بعد ثلاثة عشر عاماً من تجربة الحكم الديمقراطي البرلماني في العراق، أضعنا فيها الخيط والعصفور، فلا نحن دولة ولاية الفقيه، لأننا نرى كثرة الفقهاء لهذه الدولة المفترضة، ولا نحن نعيش دولة المواطنة التي تهتم بالكفاءة والمهنية في إشغال المناصب فيها.
وواحدة من العلامات الفارقة التي عاشها الشعب العراقي خلال هذه الأعوام، هي السقوط الديني في مستنقع السياسة، وانخراط رجل الدين في ملاهي وقصور وخدم وحشم وحمايات، ومليارات السياسة.
لذلك فالشعب العراقي ليس فقط سئم من المذهبية وأبطالها الكارتونيين، بل نزف أنهاراً من الدماء بسببها، لذلك يجب إعطاء الخبز إلى خبازته، والاهتمام بالاختصاص في كل شؤون المجتمع العراقي. يعني بالقلم العريض الصريح، رجال الدين تكون وظيفتهم وعملهم في شؤون الدين، ومدارسه، وجوامعه، وليس في البرلمان، أو المناصب التنفيذية، أو الأحزاب السياسية، فذلك كله هو عمل السياسيين، وليس رجال الدين، ومجرد وجود صورة رجل الدين وسط السياسيين، وهو ينازعهم على المناصب، والوزارات، كما هو حاصل الآن، يثير الاشمئزاز، ويثير المذهبية، ويثير القرف من الدين نفسه حتى لو أحرق رجل الدين العشرة شمع بعد كل الذي جرى، فلن يجد التعاطف معه من قبل عامة الشعب، لأن المجتمع العراقي تعود على صورة نمطية لرجل الدين، مزينة بالقدسية، والورع، والزهد في الدنيا، ونكران الذات، وهذا مالا يمكن أن يتحقق عند انخراط رجل الدين في السياسة؛ لذلك لا نستغرب الآن من حجم الامتعاض الممزوج بالسخرية عند المواطن، فهو يرى رجل الدين وهو يعيش عيشة الملوك والقياصرة!! و لذلك نقول للجميع: اعطوا الخبز لخبازته، واطلقوا سراح عبيدكم، وامنحوهم الفرصة لكي يعبدوا الوطن، ويقدموا الخدمة باسم الوطن، فخدمة الوطن فيها توازن بين مرضاة الله، ومرضاة الشعب، مع إننا ندرك صعوبة مغادرة واقع الحال.
كتبت ما كتبت رداً على أحد هؤلاء حينما كان كعادته يتلاعب بالكلمات، والجمل، ومنها عنوان المقال. ولو كنت أعلم أن موتي فيه منفعة وطنية، لأكملت المقال، وسميت المسميات بأسمائها، وفصلت في حقارتهم، ومتاجرتهم بدماء الشعب العراقي، والاستهانة بتاريخه، وتضحياته، ولكن أعلم أن المتلقي سيكمل المقال، ويصل إلى ما أردنا أن نوصله إلى هؤلاء من رسالة، عسى أن يكتفوا بما كسبوا ويتركوا إدارة الوطن للأفندية.