سيناريو انتخابات العام 2010 البرلمانية عندما حصلت القائمة العراقية آنذاك بقيادة علاوي على عدد المقاعد البرلمانية الاكبر في مجلس النواب العراقي والتي اختلف فيما بعد على تفسير ماهية الكتلة الاكبر , فجاء الرد من الاتحادية ان المقصود بها هي التي تتشكل بعد اعلان النتائج لا قبلها , ذهبت احلام الدكتور علاوي و من معه ادراج الرياح و ما عاد لقائمته من وجود , فالمعظم منهم قد ترك العراقية و اصبح لاهثا خلف مصالحه الشخصية فما بقي غير زعيمها متزعما على بضع نفر !
ان هذا السيناريو كاد ان يتكرر من جديد في انتخابات العام 2018 عندما فازت سائرون بالعدد الاكبر من المقاعد , ذلك اعتمادا على تفسير المحكمة الاتحادية حول موضوعة الكتلة الاكبر و التي لا تقيم وزنا للكتلة التي تفوز بالانتخابات كما حدث مع العراقية .
التفسير لم يقض على سائرون و لم يشتت جمعها , على العكس تماما مما حدث مع علاوي وقتها , بل جعلها المحور الذي تدور حوله الكتل و المرتكز الذي من دونه تسقط العملية السياسية برمتها , ان قدرة زعيمها المتمثل بالسيد مقتدى الصدر على التفاوض بقدرة عالية و امتلاكها لقاعدة شعبية لا يشابهها احد في ذلك من شيء , بالاضافة الى الهدف الوطني الذي جعلهم منصهرين في هذا التكتل على الرغم من ان الايديولوجيا التي يحملها كل طرف منهم , هو على النقيض تماما من الطرف الاخر , و هذا الذي راهن عليه الغير بفشل هذه التجربة فكان رهانهم خاسرا و سيبقى .
صلابة و صلادة سائرون بهذا الشكل المختلف عن كل المنافسين , جعلها اول من تدعو الى تشكيل تحالف وطني اشمل يضم كل الاطياف و المكونات و المذاهب و القوميات فكان الاصلاح وليدا شرعيا , هي اول تجربة عابرة لمفهوم المحاصصة و قضت على عقلية تشكيل كتل طائفية .
خطوة الاصلاح التي اصابت هكذا كانتونات طائفية بمقتل , سرعان ما اخذت زمام المبادرة بخطوة ابوية جامعة وبدل الوصول الى حد كسر العظم مع البناء , كانت طاولة الحوار هي الطريق للوصول بتوافق على تكليف عبد المهدي بتشكيل الحكومة , لكن وفقا لاشتراطات تلزم عبد المهدي و البناء في آن الوقت على السير وفقها , و من اهمها عدم استيزار اي شخصية تصدت للمناصب التنفيذية العليا , و اتاحة الفرحة له كي يختار من يراه مناسبا .
لا احد ينكر ان في هذه الحكومة وزراء غير مؤهلين للاستيزار مطلقا , لكن رغم ذلك فهذا افضل ما يمكن الوصول اليه في هذه المرحلة , و لولا ان قام الاصلاح بالضغط على الطرف الاخر و اجبره على التنازل و تبديل مرشحيه لكانت الحكومة الان مكونة في معظمها من وزراء غير قادرين على ادارة مدرسة و ليس قيادة وزارة , هذا ليس تهويلا بقدر ما هو واقعا عايشناه في الحكومات السابقة .
هذا التغير التدريجي نحو الافضل ولو بشكل طفيف , من خلال وجود وزراء مهنيين و كفؤين سيكون مدعاة للتقدم رويدا رويدا , خاصة ان الحكومة المتمثلة برأس هرمها لا يمتلك كتلة برلمانية لذلك هو بعيد كل البعد عن حساب التجاذبات السياسية و ما يحصل في البرلمان من صراعات , لذلك عليه توجيه كل قدراته و طاقاته نحو تقديم افضل الخدمات للشعب و القضاء على كل المشاكل التي يعاني منها المجتمع , و ما خطوة تشكيل المجلس الاعلى لمكافحة الفساد الا بادرة الخير الاولى , رئيس الوزراء الحالي هو ليس رجل سياسة بقدر ما هو رجل ادارة , جاء به التوافق ليؤدي مهمة اصلاح ما افسدته السياسة .
هذه الخطوات التي قامت بها سائرون ابتداءا من تشكيل كتلة وطنية و ليس انتهاءا بوقوفها ضد املاءات الدول و ضغوطاتها التي تدفع باستيزار شخصيات تابعة لها و منفذة لمخططاتها , بقبالة انتهاء وهج شعارات القضاء على داعش التي اعتمد عليها البناء في الترويج لانتخابه , و تحالفه مع خنجر الغدر و الخيانة الداعم الاول لداعش , ناهيك عن فخرهم بالتبعية للدول , اضافة الى امكانية فرط عقد هذا التحالف الهش قريبا .
تجعلنا نرى ان الاصلاح بالتقادم سيكون مؤثر اكثر و ثقله اكبر لانه يتماهى مع تطلعات الشعب و رغباته , و لعل من ابرز المؤشرات التي ستؤكد ذلك , هي الانتخابات المحلية المزمع اجراؤها في تشرين الثاني من العام الحالي , فوفقا للتعديل الذي اقره مجلس النواب السابق و الذي يتضمن تخفيض عدد المقاعد المحلية الى اقل من النصف في كل محافظة , هذا يعني انهم سيحصدون العدد الاكبر من المقاعد المحلية في معظم المحافظات و يستطيعون في ظل هذا التخفيض تشكيل الحكومات المحلية بالاغلبية دون الحاجة للطرف الاخر .
ان سيطرة الاصلاح على معظم مجالس المحافظات تنفيذيا و تشريعيا , و التزامها بالنهج الاصلاحي و العمل على تقديم الخدمات فعليا بعيدا عن الشعارات , يجعل انتخابات العام 2022 البرلمانية , اقرب في نتائجها الى الاصلاح و بذلك من الممكن جدا حينها الوصول الفعلي الى تطبيق الديمقراطية بشكلها الصحيح و هو حكم الاغلبية , الاغلبية الوطنية التي تضع مصلحة الدولة ” شعبا و اقليما ” في اولى اولوياتها , و يتم القضاء نهائيا على مفاهيم المحاصصة و التكتلات الطائفية , هذا ان لم يأتنا جيل اخر من الارهاب !!!