18 ديسمبر، 2024 11:55 م

زيف الرأي العربي العام !!!

زيف الرأي العربي العام !!!

” لابد أن تكون للقدرات الثلاث مجتمعة… القدرة على الملاحظة… والقدرة على التفكير.. والقدرة على البوح والمطالبة… مجملا لجميع وسائل تطوير القوى الحياتية وتطبيقها… إذ لا أحد يعرف مديات قوة قدراته.. حتى يختبرها!!!”
بادئ ذي بدأ لن أخجل ولن أجامل فإنا اشك واشكك بالفرضية المشاعة حول إن كل استطلاع للرأي العربي العام يمكن أن يكون له معنى أو أية مصداقية, وبعبارة أخرى اشكك في حقيقة وجود إنتاجا للرأي العربي أو بإمكانية التعبير عنه أو حتى بإتاحة ذلك للجميع, وأرى أنه من الممكن إثبات أن في بال الحكام جميع الآراء العربية العامة ليست مهمة على الإطلاق، وأن حقيقة جمع الآراء بأستطلاعات الرأي هي ليست أكثر من إنتاج أعمال فنية مزيفة لا معنى لها, وببساطة ليست هناك فرضية صريحة حول وجود إجماع حول القضايا، وغالباً ما يتم تحدي استطلاعات الرأي العام بطابع السؤال عن تمثيلية العينات, وأعتقد أنه نظراً للحالة المأساوية الراهنة للواقع العربي وكذلك للوسائل التي تستخدمها برامج تلك الأستطلاعات فإن هذا الاعتراض لا أساس له من الصحة لأنه لا يتم إجراء العمليات بصدق بحيث يتم طرح الأسئلة الكلاسيكية بطرق مائعة وماكرة أو استخدام حيل الزيف في صياغتها، وغالباً ما يتبين أن الإجابة مشتقة من شكل بناء الأسئلة وحتى الإشكاليات الخاصة التي يقام بها ذلك النوع من التنظيم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالظاهرة وتخضع لنوع معين من النظام الاجتماعي الوالي والتابع والمنتفع من الأنظمة الحاكمة.
بعالمنا العربي تخضع الإشكاليات التي تقترحها دراسات الرأي العام للمصالح السياسية المرتبطة بإبراز حكمة وعبقرية الحاكم، وبذلك سيمحق بشدة كل من معنى للأسئلة وللإجابات ويفضح هدف نشر النتائج!! إن استطلاعات الرأي العام في أشكاله الحالية هو أداة حمقاء للعمل السياسي, ولعل أهم وظائفها غرس الوهم القائل بأن هناك رأي عام باعتباره حتمية يتم الحصول عليها فقط من خلال إضافة آراء فردية, الغرض منها إخفاء حقيقة بؤس ويأس وضياع الرأي الشعبي العام، وعبره تأمل الأنظمة الحاكمة للتأثير الأساسي على تسطير فكرة وجود رأي داعم لها بالإجماع وذلك محاولة منها لإضفاء الشرعية على سياساتها، ولإحكام خروج نتائج ترضيها فهي تعمد على وضع وفرض فلسفة خفية للتصويت على استطلاعات الرأي العام وإذا ألقينا نظرة عن قرب فسنجد أن النسبة المئوية لأولئك الذين لا يجيبون على الاستبيانات أعلى بشكل عام بين الإتباع والمواليين مقارنة بالمشكوك في ولائهم لها، وأن الفرق في هذا الصدد هو الأكثر أهمية إذ أن الأسئلة الأكثر طرحًا تكون سياسية وكلما كانت مسألة الاستبيان أقرب إلى مشاكل المعرفة والإدراك ازداد الفرق في حصة “غير مجاب” بين الأكثر تعليما والأقل تعليما وبين الأقل أو الأكثر خضوعا، وكلما تناولت الاستطلاعات قضايا النزاع وعقدة التناقضات الدينية والوطنية كلما زاد التركيز على السؤال عن أي فئة معينة من الناس تستطلع, وكلما ازدادوا عددا سيجتمعون خوفا ورعبا على حصة لم تتم الإجابة, لذلك لن يقدم الاستطلاع سوى تحليل بسيط للإحصائيات وستبرز به بقوة حصة “بدون إجابة”، فيتم تعريف المعلومات على أنها الاحتمالية فيما يتعلق بتلك الفئة للحصول على رأي وكاحتمال مشروط للحصول على رأي مؤيد للنظام الحاكم.
إن أحد أكثر الآثار الضارة لدراسة الرأي العربي العام هو بالتحديد أن الناس مطالبين بالإجابة على أسئلة لم يطلبوها هم أنفسهم أو أنهم يخشون ويتهربون من الإجابة عليها ولنأخذ على سبيل المثال أسئلة تركز على القضايا الأخلاقية سواء كانت تتعلق بصرامة الآباء أو العلاقات بين المدرسين أو الطلاب أو التوجيه التربوي أو الدراسي وما شابه, في كثير من الأحيان ينظر إليها الناس على أنها مشاكل أخلاقية وكلما انخفض مستوى هؤلاء الناس في التسلسل الهرمي الاجتماعي كلما انخفضت فاعلية الأسئلة، وقد تكون تلك الأسئلة تطرح نفسها كقضايا سياسية للناس حين يكون الاستطلاع للطبقات العليا فتتحول الاستجابات الأخلاقية إلى استجابات سياسية تشيد بالنظام السياسي وتمجد بالزعيم الحاكم وأخلاقياته وذلك بمجرد فرض مستويات ووجهات نظر لطبقات عليا والتي دوما ما تكون من اشد الطبقات ولاء للأنظمة السياسية للمنافع المادية والتسلطية التي كسبتها بوجودها.
