23 ديسمبر، 2024 5:39 ص

سامي عبد الكامل ومذكرات معلم

سامي عبد الكامل ومذكرات معلم

صدر هذا العام 2021 كتاب:”مذكّرات معلّم من القدس العتيقة، القدس في ذاكرة إنسان” للمربّي المقدسيّ سامي عزّت عبد الكامل، ويقع الكتاب الذي صمّم غلافه الأوّل ياسمين أبو رميله، وصمّمّه ومنتجه محمد بدوي سلهب، وقدّم له نمر القدّومي في 131 صفحة من الحجم المتوسّط.

اطّلعت على النّسخة الإلكترونيّة من هذا الكتاب، وتمنّيت لو أنّني استطعت الحصول على النّسخة الورقيّة؛ كي أستطيع التأشير وكتابة الملاحظات على هوامش صفحاتها؛ لأعود إليها عند الكتابة عن هذا الكتاب.

أهمّيّة الكتاب: تنبع أهمّيّة هذا الكتاب من كونه يحمل في ثناياه ومضات عن مرحلة نهاية خمسينات وستّينات القرن العشرين، التي تمثّل طفولة الكاتب المربّي، وما تبعها من احتلال بغيض أهلك البشر والشّجر والحجر. لينتقل الكاتب بسلاسة لمرحلة دراسته الجامعيّة لمادّة الأحياء في الجامعة الأردنيّة، وما تبع ذلك من عمله كمدرّس في أكثر من مدرسة خاصّة ورسميّة فلسطينيّة، مبتعدا عن المدارس الرّسميّة التّابعة لبلديّة ومعارف الاحتلال، ثمّ عمله كمشرف تربويّ، وكمشارك في تأليف بعض المناهج العلميّة التّعليميّة في زمن السّلطة الفلسطينيّة. ورغم أنّ كثيرين ممّن قضوا نحبهم ومنهم من ينتظر عاصروا المرحلة التي كتب عنها الكاتب، إلا أنّ أضعاف أعدادهم من جيل الأبناء والأحفاد لم يعيشوها، وبالتّالي فإنّهم بحاجة إلى معرفتها للوقوف على معاناة جيل آبائهم وأجدادهم الذين عانوا الأمرّين في جهادهم لتكميل تعليمهم في مراحله المختلفة، وخير مثال على ذلك هو دراسة كاتبنا صفّه الإعداديّ الثّالث في مدرسة العيزريّة، ومرحلته الثّانويّة في مدرسة بيت لحم الثّانويّة للبنين هروبا من المنهاج الإسرائيليّ الذي فرض على مدارس القدس بعد وقوعها تحت الاحتلال، وضمّ المدينة المقدّسة لبلديّة الاحتلال من جانب واحد في مخالفة واضحة لإرادة مواطنيها الفلسطينيين، وللقانون الدّوليّ ولقرارات الشّرعيّة الدّوليّة.

فنون

لفت انتباهي في هذا الكتاب أمور عديدة ذات أهمّيّة خاصّة، بعضها اندثر وتلاشى بسبب تطوّر الحياة، ومن هذه الأمور: ألعاب الأطفال الشّعبيّة ص22، وأغاني وأهازيج الأطفال الرّمضانيّة ص 23، والباعة المتجوّلون الذين كانوا يجوبون طرقات وأزقّة المدينة المقدّسة ومنها حارة السّعديّة حيث ولد وترعرع الكاتب ص26، وحبّذا لو أنّ الكاتب تطرّق إلى الكلمات التي كان يردّدها هؤلاء الباعة ومثلهم أصحاب بعض المهن اليدويّة مثل”معمّر بابور الكاز”وغيره.

تاريخ نفتقده:

ورد في الكتاب ذكر لشخصيّات وأماكن يجهلها كثيرون من جيل الأبناء، وهذا تسجيل تأريخيّ لا يجوز القفز عنه، ومنها وجود ثلاث دور للسّينما كانت موجودة في القدس قبل احتلالها وهي: سينما القدس الذي يشغلها الآن مركز يبوس الثّقافيّ، وسينما النّزهة التي يشغلها الآن المسرح الوطني الفلسطيني”الحكواتي”، وسينما الحمراء التي تحوّلت إلى قاعة أفراح.

وذكر الكاتب لمحة سريعة عن عمّه الفنّان المرحوم محمد شكري محمد عبد الكامل، وهو فنّان كان يعزف على العود، ويغنّي، وكتب مسرحيّات عديدة، وقدّم برنامجا فكاهيّا من تأليفه في الإذاعة الأردنيّة من تأليفه يحمل عنوان”خروف العيد”، وهذه معلومات تنقص الكثيرين ومنهم أنا الذي أكبر الكاتب بأربع سنوات من العمر. وليت الكاتب يعيد كتابة سيرة هذا الرّجل ومن عاصروه من زملائه، كأحد روّاد الموسيقى والغناء والمسرح في المدينة المقدّسة، فمن حقّ ذوي الفضل علينا أن نذكر أفضالهم، وأن نوثّقها كي لا تضيع لأكثر من سبب أقلّها حالة الشّتات التي يعيشها شعبنا. ويبدو لقارئ هذا الكتاب أنّ المؤلّف قد ذكر اسم عمّه الفنان من باب التّسجيل لبعض الرّواد من حارة السّعديّة مسقط رأسه ومرتع صباه، وأتبعه بذكر الفنّان الجميل المعاصر ابن حارة السّعديّة أيضا حسام أبو عيشه. ولم يرد في حساباته التّأريخ أو التّوثيق للفنّ والفنّانين.

