سامراء مدينة حضارية ضاربة في أعماق الزمن , ومنها مُنطلق الحضارات البشرية التي سبقت حضارة “عبيد” بفترة طويلة , وفيها أول نظام إروائي زراعي , وكانت تشتهر بالصناعات الزجاجية والخزفية قبل جميع الحضارات التي تعارفنا عليها , وبعض المؤرخين والآثاريين يطلقون عليها “حضارة سامراء” ويشير إليها ” تل الصوان” ذلك المتحف الآثاري الفريد.
وسامراء أغنى بقعة حضارية على وجه البسيطة , حسب دراسات وأبحاث المهتمين بتأريخ الحضارات , ففيها يمكن تحديد مسارات التطور الحضاري البشري منذ إبتدائه.
وحصر قيمة سامراء ودورها بالفترة التي كانت فيها عاصمة للدولة العباسية , فيه تعسف وإجحاف , لأنها ذات إمتدادات وأدوار أبعد من ذلك بكثير.
وربما يجهلها الكثيرون والبعض يعاديها , مما تسبب ببخس قيمة العديد من معالمها النادرة الناطقة عن الحقب التي كانت فيها ساطعة عزيزة أبية شامخة.
فالملوية رمز يختصر مسيرتها ورؤيتها وجوهر منطلقاتها الروحية , التي تقول بوضوح أن المدينة عالية شمّاء وتحشد طاقاتها الكامنة فيها للإنطلاق نحو أعلى الآفاق الكونية , بما تقدمه من ثقافات ودلالات على دورها الإنساني النبيل.
وهي كينونة روحية جامعة تعبّر عن أسمى القيم الإنسانية والدينية , المُترجمة بالرحمة والألفة والأخوة البشرية , التي تتخطى المسميات والمذهبيات وغيرها من التوصيفات المتصاغرة.
وقد أبحرت المدينة في مسيرتها المنيرة المتوهجة متحدية العقبات والويلات , متواصلة في تأكيد قيمتها ورمزيتها الإنسانية والدينية.
فهي المدينة العربية العراقية التي تمثل أرقى وأروع معاني الألفة الدينية , وترسم صورة الإسلام الواضحة الضامّة والمتآلفة الرائعة الكينونة والكيان.
ومدينة بحجم سامراء وألقها الحضاري ومقامها التأريخي والروحي , لا يمكن تغيير معالمها ومنطلقاتها وإرادتها المعززة بقدرات السماء , والمحروسة بالورع والنقاء والصفاء الكامن في صدور أئمتها الكرام , ومشايخها الأجلاء وأبنائها الغيارى الميامين المحبين للسلام.
فتبت يدا العابثين بإرادة الدين المستقيم , والداعين إلى مشاريع الوهم السقيم , فسامراء مدينة تحتضنها الأرض وتتمسك بها طاقات الأكوان ونواميس الدوران , ولن يفلح بالنيل منها أي دجال رجيم.
تحية لسامراء الحضارة والعروبة والدين!!