كتب الدكتور سلمان كاصد في جريدة الاتحاد الظبيانية عن ديوان الشاعرة زينب الربيعي على هامش معرض ابوظبي للكتاب الذي اقيم مابين 28اذار و 2 نيسان جاء فيه :
“في الإمارات اشترك العرب بإصدارات أدبية وشعرية ومن هذه الإصدارات ديوان شعر للشاعرة العراقية زينب الربيعي بعنوان “امرأة من رمل ملون”. تضمن الديوان خمساً وثلاثين قصيدة قصيرة.
والشاعرة في ديوانها هذا تحاول أن تتقدم عوالم أنثوية شفافة، لكن أهم ما في الديوان هو قصائدها القصيرة التي تمتلئ بالمفاجأة اللا متوقعة في خواتيمها “
من هنا أبدأ للشاعرة زينب الربيعي وقد قرأتها عالما وطرازا خاصا في فضاء الشعر ، لما تدونه من تجليات موسيقية في موضوعة هواجسها أزاء عالم فوضوي لا تتشابه تفاصيله وأن حملت توأمها في رحم قصيدة وآطار واحد ، وهي تسعى الى فتح مواسم لم تعبرها قوافل الشعراء ، لمنطقة الأختلاف التي يخشاها الجميع . وهو فعل القوة حين تصدح بالشعر من على منصة البوح .. في هذا العالم الذي أحببته أولا كان حواري مع زينب الربيعي .
– هل يولي الشعر الحداثوي، اهتمامه للرؤى والمضمون وشعريتهما وليس للشكل أو الموسيقى ؟
اعتقد ذلك، بل العكس هو مايحصل الان …..فحين يصادف ان أقرأ مجلة مختصة بالشعر يكتب فيها شعراء من مختلف البلدان العربية ويفترض أن يكونوا من خيرة الشعراء أجد نفسي بعد عدة صفحات مشوشة ومتعبة من التركيز على حل طلسم كل نص،و محاولة فهم مايتبناه الشاعر وانا عاجزة، حتى في بعض الحالات اعيد قراءة النص دون جدوى . لا يمكن ان تكون القصيدة مثل اللوحة التشكيلية … اللون في اللوحة يأخذك الى عوالم اخرى لكن الكلمة سوداء اللون واضحة المعنى لا تعني الا نفسها لذا اصبح المضمون بوهيميا .
– الى أي مدى يهمك البحث عن االتجريب في مفهوم القصيدة الحديثة ..أقصد المفهوم الجديد للشعر , الذي أزاح كثيرا عن ماورثناه ؟
انا لا ابحث عنه أو أتقصده، بقدر ما يأتيني هو حاشرا ذاته بين طيات كلماتي واستعاراتي ،فاذا ما فرض نفسه علي فلا ارده بل أتعامل معه بذكاء وطواعية ليخرج نصي كما أريد أن أشعر به انا اولا قبل المتلقي . فقد عمدت على رسم ( سكيتش ) مع احدى نصوصي لتوضيح فكرتي فاذا بالقراء على الفيس بوك احبوا التخطيط واعتبروه نصا منفصلا تعاملوا معه بحيادية وليس بتبعية . ويمكنك ان تلاحظ بين نصوصي كثيرا من القصصية والسردية التي تتداخل بين المقاطع القصيرة والمتقطعة وتفرض نفسها دون قصدية في لحظتها فيأتي النص مشابها لقصة قصيرة جدا في بعض الاحيان فيخرج عن المألوف .
– يعيش الشاعر العراقي والعربي حالة الأستلاب والأغتراب . هل هو أفتعال لمنح القصيدة قصدية أكبر ؟
بالتأكيد ليس افتعالا، لأن المجتمع بأسره مستلب ومغترب. والشاعر هو الجزء الشفيف من هذا المجتمع لذلك يتأثر اكثر من الاخرين … التداعي واضح جدا في مجتمعنا ثقافيا بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والنفسي وهذا مايجعل الشاعر بعيدا ومغتربا عن ذات مجتمعه ليحصن نفسه وادواته ويحافظ عليها .
