من اشهر ادبيات الاسلام هو ادب المعجزة التي لا تدخل ضمن المعاجز النبوية المنصوص عليها قرانيا، بل حتى معاجز المعصومين واقل منها معاجز الصحابة، وهذا المحور الديني التفت اليه المفكر جورج طرابيشي وقد اشار الى كتابه السيد كمال الحيدري لنقد ظاهرة تضخم المعجزات في الاسلام ، هذا الموضوع الشائك حقيقة يستحق وقفة ومهم جدا من اجل استنهاض عقل المسلم ممن يغوص في بحر المعجزات ليستدل بها فقط على ارجحية كفة النبي او المعصوم على البقية.
اشارة السيد الحيدري الى هذا الكتاب اشارة سليمة واشارة المؤلف الى ظاهرة المعجزة ايضا اشارة سليمة ، وهو الذي انتقد نقد العقل العربي للجابري ، وقال لو التفت الجابري الى مادة المعجزات لاصبحت اساس قوي يعتمده في نقد العقل العربي ، وبخصوص هذا النقد كان الافضل ان يقال نقد عقل الحاكم العربي ، والحاكم سواء كان سياسي او ديني او اجتماعي فهؤلاء هم من يمنحون هوية تفكير عقلية المجتمع وفق ما يملكون من ادوات تمكنهم من ذلك سواء السلطة او الدين او الوجاهة والمال، وهذا يستحق مقالة خاصة به .
بخصوص المعجزة هذه الفكرة لا يمكن تفنيدها نهائيا ولا يمكن اعتمادها كليا ، نعم يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار التفكير لدى المسلم في تلك العصور وما هو عليه في هذا العصر ، والمعجزة تكون بخوارق خارج التفكير العقلي وضمن الحدود الايمانية ، ولانها معنوية تصبح محل اشكال ولغو ، فالقران الكريم كما اشار لاعجازه الاستاذ طرابيشي بانه محل نقاش عند بقية الاديان ومقارنة عند المسلمين ، فالكتاب السماوي معجزة فكرية وهذه لا تاخذ تاثيرها كما هي المعجزة المادية فبقية الاديان تدعي انها ايضا لديها كتاب منزل من الله ، اضافة الى ذلك لدى عيسى وموسى معاجز مادية منظورة كثيرة ، وحتى املاء هذا الفراغ بدا المسلمون بوضع معاجز كثيرة اكثر من الحقيقة وتنسيبها الى رسول الله صلى الله عليه واله ، وقد احصى ذلك طرابيشي بان المعجزات للرسول في القرن الاول كان عددها عشرة معجزات في سيرة ابن هشام بينما في القرن الحادي عشر في السيرة الحلبية اصبحت اكثر من الفي معجزة ، وحقيقة لا اعلم هل قرا طرابيشي سيرة ابن هشام والماوردي وابن كثير والحلبية ووضع قراءته لعدد المعاجز ؟ واما ما يخص الامامية فقد اشار ايضا الى عملية التضخم لسرد المعجزات وادت الى سبات العقل الشيعي فقد ذكر ان تعداد معاجز الائمة الاثنى عشر في الهداية الكبرى للخصيبي لا يتعدى المائة وعند الطبري الشيعي في نوادر المعجزات ارتفع الى مئتين وخمسين حتى وصل عند البحراني المتوفى 1107 الى الفين وثلاثا وستين معجزة اكثرها للامام علي واقلها للامام الجواد ، وهو صائب في تشيخصه هذا بعض الشيء من ناحيتين اولا دس معجزات خرافية وثانيا اعتماد العقل الشيعي بافراط على المعجزة لتدعيم ايمانه ومناقشة الاخر الذي لا يؤمن اصلا بالامامة او يفكر بطريقة عصرية ، فاذا كنا لا نصدق اي حدث الان عبر النقل الا بدليل فكيف نصدق بمعجزة حدثت قبل مئات السنين ؟ وهنا يجب ان تكون هنالك دراسة في طرح الفكر الامامي العلمي الايماني وليس العرفاني ، فالمعصوم في عصره هنالك من ينكر علميته فكيف ونحن نعيش الغيبة الكبرى في اثبات علميته ؟ فليس امامنا الا تراثهم العلمي لاثبات ذلك .
الامر الاخر مسالة اثبات صحة المعجزة عن كذبها تكون خاضعة الى رجال السند كما هو الحديث هذا اولا وثانيا طالما اصلا هنالك معجزة حدثت فلا يوجد معيار عقلي يفرق بين صدق وكذب المعجزة حسب خرقها للنواميس الطبيعية ، وتكون دائما مثار جدل بالنسبة للامامية وقد يصعب اثباتها او لماذا لم يستخدمها المعصوم عند الحاجة وهنا تدخل الفلسفة الكلامية بقوة لتثير جدالات سقيمة لا طائل منها .
احياء امر اهل البيت عليهم السلام حسب مفهوم الامام الرضا عليه السلام هو ذكر محاسنهم وليس معاجزهم ، ومحاسنهم هي العلوم العلمية والثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها التي تخدم المجتمع وتقوده الى الرقي ، اما الاصرار على المعاجز فحقا يؤدي الى سبات العقل ويفسح المجال للاخر للنيل من ثقافتنا ، اليوم الحديث عن ما يخدم العقل والاحتفاظ بالمعاجز الصحيحة في قلوبنا وهي الدعم المعنوي لنا في دعائنا .