ملاحظات سريعة حول الكتاب:

رغم أهمّية الكتاب وما ورد فيه إلا أنّ هناك ملاحظات أتمنّى أن يتّسع صدر الكاتب لسماعها، وحبّذا لو أنّ الكاتب عرض كتابه على كتّاب من ذوي الخبرة كي يتلافى الوقوع فيها، وحبّذا أيضا لو أنّ الكتاب صدر عن دار نشر؛ ليتمّ توزيعه على نطاق واسع يتخطّى أصدقاء الكاتب ومعارفه، ومن هذه الملاحظات:

عنوان الكتاب: العنوان:” :”مذكّرات معلّم من القدس العتيقة، القدس في ذاكرة إنسان” طويل جدّا، ولو اكتفى بعنوان”مذكّرات معلّم مقدسيّ” لكان ذلك أفضل، مع التّأكيد أنّ الكتاب أقرب إلى شذرات من السّيرة الذّاتيّة من كونه مذكّرات. ولا داعي لكتابة كلمة “المربّي” أمام اسم الكاتب، وحبّذا لو جاءت صورة الكاتب كظلال على صورة المدينة المقدّسة.

الإهداء جاء طويلا جدّا ويشمل آلاف الأشخاص، ولا داعي للجمل التّفسيريّة التي جاءت في السّطور الثّلاثة الأخيرة في الإهداء، ومعروف أنّ الجمل التّفسيريّة تأتي على حساب النّصّ، والقارئ ليس بحاجة إلى التّفسير لأنّه يفسد دهشته وانبهاره بالنّص.

المقدّمة التي كتبها الأستاذ نمر القدّومي هي “تقديم” وليست مقدّمة، فمن المعروف أنّ الكاتب يكتب مقدّمة كتابه، في حين يكتب غيره “تقديما” للكتاب، وقد جانب الكاتب الصّواب عندما كتب ثلاثة سطور كمقدّمة للتّقديم، والزّائد في الشّيء كالنّاقص فيه، مع التّأكيد على قناعاتي بأنّ “التّقديم” لأيّ كتاب يكون على حساب الكاتب والكتاب.

الإفراط في كتابة العديد من الأسماء: يلاحظ أنّ الكاتب قد أفرط بكتابة العديد من أسماء من درّسوه ومن زاملوه كطلّاب أو كمدرّسين، فغالبيّتهم لا داعي لذكر أسمائهم جميعهم.

العام الدّراسي 1967-1968:

عند الحديث عن افتتاح العام الدّراسيّ 1967-1968 كان نقص كبير في المعلومات، فالذي دعا إلى إضراب المعلّمين في مدينة القدس وبقيّة الأراضي المحتلّة هو المنشورات التي وزّعتها “الجبهة الوطنيّة الفلسطينيّة” المشكّلة سرّا من الأحزاب التي كانت قبل احتلال المدينة وهي”حركة القوميّين العرب، حزب البعث العربيّ، والحزب الشّيوعي الأردنيّ، وتشكّلت نقابة سرّيّة للمعلّمين في حينه من تلك الأحزاب. ومعروف أنّ الاحتلال كان معنيا بافتتاح مدارس القدس المحتلّة في بداية سبتمبر 1967 في محاولة منه لتضليل الرّأي العام العالميّ وإيهامهم أنّ الحياة طبيعيّة، وفرض المنهاج الإسرائيلي الذي قاطعه المواطنون، ومن هنا بدأ تأسيس المدارس الخاصّة التّابعة للأوقاف الإسلاميّة، بمبادرة من المرحومين: حسني الأشهب مدير التّربية والتّعليم في القدس، حسن طهبوب مدير دائرة أوقاف القدس ومحمود حبّيّة مدير جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة. وتوجّه آلاف الطلبة إلى المدارس الخاصّة وإلى مدارس بقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة التي افتتحت أبوابها في بداية شهر نوفمبر لأنّها درّست المنهاج الأردنيّ “المعدّل”، ولتوضيح مدى مقاطعة الطّلاب للمناهج الإسرائيليّة في مدارس القدس الرّسميّة كان عدد طلاب المدرسة الرّشيديّة كبرى المدارس الثّانويّة أحد عشر طالبا، في حين كان عدد مدرّسيها ثلاثة وثلاثين معلّما، وهذا ما أجبر الاحتلال عام 1974 إلى السّماح بإعادة تدريس المنهاج الأردنيّ المعدّل المعمول به في بقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة المحتلّة.

وماذا بعد: يبقى الكتاب وثيقة هامّة لا تغني الكتابة عنه عن قراءته والإستفادة منه.

الفاتح من تمّوز-يوليو-2021