23 ديسمبر، 2024 6:31 ص

سؤال العقل والقانون: عن عراق ما قبل الدولة… ما بعد الأمة

سؤال العقل والقانون: عن عراق ما قبل الدولة… ما بعد الأمة

شعرت وأنا أقرأ كتاب الباحث والمفكّر علي السعدي ( العراق: غمد السيف أم درب المعبد – عن المتشكّل والمتحوّل ما قبل الدولة.. ما بعد الأمة) إن ما كتبه هو وصف يستحوذ على الإنتباه للواقع العراقي الذي هو مشغول فيه، بل ومستغرق بكل تفاصيله ومفرداته على نحو شامل، فلم يدع مسألة شائكة أو عابرة تمرّ إلاّ وكان له رأي فيها، فقد سجّل قلمه على نحو حسّاس مثلما هي شخصيته، كلّ تعقيدات الوضع العراقي، وكأنه كان يلتقط صوراً حيّة لما جرى ويجري في العراق وما حوله.
بقلم رشيق وجملة أنيقة ، كتب بحروف بارعة مضيئة ، لكن بألم ومعاناة هي صنوها معاناة العراقيين، التي دوّنها بتفاعل منقطع النظير، لما هو منظورأو مستور منها، بما هو معه أو ضدّه، وكأنه كان أيضاً يختبر نفسه إزاء هذا الفيض الهائل من المعطيات المتناقضة، المتضادّة، المختلفة والمتجاورة، بل والمتعايشة في الآن ذاته.
من زحمة تلك المشكلات والإشكالات كانت شجرة أسئلته تكبر وتمتدّ، حتى كاد الكتاب أن يضيّق بها، وكلّما طرح أسئلة جديدة زادت أسئلته اللاحقة، فهو لا يبحث عن إجابات سهلة أو يقينيات أو مسلّمات، بقدر ما يفكّر بالأبعد والأصعب والأكثر جرأة ، وهكذا كانت الأسئلة تتوالد لديه، وتلك وليمة عقلية، لتحفيز الفكر واستثارة التفكير والتفكّر.
وبقدر ما في  كتاب السعدي من عمق ، فهو في الوقت نفسه كتاب ممتع، بل هو عبارة عن مجموعة كتب في كتاب واحد، بحيث ما أن تنتهي من موضوع حتى تجد امتداده وتواصله مع موضوع آخر مختلف، والمؤلف ينتقل بكل انسيابية بينها كأنه مايسترو يمسك بعصاه ليؤشّر لفرقته الواسعة، فتتحرك الآلات وتعرف كلّ آلة وكلّ عازف موقعه ودوره ونغمات آلته، فيأتي هذا الهارموني الذي وضع فيه الكثير من الأفكار والآراء والإستنتاجات، وإنْ خرجتْ منها أحياناً نغمات منفردة، لكنها سرعان ما تنسجم مع اللحن الذي يريده المايسترو.
علي السعدي مجتهد ومشاكس في الوقت نفسه، وتلك ميزة الباحث، فهو بقدر مشاغباته الفكرية، فإن لديه الإستعداد للتنظير وعدم الخوف من الوقوع في الخطأ، لاسيما عندما يشعر بأنه أخذ يمتلك أدواته، فتراه يتّجه بشجاعة وجرأة كبيرتين في البحث عن الحقيقة .
كان صعباً عليّ تصنيف كتاب علي السعدي وبقية مؤلفاته التي أطّلعتُ عليها مثل : العراق والمصباح النووي- جدلية الممكنات المستحيلة، وحزام النار – مفردات المواجهة وملامح السلام، والعراق الجديد- قلق التاريخ وعقدة القوة وغيرها، فإذا قدّرت أنها أقرب إلى علم الإجتماع فذلك ليس كافياً حيث يدخل في صميم الفلسفة ويتفاعل مع السياسة ويندرج في التاريخ، بل إن لغة الصحافة في بعض مواضعه ليست بعيدة عنه، ولذلك فإنني بثقة أقول أنه جهد فكري بارع وهو القاسم المشترك للكتابات غير التقليدية، كما أن لغته حداثية، والكلمة لديه مطواعة سلسة، بل رقيقة مع أنها من جمر.
