تلوح في الأفق بوادر لسايكس بيكو ثانية. رسمت لها القوى العالمية النافذة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, لتقسيم الأراضي العربية وتجزأتها , ليسهل عليها إستغلال ثرواتها ومواردها وقواها االمادية والبشرية, وإضعافها, لتبقى إسرائيل هيَّ الأقوى والأقدر. وتكون أمراً واقعاً قابلاً للتمدد والتوسع وسرقةِ أراضي العرب ومياههم وأجواءهم بعدأن سرقت حريتهم وبسمة أطفالهم وملاعب طفولتهم وأعتاب دورهم حيث كانوا يتسامرون. ودنست جوامعهم والأقصى واالقبة المشرفتين وإستباحت كنائسهم, بعد أن قامت هذه الدولة الدخيلة الغريبة عن المنطقة كما وعد بلفور عام 1917. على حساب العرب الذين تفرقوا أيدي سبأ. وتشرذموا حتى أصبح بعضهم يعادي الآخر, ودويلات يطمع حكامها بأرضي أشقائهم من المجاورين. وغزا بعضهم البعض. وإنخرط مع الأجنبي الطامع ضد أبناء جلدتهم. فزرعوا العداوة والبغضاء بين الشعوب, حتى بات يحقد بعضها على بعض ويتمنى له الهلاك. فبذرت قوى الأمبريالية بذور الفتن والفرقة وألبستها أحياناً لبوس الثورات أو التحرر.فهيأت قيادات وأحزاب ركبت الموجة وسرقت الثورات.فعملت وبتخطيط ذكي ومبرمج لأستضعاف الأمة. تعينها على تفيذه دمى متربعة على السلطة في بلدان العرب, وأحزاب وكتل ممولة من دول كبرى وأخرى إقليمية سائرة بالركاب .
كان من المؤمل أن تتمخض ثورات الربيع العربي على حكام فاسدين عن قيام أنظمةٍ ديموقراطية تبني هذه الأوطان وتوحدها. ولكن خاب الظن وإنزلقت شعوبنا الى صراعات طائفية وعرقية وإثنية متعددة الألوان والوسائل. فساد العنف والأقتتال والفساد. ولاحت في الأفق بوادر التقسيم والتجزئة.ولم يتأت هذا من فراغ ,بل هو المخطط القديم الجديد الذي بدأ بإتفاقية سايكس بيكو عام 1916 لتشظية بلداننا وتعزيز وتغذية نقاط الضعف عندنا بتعميم الجهل وتوسيع رقعة الفقر ونشر الفساد, وإضعاف كل عنصر قوة للعرب.وحدث ما حدث ولم يبقَّ للعرب أي بارقة أمل بوحدة كلمة أو مظهر قوة. وصاروا يصارع بعضهم البعض. ويسعى كل حاكم للإجهاز على شعبه. وزجه بصراعات مع شعوب مجاورة أو بحروب ونزاعات داخلية.ولكي يستوعب هذا الجيل خطورة ما يحدث لا بد له أن يعرف ما هي سايكس بيكو ومن سعى لها وماذا تهدف؟
وقِعَت اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام الدول العربية الواقعة شرقي المتوسط عام 1916. وتم الوصول إليها بين أبريل/نيسان ومايو/أيار من ذلك العام على صورة تبادل وثائق بين وزارات خارجية الدول الثلاث(فرنسا وإنجلترا وروسيا القيصرية)
عينت الحكومة الفرنسية “جورج بيكو” قنصلها العام السابق في بيروت مندوبا ساميا لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، ومفاوضة الحكومة البريطانية في مستقبل البلاد العربية، ولم يلبث أن سافر إلى القاهرة، واجتمع بـ”مارك سايكس” المندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى، بإشراف مندوب روسيا، وأسفرت هذه الاجتماعات والمراسلات عن اتفاقية عُرفت باسم “اتفاقية القاهرة السرية”، ثم انتقلوا إلى مدينة بطرسبرغ الروسية، وأسفرت هذه المفاوضات عن اتفاقية ثلاثية سُميّت: بإتفاقية سايكس بيكو وذلك لتحديد مناطق نفوذ كل دولة على النحو التالي:
– استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة
استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين.
استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان
حق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس في الأماكن المقدسة في فلسطين
المنطقة المحصورة بين الأقاليم التي تحصل عليها فرنسا، وتلك التي تحصل عليها بريطانيا تكون اتحاد دول عربية أو دول عربية موحدة، ومع ذلك فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، ويشمل النفوذ الفرنسي شرق بلاد الشام وولاية الموصل، بينما النفوذ البريطاني يمتد إلى شرق الأردن والجزء الشمالي من ولاية بغداد وحتى الحدود الإيرانية..