– هل تؤمن الشاعرة زينب بأدب الذكورة والأنوثة في فضاء الشعر مثلا ؟
أن اصروا على تسميتها هكذا فلا ضرر، لأن في نهاية الامر شِعر المرأة يختلف بدرجة اختلافها عن الرجل كجنس .. لابد لتجربة الشاعرة الشخصية والاجتماعية أن تختلف عن الشاعر ، يكفيها انها لا يمكنها وصف مشاعر الحب مثلا كما يفعل الشاعر بأباحية وبكل فخر وأن تعددت وتعمقت علاقاته . هنا لابد ان نعترف بان الشاعر اكثر حرية وانفتاحا وتجربة، لذلك الشعراء اكثر عددا وشهرة من الشاعرات بكثير . اما الشاعرة فهي ام وزوجة وهذا الدور يحدث تغيرا كبيرا في انتاجها نوعا وكما … لذلك لا أستغرب من تسمية النتاج النسائي بالادب النسائي او النسوي لكنه يذكرني بالقسم النسائي في المستشفى . وعذرا للنقاد على تهكمي .
– الازمات والحروب والكوارث التي اجتاحت اوربا انعكست على حركاتها الادبية والفنية واطلقت ثورات وتغيرات عدة في هذا النحو، وكان لهذه الحركات أثرا في تدوين شيئا مجددا في الأدب، هل ترين ان الأدب حقق ثورة بعد ان مر العراق بأزمات مشابهة تقريبا؟
بالتأكيد لا ،لان الفرق كبير واهم فرق هو أن آوربا كل دولة فيها عملت بمفردها ولم يتدخل أحد بشأن الاخر … اما نحن فأمرنا مازال مرهونا بتدخل دول الجوار واميركا وهذا طبيعي على مر الزمن بعد احتلال دولة واضعافها يتدخل جيرانها للمكاسب …لذلك يمنى الادب بأزمات مثله مثل بقية مفاصل الحياة لان الحياة ليست طبيعية في العراق فاذا كان لابد من ذكر ثورة فهي بالعكس تماما، كانت ثورة ضد كل ما هو راق وجميل طمر ولم يهتم به احد فترى الاديب الذي يريد ان يحافظ على انجازه يركن وينزوي .
– في كثير من الأحيان ترجح كتابات المرأة الى الذات الأنثوية ، هل هي ذات الأنا ، وكيف تتعاملين معها كشاعرة ؟
الانا عند المرأة لا تتمحور حول ذاتها فقط وكأنها تمزج معها ذوات من هم حولها فهي مخلوق لايمكنه العيش منفردا ،لذلك اناها ليست نقية بل خليط بعكس (انا) الرجل ، هذا تفسير شخصي فقط ، وينطبق علي بالتأكيد كأمرأة رغم محاولاتي للانفلات من هذا الهجين ومحاولة خلق انانية انية في بعض الاوقات … أما كشاعرة فالامر يختلف الى حد ما فأحاول ان اظهر الانا اكثر واستخلص منها مكنوناتي قدر الامكان الا اني اتوقف ايضا عندما يتعلق الامر بمشاعري العميقة وينكسر صاعي عندما احاول استخراج شيء تيبس لطول تخزينه . ارجو اني اوضحت اكثر مما عقدت الامر …
– كيف تنظرين الى موضوعة تحرر المرأة في الشرق ، وهل لها علاقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية ؟ وهل أنعكس على المشهد الثقافي وتحديدا الشعر ؟
تحرر المرأة اصبح بلا معنى كما في الرياضيات عندما تلغي قيمة قيمة اخرى معاكسة لها فتصبح المحصلة لا شيء …. فكما حصلت على منجز لا بأس به بالعقد الاخير لتخرج الى الحياة وتتطلع وتنجز تحولت بنفس الوقت الى سلعة للفرجة ولاغراض اخرى يعرفها الجميع برضاها وبمباركتها، ان الامر له علاقة بانفتاح مجتمعاتنا عبر وسائل الاتصال المختلفة على الغرب وتقليد كل ماهو جديد اول باول وكأن الامر واجب وفرض…. وهذا الواقع اثر بالتأكيد على الثقافة بشكل عام والشعر بشكل خاص لاني شخصيا اتحفظ كثيرا على مسألة حرية الشاعرة بالتعبير عن مشاعرها بايروسية مثلها مثل الرجل فلا اهتم ان اتهمت بالوقوف ضد بنات جنسي بهذه الجزئية لانني لست مع حرية ارتداء الملابس واطلاق المشاعر التي لا تفضي الا الى تغليب الغرائز بقدر ما انا مع حرية الفكر والمنطق والمنهج عند المرأة كي تنافس الرجل فعلا مما يؤدي الى تطور كبير في المجتمع .
