23 ديسمبر، 2024 4:48 ص

جميل ان تكون لنا مسارح تخاطب العقل الجمعي بلغة بسيطة .. بحكاية .. بسالوفة.. او حتى بطقطوقة .. قيمة المسرح تكمن في تفجير الطاقات الفنية .. وتغذية العقول بطاقة ايجابية .. والمسرح الجاد لا يتعاظم دائما بفخامة المكان ، ولا ببذاخة اللغة ولا حتى بالعروض الكبيرة ، والمؤثرات الصوتية المدهشة .. انما بفن اختزال الفكرة و توصيلها . . و بعث الرسالة وتوضيحها.. و بكلفة مادية باقل مما يتصوره الشاخص امام حدث مسرحي من نوع ( سالوفة مسرحية ) .
على قاعة صغيرة في ( مقهى رضا علوان ) ، لم يفكر احد منا ، ان تتسع هذه القاعة يوما لعروض مسرحية تعتمد على فن ( المزاوجة ) فالعرض المسرحي الذي أمامي .. هو حكاية من حكايات المتداول الشعبي .. الارادة والتصميم .. الصدق والثبات .. وجميع القيم المعرفية التي تتشكل حولها . .
كما ان هذا العمل الفريد ، تم إقحامه في حلقات فنية جميلة ازدهرت باللون ، والضوء ، والحركة .

ان ( سالوفة مسرحية ) هي نتاج عمل مهم لممثلين جادين و مبدعين في الإخراج والتقنيات المسرحية .. مع اداء مسرحي جيد ، واخر يصل الى مرحلة القبول ..لكن وجود فنانين كبار وراء اخراج هذا العمل المسرحي مثل ( الفنان الكبير سامي قفطان ، و المخرج المبدع د حسين علي هارف ، و د زينب الدليمي ، وعدنان شلاش ، وعزيز كريم ) .. ومجموعة مختارة من الممثلين الشباب الذين أمتعونا بأدائهم الجميل .. يعوض عن بعض الهنات التي حصلت هنا وهناك .

باختصار : ان رسالة وهدف هذه المسرحية .. هي العودة الى القيم الانسانية والمعرفية التي تحتاجها المجتمعات المتجذرة بعمقها التاريخي والحضاري .. في زمن وجدت نفسها قد تراجعت كثيرا عن أصالتها وقيمها الحضارية .

على مدى اكثر من ساعة .. كنّا امام تنقلات فنية مشوقة .. ومزاوجة لم تكن سهلة لا على مستوى ترابط حلقاتها في الاداء ، ولا على مستوى اخضاع المؤثرات الصوتية وضرورة استقرائها على نحو يرضي المتلقي بتسجيلها السينمائي .. وبمواكبة فرقتها التراثية .. وكان على الممثل ان يظل يقظا في تواصله .. فهو يغادر خشبة المسرح ليظهر فجأة على شاشة السينما ..ثم يخرج من الشاشة ليطل علينا من جديد فوق خشبة المسرح .. و على الفنان سامي قفطان ( القسطخون ) ان يستمر بنصه الشيق متنقلا بين المسرح ، والمشاهد السينمائية ، وفعاليات الفرقة الموسيقية التي أمتعتنا بأجمل منوعات الچالغي البغدادي .
لقد كنّا امام تصورات جديدة بامكانية دمج الوسائل الاتصالية بفروعها المدهشة شرط ان لا تتجاوز انسانية الانسان .. وهذا ما حذر عنه أنشتاين منذ اكثر من مئة عام . .
وكأن عرض ( سالوفة مسرحية ) جاء ليعيد للإنسان مكانته الطبيعية قبل ان تلتهمه آفة تكنولوجيا الاعلام الجديد .. ومنصات التواصل الاجتماعي .. وكل هذا العالم الافتراضي المزحوم بالصور والعنوانات الوهمية .
اننا اليوم امام عالم صارت الآلة تتحكم بمستقبلنا ومشاعرنا .. وصار الذكاء الاصطناعي يفكر نيابة عنا .. و هذا هو العقل الانساني ماض الى استراحة طويلة .. فهل تستطيع ( السوالف الشعبية ) الاصيلة ان تقربنا الى حاضرة القيم الوطنية .. دون ان نستغني عن تكنولوجيا الاتصال الكونية .