– يخضع الجزء الباقي من فلسطين لإدارة دولية
يصبح ميناء إسكندرون حرا ونزع هويته العربية السورية.
تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917 مما أثار غضب الشعب السوري الذي يمسّه الاتفاق مباشرة وأحرج فرنسا وبريطانيا
تم تقسيم المنطقة بموجب الاتفاق فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية.
كما تقرر وضع المنطقة التي اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا “فلسطين” تحت إدارة دولية. يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا.
وأعطيت فلسطين للصهاينة, لبناء دولة إسرائيل لليهود. وعملت بريطانيا والغرب على إعانة اليهود على إبادة الشعب الفلسطيني. وتهجيره بالقوة والإستيلاء على أراضيه ومساكنه ومياهه.بعد مجازر ومذابح إرتكبتها منظمة الهاكانا الأرهابية بحق شعب فلسطين كمجزرة دير ياسين وأعمال إرهاب وترويع للفلسطينيين. إضطرتهم لترك الوطن الى المنافي في المهجر.ومن نتائج هذه الأتفاقية سلخ لواء الأسكندرون العربي عن سوريا. وضمه للدولة التركية التي أنشأت على أعقاب السلطنة االعثمانية المنهارة.
واليوم بدأت المرحلة الثانية لسايكس بيكو ثانية لتشظية الأقطار العربية ذاتها. وتقسيم كل قطر الى إمارات تهيمن عليها الميليشيات والقوى ظلامية وتجار السياسة العملاء, الذين لا هم لهم إلا المكاسب الشخصية والمنافع. وجعل الأوطان ضيع لهم ولعشائرهم وحواريهم ومحسوبيهم ومنسوبيهم والراقصين على الحبال. والشعوب يطحنها الفقر. ويقتلها المرض. ويخيم عليها الجهل. فأُحْبِطت الشعوب. وأصابها الذهول,فنسيت قضاياها المصيرية.ولم يعد الفرد يفكر في أمور وطنية أو قومية عامة بل هو منشغل بتوفير لقمة العيش له ولعياله بعد أن حرمه هؤلاء الحكام من نعمة الثروة التي يختزنها هذا الوطن.
إن ما يجري الآن في سوريا والعراق ولبنان ومصر وتونس والبحرين واليمن والسعودية والسودان والجزائر والصومال من إقتتال ومذابح وتدمير البنى التحتية, وتأجيج للصراع الطائفي والعرقي والأثني وإستخدام السلاح, ما هو إلا توطئةً لتقسيم جديد متفق عليه بين القوى العظمى المهيمنة على مقادير الشعوب المستضعفة والغرض هو قيام دويلات صغيرة متناحرة, أو أقاليم متصارعة ومنشغلة بخلافات على الحدود أو على تقاسم الثروات الطبيعية والمياه, ستفضي حتماً الى الأحتراب والنزاع المسلح. وهذا هو الهدف.
وما مشاريع التقسيم والفيدراليات التي يبشر بها بايدن وغيره إلا جزء من هذا المخطط.فهم لا يريدون إنشاء أقاليم أو فيدراليات بمفاهيم حضارية ديموقراطية, تحقق أنظمة لا مركزية. تسهل عملية البناء والأعمار والتنمية بصلاحيات واضحة منطقية هادفةً الأصلاحَ, بل هي بذور فتنة لأضعاف الأمة وتمزيق نسيجها الأجتماعي, بعد أن ساهم الحكام بترييف المجتمعات, وإعادتها الى المفاهيم القبلية والعشائرية.فأضافوا الى النزاعات المذهبية والعرقية بوادر نزاعات عشائرية وقبلية وأبعدوا مجتمعنا عن مفاهيم الحضارة والتمدن والقانون والنظام. وهكذا كانت بداية طريق التقسيم لأضعاف الأمة.وما يجري اليوم من شحن طائفي وعرقي وإثني إلا جزءاً ومرحلة من سايكس بيكو الثانية .فقد عم الخراب وشاع القتل على الهوية ودمرت بلداننا. وأصبحت مسارح للقتال وسفك الدماء.إنها بلا شك سايكس بيكو ثانية مغلفة بحلوى مسمومة إسمها الديموقراطية.هُيِأَت لها الشعوب نفسياً وفق دراسات لسايسكوجية شعبنا أعدتها بعناية مراكز بحوث ودراسات ماسونية صهيونية.
فهل ينجح هذا المخطط وهل ستبقى المنظمات والأحزاب الوطنية في غفوتها. أم تستيقظ من سباتها وتستنهض الشعوب لأفشال هذا المخطط؟ أشك في هذا.لأن هذا يقتضي صعقةُ شديدة والشعوب هيَّ صاحبة القرار.