وإذا كان الأمر إستوجب التدقيق، فإنه يحاول تقليب الفكرة بعد عرضها ويترك النهايات مفتوحة حتى وإن اتّخذ رأياً، لكنه بلا أدنى شك، رأي قابل للتغيير بما تحمله الحقيقة من معطيات جديدة، وحتى عندما تختلف معه، لاسيما في بعض استنتاجاته، فإنك لا تستطيع الاّ أن تقدّر وتحترم وجهة نظره، لأنه لا يلقيها على عواهنها ، وإنما يقوم بالبحث والتمحيص والتقصّي والمقارنة ليصل إلى الحقيقة أو يقاربها، باختصار إنها آراء وأفكار مؤسسة على معرفة واجتهاد، أصابت أم أخطأت.
الكتاب مزيج نادر من التاريخ والسسيولوجيا والسياسة بكل معانيها والأدب والثقافة، لكن التاريخ كان قلبها بامتياز، وفي مقاربته للوضع العراقي قدّم لنا تاريخاً قديماً ومعاصراً بأسلوب شائق ومثير، بما في ذلك أحياناً من طرافة لم يخلُ منها الكتاب، كلّ ذلك مصاغ بعمل تحليلي واجتهاد فكري، لاسيما وأن موضوعات الكتاب هي موضوعات شائكة ومعقدة كما أشرت، مثل: متى تربح الجغرافيا – متى يخسر التاريخ؟ والوطنية والموروث الديني ، والسياسة والفكر الديني ، وقضايا الهوية والأصالة والحداثة والماركسية والربيع العربي وأفلاطون وجمهوريته، إلى موضوعات راهنة من خلال عملية تفكيك ونقد وإعادة تأسيس وتأصيل .
يقول ان للتاريخ نكهة خاصة عن بقية العلوم، سواءً كانت هذه النكهة قراءة أو تأويلاً. وإذا كان قد انشغل بموضوع الدولة وكرّس هذا الكتاب بتقاطعاته ، لبحثها وتفسيرها ونقدها، فإنه نظر إلى التغيير باعتباره الحقيقة الوحيدة الثابتة وسواها يمكن أن يكون ” ثابتاً” لأن السعدي ينظر إلى التاريخ باعتبار: ما يفعله الإنسان في مكان معلوم وزمن معلوم (سابقا). وفي التاريخ ركنان ثابتان (نسبياً) وآخر متغيّر، وهذا الأخير فانٍ ولا يمكن الحفاظ عليه، وكم من الفلاسفة والحكماء وروّاد الخلود صاحوا: أيها الزمن قف ما أجملك، ابتداء من جلجامش الذي خاطبه سيدوري:
إلى أين تجري على هذا النحو ياكلكامش ؟
     إنك لن تعثر أبداً على حياة الخلود التي تبحث عنها
        فحين خلق الإله البشر
قدّر عليهم الموت
وجعل الخلود لنفسه وحده
الزمن ممتدّ بالمطلق والمتغيّر، وهو الوعاء الذي يستوعب ما يحصل، لكنه لا يتوقف، أنه الأقوى. أما الركنان الآخران فهما الجغرافيا المرتبطة بالسياسة والدولة والاقتصاد والبيئة (وبالطبع بالمصالح والقوى الإجتماعية) في حين أن الركن الثالث هو الإنسان الفاني مصيراً و”الثابت” سعياً وطموحاً.
لكن التاريخ حسب هيغل فيه الكثير من المراوغة والمكر، ومع ذلك فالسعدي مهجوس به، لأنه العلم الذي تتفرّع منه العلوم الأخرى، فهو الذي يدوّن تاريخ السياسة والساسة، وتاريخ العلوم وتاريخ الفنون وتاريخ الآداب والعمران، وهو الفعل في لغة الزمن، وبالعودة إلى الجغرافيا فستكون مفعولاً به، وهذه الأخيرة يمكن أن تنتصر بانتصار الطغاة، لكنها ستخسر بخسارتهم، في حين أن التاريخ منتصر دائماً، على الرغم من أنه شاهد سلبي على الأحداث، في حين تشارك الجغرافيا في صنع الحدث أو التأثير فيه، وينأى التاريخ عنه بكلّ استعلاء أو عدم إكتراث أو لا أبالية أحياناً.
