19 ديسمبر، 2024 1:36 ص

دخلت منطقة الشرق الأوسط مع بداية هذا العام مرحلة جديدة تداخلت فيها الألوان واختلطت فيها الأوراق على نحو غير مسبوق وسط حسابات معقدة وحساسة تشترك فيها مختلف القوى الدولية في محاولة إعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة لضمان مصالحها التي تلتقي أحيانا وتفترق أحيانا أخرى وتتباين تبعاً لذلك موازين القوى والنفوذ وفرص الهيمنة والصراع على إيجاد مواطئ أقدام للقوى العظمى في المنطقة .
فعندما تصبح جميع السيناريوهات ممكنة وتكون المفاجآت جزءً من الاحتمالات يصعب التكهن بمستقبل المنطقة على المدى القريب فضلاً عن الأفق الستراتيجي لتتغير ملامح المنطقة ومعها بقية دول العالم بدوامة قد تتسع لتشمل تأثيراتها مناطق أخرى من الكون ليس فقط في المجال السياسي بل يتعدى ذلك الى التأثير الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي وغير ذلك فالدول التي حصل فيها التغيير والمرشحة لذلك تلعب دوراً مهماً في تحديد شكل العلاقة ما بين دول العالم وفي مختلف المجالات فمن أسواق النفط التي سجلت ارتفاعات مضطردة مروراً بتلويح حزب الله بتحرير الجليل وعبور البارجتين الإيرانيتين قناة السويس لأول مرة منذ العالم 1979 إلى إعادة النظر بالاتفاقيات المبرمة في الفترات السابقة وليس انتهاء بإعادة القوى الراديكالية لاستعادة مناطق نفوذها وإمكانية التمدد لتغيير خارطة المواجهة اعتماداً على معطيات واقع جديد بدء يتشكل مع انهيار المعادلات القديمة والتطور اللافت لدعوة دول مجلس التعاون الخليجي الأردن والمغرب للانضمام لهذا الحلف الذي يبدو انه يحاول توسيع الإطار الجغرافي ضمن حسابات جديدة وما إلى ذلك من التطورات بانتظار ما يحمله الأفق من رياح تعيد ترتيب شكل المنطقة بعد أن تعرضت لخريف التغييرات .
في خضم هذه الأحداث تظهر صورة الحاكم العربي المتورط بماضيه والذي كان يعتقد إن قبضته الفولاذية لا تسمح بإقامة مجتمع الاحتمالات الذي يحق له أن يشارك في الحكم أو أن يبدي رأيه لأنه كان فخوراً بما بلغته تقنيات السجون ومهارات التجسس ومطمئناً إلى وجود الترسانات المرعبة من الاسلحة والمعدات العسكرية القادرة على مواجهة الجيوش وما أسهل مهمتها وهي تواجه الشعب الأعزل !!
بيد ان ملامح المواجهة أخذت شكلاً آخر ولم تعد الآلة الحربية وحدها من يحسم الصراع بعد أن ألجمت عنانها عوامل لم تكن تأخذ حيزاً من الاهتمام تبدو في مقدمتها رغبة الشعوب في الحصول على الحرية مهما كان الثمن بوصفه خياراً ستراتيجياً لا يخضع للمناورة أو المساومة وتحديد الأولويات الجديدة التي تتصدرها الحرية شعوراً من الشعوب إن التغييرات لا يمكن أن تتجاهل صوتها وان الاستقرار لا يصح إلا اذا قام على أسس العدل وحينما يكون الاختيار ما بين الاستقرار المؤسس على الظلم أو الفوضى فان الشعوب سوف تختار الفوضى مقابل أن لا تتنازل عن حريتها .
إن مثل هذا الاحتمال الذي لم يكن مطروحاً من قبل لكنه تحول إلى واقع نراه اليوم يؤسس لمنظومة جديدة تحاول فيها الفوضى ان تكون بديلاً عن النظم المستبدة وهو قد نجح في اخذ زمام المبادرة وفرض التغيير في تونس ومصر ويحاول عبر مواجهة شرسة في ليبيا واليمن والبحرين وسوريا ان ينظم الفوضى لتكون بديلاً مستقبلياً ليعيد رسم خارطة الفهم السياسي بعيداً عن النظريات الثيوقراطية التي تؤله الحاكم وتستعيد الشعوب مكانتها في مسيرة يقدر لها ان تقدم المزيد من التضحيات .
ان بندول ساعة الحكام انفصم عن جسد الساعة التي اوهمتنا زمناً طويلاً إننا لا نستطيع ان نعيش في هذا الكون بدونها وبذلك فقد فقدت أهميتها  في تحديد الوقت ودخلت في عزلة كانت قد ساقت الشعوب وهي تتصرف معها وفق نظام القطيع في متاهاتها وتخبطاتها رغم ان الشعب العربي قد أدرك- وان تاخر بعض الشيء –  ان العيش بلا ساعة تفسد حياته أفضل من العيش تحت عقارب ساعات الطغاة التي تستمد ديمومتها من دماء الأبرياء المطالبين بالحرية والعدل والكرامة .
 الآن وفي قلب الفوضى سوف نسمع دقات ساعات الثورة وإعلان انتصارها لتحقيق القيم التي غيّبها الحكام بدعوى الاستقرار وسوف نضبط ساعاتنا على توقيت الثورات لمرحلة جديدة نتخلص فيها من جميع الساعات التي تعيش وهم التوقيتات الدكتاتورية وقريباً ايضاً سنشهد في بلدان كثيرة تشكيل ساعات ثورية جديدة يضبط توقيتها المواطن بعيداً عن حسابات الطغاة وتعقيداتها انها ” الماركة ” الجديدة من ساعات الحرية التي تحمل احتمالاً واحداً بعيداً عن فوضى الاحتمالات وتعقيداتها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات