على ما يبدو ان الحرية في العراق لا تتعدى أكثر من نصب تذكاري لمفردة تلاقفتها معاول السلطات عبر نسخها السياسية التي تقترب من المئة عام، كي تحرثها بطريقة التهجين والمزاوجة الحزبية بغية إنتاجها بمفهوم “الأرض لكم ولكن الثمار لنا”.
قافلة التحرير وهي تصل في جولتها الرابعة بدت علامات الاكتئاب واضحة على ملامحها جراء عمليات إنسابها الى اكثر من اب وجهة، فتزاحم الأقدام على منصات التظاهرات ومحاولة تحديد أبنائها، افقدها بهاء ثوبها ونصاعة اصلها، حتى أمست سفينة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق “إصلاحاً وعزلاً”، مع إن البعض من ركابها ذهب ابعد من ذلك الأمر في محاولة توجيه بوصلتها وإدارة دفتها نحو ضرب “الفساد بالفساد”.
العلامة الفارقة في تظاهرات تموز والتي مازالت سارية المفعول بأجزائها المتلاحقة انها ذات طابع “كوميدي”. جماهير تطالب بعزل “تجار المناصب” و”خلع الفتوى من كرسي المؤسسات”، فيما تجد من شملهم العصف وكفرهم “العرف الشعبي” يستترون وراء المنصة ويصطفون مع الحشود للمطالبة بالتغيير، فربما انهم يعملون بفتوى مقدسة كان قد اطلقها غاندي الهند مفادها “أهلاً بالتغير شريطة ان لايقلع سقف بيتي”.
الإصلاحات تعني الإطاحة بالتوازنات التي رسمتها المعادلات الإقليمية والإرادات الدولية في بغداد، مما يجعل التظاهرات عرضة للركوب من قبل اذرع تلك الجهات، حتى تستطيع تامين قوت أجندتها وشحن خطوطها برصيد زمني أطول، وهو ما افرزته تداعيات تلك التظاهرات الأخيرة في المدن العراقية، لذا فان على “المدنية” في العراق ان تزيح خجلها وتخرج من عباءة التلميح الى التصريح في كشف هوية قاتليها ، حتى لا تكون تعميقاً للجراح وتفويضاً لضرب مصالح أحزاب بإحزاب.