بعالمنا العربي وعلى النقيض من كل العوالم الأخرى فيتم تصميم الاستبيانات بطريقة تجعل الناس لا يسألون ولا يفكرون أو حتى لا يعتبرون أنفسهم مشاركين أو مهتمين في السياسة أو قريبين منها، وذلك يكشف عن اختلاف خطير للغاية في فن نوعية الاعتماد على نوع المجموعة الاجتماعية إذ إن الشرط الأول للحصول على إجابة ملائمة لمسألة سياسية هو القدرة على تمثيلها على وجه التحديد والثاني هو القدرة على تطبيقه على فئات سياسية بحتة والتي قد تكون بدورها ملائمة إلى حد ما أكثر أو أقل تطوراً، وإن كتلة الأجوبة التي تعتبر إجابات سياسية تتم في الواقع وفقا للطبقة العرقية غير إن ذلك ليس من المستحيل تطبيقه في عالمنا العربي إنما الحق نقوله انه لا يمكننا أصلا التفكير بوجوده أو حتى الحلم بعمله!!! وبالتالي قد تكتسب تلك الاستطلاعات المزيفة معنى مختلفا تماما عندما يتم عرضها وبحثها وتحليلها على أوضاع المجال والحياة السياسية.
في رأيي ينبغي التشكيك في أهمية الإجابات على معظمها لان السلسلة الأولى منها تسيء وتؤثر على الابتكار في العلاقات الاجتماعية وتكون في مستوى ارتفاع مكانة المستجيب في التسلسل الهرمي الاجتماعي وتفوق مستوى التعليم, وعلى العكس من ذلك فإن الأسئلة التي تؤثر على أنواع التغيرات الفعلية في علاقات القوة بين الطبقات كلما زاد رفض المجيبين أكثر كلما كان المدعى عليه أعلى في التسلسل الهرمي الاجتماعي، وبكل بساطة وخلال استطلاع الرأي العربي العام, لا الأسئلة التي تطرح في الواقع يتم تنفيذ تفسير الإجابات لهها بغض النظر عن الإشكالية التي تنعكس حقا في إجابات فئات مختلفة من المجيبين وان المشاكل المسيطرة هي فكرة تدور لتعطي قائمة بالأسئلة التي طرحتها مؤسسات المسح أي المشاكل التي تهم في المقام الأول أولئك الذين يريدون أن يكونوا على علم بوسائل تنظيم أعمالهم السياسية فيتم استيعابهم بشكل غير متساو من قبل الطبقات الاجتماعية المختلفة، وإذا كانت استطلاعات الرأي العام تفهم بشكل سيئ حالات الرأي المحتملة فإن السبب هو وضع مصطنع يتم فيه تسجيل آراء الناس بواسطة صناديق الاقتراع وفي الأزمات تتكون حالات الرأي عبر توجيه الشعوب بآراء متشعبة وآراء مدعومة من قبل مجموعات سياسية تابعة للنظام بصور فردية أو فوضوية وبالتالي فإن الاختيار بين الآراء يعني الاختيار بين المجموعات التابعة للحاكم, وهذا هو مبدأ تأثير التسييس الناجم عن فحوى وامتداد الأزمات. وكما إن هناك آراء تشكلت وحشدت وانضغطت بجماعات حول النظام في إشكال واضحة من المصالح المتقاطعة, ولذلك فأن الاستطلاعات هي ليست آراء حقيقية، وبياناتها ونتائجها ليست مقبولة وذلك حينما يطلب دوما من المشاركين فيها أن يختاروا موقفًا بين الآراء المُصاغة، وما إن يتم ذلك عن طريق الجمع الإحصائي البسيط للآراء المنتجة حتى يتم بهذه الطريقة إنتاج وإعلان النتائج والتي هي بجملتها منافية للوقائع ومناقضة وشاطبة لحقيقة الرأي العام. وإن حقيقة عزف الشعوب عن التعبير أو عدم الإصرار عليه تتضح عبر حقيقة أن همة الاستعدادات للعديد من الفئات الاجتماعية والإرهاب والإرعاب السياسي المتعمد ازائها يمنعها من الوصول لوضعية طرح الرؤية الصريحة لها أي أنها غير مكتملة وغير متمكنة لكنها تدعي تماسك التعبير وحاجة الاستجابة العامة, وأن الناس الذين ليس لديهم رأي سيختارون في جو من الأزمات وعن طريق الصدفة, لذلك أوقن وأؤكد أن الرأي العربي العام الصريح لا وجود له ومحدد في الكبت الحاد والصمت المفجع والرأي المكبوت حد النهاية.