأضحت سياسة اجتماعية بل انتقلت حتى إلى الأسرة، والأجواء العلمية؛ ولأنّ السلطة كانت بيد الحكومات، وهي التي تحدد ثقافة الامة السياسية، فمن الطبيعي أنْ يكون المجتمع السُنّي أول المجتمعات تأثّراً بهذا المنهج التسلطي، وبطبيعة الحال يفرض رأيه من طريق القوة والقسوة، ويجد نفسه قادراً على فعل مايريد, ومن الطبيعي ان تنتقل الى بعض شرائح في المجتمع الشيعي الان .
الجدير بالذكر: إنَّ مقولة غياب «الحياة الدستورية» قد تؤدّي الى أن يتبادر إلى ذهن البعضٍ أنَّ هذا الرأي غير سديد؛ لوجود دساتير في تاريخ العراق السياسي والاجتماعي (دستور عام 1925م، ودستور 1963م، ودستور 1958م، ودستور ودستور عام 1972وتاليا دستور عام 2005).
الجواب: إنّ هذه الدساتير كانت- ربما وما زالت – مجرد حبرٍ على ورق، ولا تعني شيئاً في حياة المواطن والمجتمع العراقي؛ لأنّ السلطة تُدار بقوة وقسوة وتفرد ورأيٍ قسري بعيداً عن الرأي الدستوري، وخير دليل على ذلك أنّها (الدساتير) لم تكن تمنع وتصون الحياة السياسية العراقية من الانقلابات العسكرية. ويكفي أنْ العراق يعد أول بلدٍ حصلت فيه انقلابات عسكرية عام 1931م على يد بكر صدقي، ويكفي أنَّ كتب التاريخ المتعددة تذكر أنَّ ضحية كل انقلاب الآلاف من القتلى وحياة سياسية متخلفة وتاخر في التنمية والنهوض ونهب وفساد ومواكب من الشهداء . لذا فإنّ غياب الدستورأو العمل بالدستور جعل قدرة البعض سياسياً من خلال المؤسسات العسكرية، ومن خلال العسكرة ، ومن خلال الفرض والتسلط قدرة واضحة وضوح الزمن الذي مارسوا فيه سلطتهم وادراتهم لشؤون البلاد بالموت والسجون والارهاب وقطع الرووس.
اريد ان انبه اليه اني تابعت اغلب مشاكلنا السياسية والحزبية والحكومية وحتى العلمية سابقا وراهنا فوجدت السرطان المدمرلنا هو(( التسلط )) و غياب النظام والامتناع عن احترام راي الاخرين والجنوح الى منهج ((وما اريكم الا ماارى )) , ومن هنا وجدنا القران الكريم يودب المومنين ((وتلك الدار الاخرة نجعلها للذين لايرودن علوا في الارض ولا فسادا )), ويكفي تاملا في الاية : ان قرن الله تعالى التسلط بالفساد, نعم انه فساد عقلي ونفسي وتربوي ينتج عنه فساد سياسي مدمرللدولة والمجتمع .