الإرهاصات الفكرية لدى علي السعدي لا تتوقف عند ذلك ، فيشبّه الجغرافيا بالإنسان، إذا ذهب شبابها فلن يعود حتى لو أجرت العديد من عمليات التجميل، وهو تشبيه لم أجد أجمل منه، ولكي يطبّق ذلك على العراق، يقول مقارناً الحاضر بالماضي مع أفق المستقبل: لقد احتفظ العراق بشبابه وحيويته أكثر من 50 قرناً
( خمسة آلاف عام) على الرغم مما مرّ به من حروب وموات وولادات، بما فيها ولادة التاريخ ذاته بكل تفرّعاته ووجوهه، لكنه دخل مرحلة الشيخوخة والموت في أقل من أربعة عقود، فقد بدأ عصر الطغيان مع تجفيف مياه الأهوار وقطع رقاب الملايين من أشجار النخيل ودخلت الأنهار في شيخوخة في ظل التفرّغ للعمل الحزبي والمغامرات العسكرية (وما تركه الحصار الدولي الجائر لاحقاً)، وما كادت الحرب الأولى (العراقية- الإيرانية 1980-1988) أن تنتهي حتى اندلعت حرب ثانية (غزو الكويت في 2 آب/أغسطس 1991) ولم يكن كل ذلك كافياً، بل استلزم الأمر غزواً خارجياً، الأمر الذي خلخل الجغرافيا وأفقدها رونقها وجمالها ودفعها للإنكفاء).
ولعلّ التاريخ قد جلب لنا طغاة من نوع جديد حسب تعبيره، والطاغية يمكن أن يكون وطنياً أو غازياً، وقد يجمع الإثنين معاً، فثوب الوطنية وواقع الغزاة، يمكنهما الإجتماع في وقت واحد، وهو ما أوصلنا إلى أفواه نهمة لما تدرّه جغرافيا منهكة عجوز لا أحد يمدّها بأمصال الحياة سوى ما تنتجه من بترول. ويخلص المؤلف إلى القول ” لكن الجغرافيا لا تفتح ذراعيها للقادمين، والتاريخ لا يفرد صفحاته لتسجيل أفعالهم، الآّ إذا غابت الوطنية وحضرت التبعية” وفي ذلك تلخيص بليغ وبمسحة أدبية للواقع الراهن، حيث نظام المحاصصة الإثنية والطائفية واستشراء العنف والإرهاب وتفشي الفساد المالي والإداري والرشا وكل ذيول ما بعد الإحتلال.
وإذا اختلّت البوصلة الوطنية وأخضعت مصالح الوطن للمصالح المذهبية أو الفئوية أو الحزبية الضيقة، فإن المقادير ستنقلب، وهو يتحدث عن ذلك بالقول يقول: أصبح الإنتماء الوطني إتهاماً والمجاهرة بالوطنية أو العراقية يستحق إعلان الحُرم…
 إن حديث علي السعدي عن التاريخ هو كالحديث عن الأفعى في الأساطير الغابرة والميثولوجيا لدى المجتمعات القديمة والحديثة، وذلك باستعارة كلام الشاعر اليوناني أرخيليوس عن الطاغية، وهو أول من استخدم هذا المصطلح ضد الملك ” جيجز” في الولاية اليونانية ليديا ،وكان قد استولى على الحكم بانقلاب عسكري أطاح بملكها السابق.
ويفرّق السعدي بين الطاغية والقائد، فالقيادة تفترض وجود أمّة من المواطنين (الأحرار) الشجعان، ويقتبس قولاً لأرسطو موجّه إلى تلميذه الإسكندر المقدوني: كن لشعبك قائداً ولعبيدك سيّداً، أي أن القيادة علم وفن وتجربة وحزم واحترام وقدرة على اتخاذ القرار، وقبل ذلك معرفة وإنسانية. ويلوم القيادات الشيعية الدينية والسياسية فيما وصلت إليه أوضاع العراق، بل ويعتبر إحدى الأخطاء الاستراتيجية لها هو إقدامها على تفجير ثورة العشرين، وهي مسألة نختلف بشأنها، تلك التي أعطت للعراق وللدولة العراقية ما بعد الإحتلال البريطاني وجهتها وتوجّهها بل وساهمت في إنهاء الإنتداب البريطاني وتحقيق استقلال العراق في العام 1932 وانضمامه إلى عصبة الأمم.
