23 ديسمبر، 2024 12:33 م

سامراء وغيرة الأبناء!!

سامراء وغيرة الأبناء!!

“المدن بأبنائها والأوطان بأهلها”
سامراء جوهرة حضارية إحتوت في ربوعها نوابغ العقول ورواد المعارف الإنسانية وقادة المسيرة الأرضية , يوم كانت الدنيا تتجمع فيها ولأكثر من نصف قرن , حفل بسطوع لا يُضاهى في الإبداع العمراني والمعرفي والإنتصارات الحاسمة.
وقد تناسى العالم سامراء , منذ أن تهاوت الدولة العباسية , وعمّ الخراب ديارها , وإجتاحت عاصمتها وحوش الخراب والدمار , ووصلت إلى أيقونتها الزاهية بقصورها وشواهدها العمرانية الفارهة .
بل أن المدينة صارت مجهولة حتى عن الساكنين فيها , فمعظم الذين ولدوا فيها وترعرعوا في أحضان شواهدها لا يعرفون قيمة المدينة ودورها , لأن ثقافة التجهيل كانت سائدة , وما درسناه ونحن في سامراء في كتب التأريخ كان أكثره من التأريخ الأجنبي , فتجدنا ومنذ الإبتدائية نعرف مدينة ديترويت الأمريكية أكثر من معرفتنا لمدينتنا التي نسكن فيها , وهذه مأساة مروعة أصابت الأجيال بمقتل حضاري فظيع.
لكن المدينة لا تخلو من ذوي العزم واليقظة والتطلع المشرق , الذين أدركوا قيمة مدينتهم وأهميتها الثقافية والحضارية , فشمّروا عن سواعد إرادتهم وأخذوا يعملون بجد وإجتهاد وإخلاص , للحفاظ على ما في المدينة من الآثار والمعالم الحضارية التي يُراد تشويهها وتدميرها.
ومن الذين أعتز بهم وأفخر , صديق عزيز وزميل أصيل , إنطلق في أعماقه نداء الغيرة على مدينته وآثارها , فراح يعمل بإصرار على أن تبقى المعالم شامخة جميلة سالمة من التشويه والتخريب , فقاد حملة رائعة لإزالة الكتابات المُشوّهة المريضة من بدن الملوية الجميل , وهو يسعى وفريقه للحفاظ على المدينة التي صارت على قائمة التراث الحضاري العالمي منذ أكثر من عقد , مما يفرض على أهلها معرفة قيمتها وأهميتها , ونشر ثقافة المدينة بين أبنائها لكي يتعلم الناس مهارات وسلوكيات الحرص الشديد على مدينتهم الجوهرة.
فالمدن بأبنائها , وعندما يعرف الأبناء مدنهم فأنها ترقى وتتطور وتعيش أقوى وأجمل , وهذه اليقظة الحضارية الآثارية التي يقودها صديقي , لهيّ المشعل الثقافي الإنساني التأريخي العالمي الذي يجعل أبناء المدينة يحملونها في قلوبهم , ويمنحونها سلاّف محبتهم وأريج إبداعهم , وبهذه الروح المعرفية والقدرات التفاعلية الإيجابية , تتوهج المدينة بأنوار مافيها من المعالم , التي تحكي مسيرة أمة ذات همة وقدرة على أن تقوم بدور ريادي في الحياة المعاصرة.
تحية لسامراء التي يتأكد وجودها في معظم المتاحف العالمية والجامعات والمؤتمرات الثقافية والآثارية , وتتواجد صورة ملويتها في أرجاء الدنيا ومحافلها , فهي رمز حضاري فريد , ويكاد يُقرن إسم العراق بها , فهي التي تشير إلى العراق , مثلما تشير الأهرامات لمصر.
تحية لصديقي وفارس مسيرة إحياء تراث المدينة ودورها وقيمتها , وبعث روحها الحضارية ليفوح أريجها في ربوع الدنيا المتشوقة لعبق فكري سامرائي عذيب!!