23 ديسمبر، 2024 1:02 م

ساسة العراق بين الحج المبرور والمأزور!

ساسة العراق بين الحج المبرور والمأزور!

مع دخول أشهر الحج المباركة نجد أن قلوب ملايين المؤمنين ترقص شوقاً لأداء هذه الفريضة العظيمة، التي هي مؤتمر سنوي يؤكد لحمة الأمة، وتكاتف أبنائها في وجوه الخير، ووقوفهم معاً في رفض الشر، ومحاربته!
الحج فريضة تُعلّم الناس الصبر والبذل والتسامح، وعليه فهي رحلة تعبدية تعليمية تأديبية، ومناسبة حاثّة على تنقية القلوب من الأدران، والأجساد من الآثام، حتى يعود الحاج كيوم ولدته أمه؛ كما ثبت في الحديث النبوي الكريم.
والحج أصبح عند بعض المسؤولين والمترفين رحلة شَكليّة، بل واجهة للرياء، ولهذا نجد أن غالبية المسؤولين العراقيين يتسابقون في مواسم الحج لأداء هذه الفريضة المباركة، وهذا حق شرعي وقانوني وإنساني، ونحن لسنا بصدد أن نكون قضاة على الناس، منْ يحق له أن يحج، ومنْ لا يحق له، لكننا نتحدث عن مسؤولين حريصين على أداء ركن ديني عظيم؛ وهذا يعني أنهم (مؤمنون) ويسعون لمرضاة الله، وهذا أمر حَسَن في مجمله، لكن الأمر الغريب هو الأداء الوظيفي السيئ لهذا المسؤول، أو ذاك من الحريصين على الذهاب للديار المقدسة، وكأننا أمام صور متناقضة بين الأداء الديني والوظيفي، وكأن الدين أصبح عندهم مضماراً للرياء والتباهي أمام الجماهير والإعلام.
المعلومة الثابتة، التي بلغتني من أحد المسؤولين العراقيين الحاليين أن( كل برلماني حصته خمسة مقاعد لموسم الحج الحالي، وأن غالبية النواب طلبوا زيادة العدد إلى عشرة، ولم تحصل الموافقة على طلباتهم خوفاً من بيع تلك المقاعد، كما جرى في مواسم سابقة)، ولا ندري هل تم بيع هذه المقاعد، أم أنهم ذهبوا مع عوائلهم للديار المقدسة؟
معلوم أن الشريعة الإسلامية السمحاء تحدثت عن فقه الأولويات، الذي يضع كل حكم من أحكام الشريعة- وكذلك القيم والأعمال- في مرتبته، ولا يُقدم ما يَستحق التأخير، ولا يُؤخر ما يَستحق التقديم، وكل ذلك وفقاً لمعايير شرعية يهدي إليها ضياء الوحي وسلامة العقل؛ وعليه- ومن هذا الأساس الشرعي، ومع استمرار الواقع المتردي في عموم العراق من النواحي السياسية والإدارية والخدمية- فإن الحيرة تدفعنا لطرح التساؤل الآتي: هل ذهاب المسؤول (المُقصر في عمله) إلى الحج أولى من تقديمه الخدمات للجماهير، التي لا تجد قنينة ماء صالحة للشرب، أو رغيف خبز يمكن أن يطعمه الفقير الجائع لأولاده، أو بضعة دنانير تقدم كمساعدة مالية لأيتام لا حول لهم ولا قوة؟
إن تنامي ظاهرة الخداع والخراب الإداري والفساد المالي (لغالبية المسؤولين في عموم الدولة العراقية) مؤشر على ضعف الوازع الديني، ودليل على تنامي ظاهرة المصلحة الشخصية، والنظرة للمناصب على أنها من أسباب الترف والحصول على المكاسب المشروعة وغير المشروعة، وهي – أي المناصب- تُلبس المسؤولين نظارة سوداء تجعلهم لا ينظرون لما يدور حولهم، أو ينظرون لما يحبون، ويلبسونها حينما لا يُريدون النظر لما يفترض أن يقوموا به من واجبات خدمة المواطنين، والتنافس في ميدان تقديم الأفضل والأصلح لبناء الوطن.
الدين الإسلامي الذي ينظر لإماطة الأذى عن الطريق بأنها صدقة هو ذات الدين الذي يحث المسؤول على أن يضع نصب عينيه ضرورة أن يُصارع الزمن ويسابق أقرانه لتحسين أحوال الفقراء والمحرومين والأيتام والثكالى والمعتقلين، وهو ذات الدين يراعي قيم العدل والإنصاف ونشر الخير في المجتمعات.
المسؤول الممزوج بهموم الناس، والساعي بحاجتهم، والداخل إلى مشاكلهم اليومية، والماسح لعرقهم، والساقي لعطشهم، والمعطي لضعيفهم وفقيرهم، هو المسؤول الذي ينال ثواب الحج – بنيته وعمله المخلص لشعبه ووطنه- وإن لم يصل إلى مكة المكرمة بجسده؛ لأن الإسلام دين يهدف للحفاظ على الإنسان تماماً كما يحرص على أداء الفرائض التعبدية!
المسؤول الناجح هو القادر على أن يبعث قيم الخير والعطاء في المكان المسؤول عنه سواء أكانت رئاسة وزارة، أو برلمان، أو أي مكان آخر يمكن أن يكون سبباً وبوابة لنهضة البلاد من جديد، ولبث روح الأمل والبناء والمحبة في ربوعها!
أنشروا العدل في بلادنا، ثم اذهبوا للحج!
حج مبرور وذنب مغفور لكل العاملين الصادقين الأنقياء الأتقياء.