ويقول السعدي أن القيادات الشيعية أخطأت في موقفها في عدم مساندة الشيخ خزعل لتولي الحكم في العراق، وكذلك أخطأت في موقفها من حكم الزعيم عبد الكريم قاسم والهوية الوطنية بشكل عام، ويتوصل إلى استنتاج أخير بشأن وصول الجماعات الشيعية إلى الحكم بالقول: إن الحكم جاءها على طبق جاهز لكنها أخطأت في العداء لما هو عربي أو عروبي، وبتقديري أن الموافقة على التعاون مع الإحتلال، لاسيما بصيغة بول بريمر، كان أحد أهم الأخطاء الكبرى لها ولجميع القوى التي وافقت على ذلك، وهو الذي أدخل العراق في نفق الإحتراب الطائفي وبدّدت من طاقاته في مقاومة الاحتلال سلمياً ومدنياً وبجميع الوسائل الممكنة.
ويستنتج السعدي أن العراق لم يعرف في تاريخه سوى الحكم الإستبدادي ووجود طاغية وحاكم جائر، في حين يقسّم الأنظمة حسب تصنيفات أفلاطون إلى خمسة هي الأرستقراطية والمقصود بها حكم الأقلية المختارة ” النخبة” أو الصفوة، والتيموقراطية أي الطامحين إلى المجد والساعين إليه، والأوليغارشية، وهو حكم أصحاب الثروات والديمقراطية وهي حكم الشعب، أما الاستبدادية فهي حكم الطاغية.
علي السعدي مشحون بعراقية صميمية، وتراه ينافح ويكافح من أجلها بجرأة وتحدّ أحياناً، وفي الوقت نفسه يمتاز بخفّة دم وحسجة (تورية) جنوبية، لاسيما عندما يتحدث عن تثاؤب الساسة وعمى الألوان وعن مزرعة السياسة وكأنه يستعير من الروائي الشهير جورج أوريل عنوان روايته الأثيرة ” مزرعة الحيوان”، وهو إذ يثير أسئلة  حول علاقة الفكر بالسياسة ، والسياسة كممارسة والفكر كمنتج، وهل تبرع السياسة في غياب الفكر أو يتطور الفكر عند ضمور السياسة، يتناول القوّة ومصادرها ويحددها بثلاثة: مقدسٌ متعال وطوطم متجلّ يمثل جذراً عرقياً أو مكانياً أو رمزاً، وأخيراً سلطة تحافظ على النظام وتنمّي القوة.
وإذا كانت الجغرافيا قد لعبت الدور الأبرز والأكثر فاعلية في اختيارات الاجتماع البشري فقد كانت المنشأ الأول والأساس لمعتقداته وطواطمه وتكوين سلطته، بل وتحديد سلوكياته وطريقة عيشه وما وصفه من تشريعات وقوانين.
وحين يتناول من خلال كتابه السياسة الخارجية، ولاسيما مواقف دول الجوار، فإنه ينطلق من خلال بحث الداخل العراقي، ولاسيما حين يحدد أربعة لوبيات، اللوبي الأول الإيراني، ويقول أن فروعه عقائدية ومصلحية ووظيفية، والأخيرة هي الأخطر بما لها علاقة بالأجهزة الإيرانية، أما اللوبي الثاني فهو اللوبي السعودي ويعطيه دوراً ربما أكثر مما يستحقه، حين يربطه بالأصولية المتشددة، والحزب الإسلامي وبعض أجنحة حزب البعث، إضافة إلى جماعات مسلحة مثل: تنظيم أنصار السنّة وجند السماء وكتائب ثورة العشرين، ولا أدري هل يجهل الأمريكان ذلك بالنسبة لحلفاء أقوياء لهم في المنطقة، وهل أن السعوديين لا يراعون اعتبارات واشنطن وهي تحتلّ بغداد؟
أما اللوبي الثالث فهو اللوبي السوري، الذي ضعف حالياً وقد احتضن التيار البعثي وبعض القوميين العرب، لكنني اعتقد أن حضوره في العراق في السابق والحاضر، كان ضعيفاً لأسباب تاريخية، لاسيما تتعلق بالصراع البعثي- البعثي، والعراقي- السوري، ولعل تهويل حجمه ودوره كان لأسباب سياسية بهدف إضعاف المحور الإيراني- السوري.