– الذات، الحرية، الجمال ،عالم متكامل في ظل فوضى المكان ، ما هو مفهومك لهذه الثوابت في الحياة بأحساس الذات الشاعرة ، وهل أنعكس ذلك على قصائدك ؟
جميلة هذه الكلمات وجاءت بترتيب مقصود اكيد يدل على فطنة كاتبها … اذ ان الذات لايمكنها الاحساس والعيش كذات شاعرة مبدعة الا اذا تنفست الحرية الحقيقية وليست كادعاء وبذلك تتوج بالجمال وتتوهج بألق لا تراجع فيه بل العكس تستمر لبقية العمر لأن التجربة الزمانية هنا تزيد هذا الجمال صقلا وثباتا … نعم انعكس ذلك علي كما ذكرت بهذا الترتيب فكنت اقوي ذاتي بمزيد من الحرية وليست اية حرية بل حرية الثوار والمناضلين من اجل ساميات الامور وارقاها لحياة شخصية افضل فجاءت بعض قصائدي تحوي جمالا متفردا خصوصا النصوص القصيرة منها بحسب بعض النقاد والشعراء .
– ما هو تقييمك للمشهد الثقافي العراقي بعد العام 2003 ، وهل حقق الطموح بالحرية ؟وحرية البوح للمرأة العراقية ؟ بالرغم من وجودك بعيدة عن الوطن ؟
لانني لا اقيم بالعراق لذا لن احكم على المشهد الثقافي العراقي لان حكمي لن يكون دقيقا على الرغم من اطلاعي على بعض الاعمال الادبية وحرصي على مواكبة نتاجات الادباء بشتى المجالات لكني بالتأكيد يمكنني تأشير السلبيات وفق ما اقرأ من نقد واضح لتراجع الادب وبالاخص الشعر حيث كثر الشعراء غير المعترف بهم من قبل النقاد الكبار، خصوصا ما حدث في مهرجان المربد فكان النقد لاذعا للشاعرات بالاخص ولكل من سجلت حوله ملاحظات باخطاء نحوية شنيعة من الشعراء ايضا…
اما فيما يخص الحرية فأنها مازالت اسيرة لم تنتهي مدة محكوميتها مع بالغ الاسف للجميع فما بالك بحرية المرأة ذاك الكائن المقيد بالف قيد، لذا تراجعت ثقافة المرأة ودورها والقها بشكل عام … لكني اود تسجيل امرا ليطلع عليه الجميع انني لولا غربتي لما تمكنت من البوح بحرية وبشجاعة وبضمير حيث سطرت بعض الاحداث التي عصفت بالعراق وخصوصا مايخص المراة في نصوص نشرتها بديواني الاول ( امرأة من رمل ملون ) كانت بحسب وجهة نظري كوثيقة ارشيفية للتاريخ عن حال المراة بعد عام 2003 واحتلال العراق وماعانته من حرمان وتشرد وقتل واغتصاب فكانت احدى القصائد ( سيدة الموت ازهري ) مهداة الى روح الصحفية رحماها الله ( اطوار بهجت ) اما قصيدة (عارية انت ِ الا من الروح ) فكانت كتوثيق لامرأة اغتصبت وقصيدة ( الى امرأة كانت في الصالحية ) حول قصة امراة اخرجتها الشرطة عنوة من شقتها بحجة انها تسكن بشكل غير قانوني …
– اخر نتاجك؟
اعمل على انهاء ديواني الثاني الذي سأطبعه بداية العام المقبل باذن الله وسيكون فيه تجديد لاسلوبي ولطرحي بشكل واضح حتى لهيئة وشكل الكتاب من الداخل … كما انني احضر لمشروع كتاب مع اديب عراقي كبير مشترك سيكون مفاجأة على ما اظن للوسط الثقافي لما فيه من فكرة جديدة لم يسبق ان طرحت في العراق بحسب ظني .