ويعتبر اللوبي الأمريكي هو الرابع، ويضم قيادات إقليم كردستان حسب المؤلف، إضافة إلى قيادات ليبرالية ويسارية متحوّلة وثقافية وإعلامية وأكاديمية. وإذا كان من تقديرات ، فكان لا بدّ من الإشارة إلى قيادات الوفاق الوطني، لاسيما الدكتور أياد علاوي، ورئيس المؤتمر الوطني العراقي الدكتور أحمد الجلبي، إضافة إلى بعض الشخصيات المحسوبة على التيارات الدينية التي كانت ولا تزال علاقاتها وثيقة مع اللوبي الأمريكي، الذي لديه نفوذاً كبيراً حالياً في العراق، ولاسيما بعد الاحتلال العام 2003، بما فيهم قيادات عسكرية وأمنية غير قليلة، ولعل بعضها لم يأتِ دوره حتى الآن.
يخلص السعدي في أبحاثه حول الأمّة، الدولة، المواطنة، إلى تصنيف الدول إلى استبدادية والمقصود دولة الإدارة وتوافقية والمقصود دولة الوظيفة، ودولة العقد الإجتماعي، ويتوصل إلى أننا نعيش في أزمة دولة المواطنة، ليس في العراق فحسب، بل ربما في عموم المنطقة وأظنّه من أهم الإستنتاجات الواقعية، حيث تتوزع الولاءات إلى دينية وإثنية وطائفية ومذهبية وعشائرية وجهوية وغيرها، في حين تتطلب المواطنة هوية عابرة للطوائف والقوميات والأديان والمكوّنات الأخرى، بحيث تكون جامعة موّحدة، لكنها ليست واحدة، أي متعددة ومتنوّعة، وتحترم الخصوصيات والهويات الفرعية. والمواطنة تتطلب مساواة (وهي غائبة) وحرية (وهي مفقودة أو ناقصة) ومشاركة وهي (ضعيفة) وعدلاً وهو (شحيح أو محدود) ولاسيما العدل الإجتماعي، ويعتبر السعدي العراق يعيش منزلة بين المنزلتين فلا هو دولة الأمّة ، ولا أمّة الدولة، فهو يملك مقوّمات الأمّة دون إعلانها ،ويملك عناصرالدولة (الحديثة ) دون تشكيلها .
صاغ علي السعدي أطروحات كتابه في رمال عراقية متحرّكة، لم يسع لإرضاء أحد، كما أنه لم يستهدف إغضاب أحد، بقدر ما كان متعالياً في بحثه عن الحقيقة، ومتواضعاً في الكشف عنها، وهو الهدف الذي كان يسعى إليه، ولا أظن أنه كباحث لديه أهدافاً أخرى غير ذلك.
وبقدر راهنية الكتاب، فإنه استراتيجي أيضاً، لما يطرحه من عناوين مهمّة وإشكاليات قائمة، يبحث فيها برؤية المخّتص والعالِم، ولكن بقلب حار وإن كان يكتب برأس بارد، وهو ما أعطى للكتاب هذه النكهة التحليلية العميقة.
آمل أن يثير الكتاب الكثيرمن الرأي والرأي الآخر والجدل والنقاش والحوار حول موضوعاته الساخنة والملحّة، على نحو يغذّي الحاجة إلى المزيد من المعرفة ويغني التوجهات المطروحة فيه اتفاقاً أو اختلافاً، وأجده أحد المراجع المهمة في بحث واقع المجتمع العراقي وتوزّع تياراته السياسية وقواه الإجتماعية، وجماعاته الدينية والإثنية، ومرجعياته، وهو كتاب تعامل مع كل هذه المفردات بثقة وصراحة، ولهذا أظن ان الباحث والمخّتص فضلاً عن القارئ الذي يبحث عن الحقيقة، سيجد فيه مادة غنية ومهمّة تمثل وجهة نظر لمثقف وكاتب عراقي مستقل.