23 ديسمبر، 2024 4:37 ص

زيارة ولقاء وبيان وذاكرة

زيارة ولقاء وبيان وذاكرة

ضمن برنامج شهادات خاصة على قناة الفلوجة الفضائية، ومن تقديم د. حميد عبد الله كانت هنالك، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، حلقتين مع السيد حسان عاكف عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي( سابقا )، او كما يسمى حاليا ( قيادي في الحزب )، بدأت في وقتها بالكتابة والتعقيب حول ما طرح في الحلقتين من مواضيع واراء، والنبش في الذاكرة والأوراق القديمة عن وثائق تؤيد او تدحض ما طرح وخصوصا حول المواقف الحرجة والمنعطفات الحادة، ثم توقفت عن الكتابة، وبالمنتصف، على اثر استقالة او اقالة حسان عاكف من القيادة وما رافق ذلك من ارهاصات وكتابات، حتى لا يعتبر ما اكتب تسعير للموضوع او صب للزيت على النار المتقدة وبالضد من عاكف، والان وبعد ان هدأ السعير وحققت القلة اهدافها كأمر واقع على حساب الاكثرية وبعد ان سار البعض وفق نظرية القطيع، اثارت ذاكرتي صورة لاثنين من قادة الحزب الشيوعي العراقي وهم في زيارة لضريح احد مراجع الشيعة وقراءة سورة الفاتحة، وذكرتني تلك الصورة بما كتبت، ولم اكمله حول لقاء حسان عاكف، وما وجدت بين اوراقي القديمة، صورة لبيان اصدره الحزب في ايام ( الجبحة ) 1977 حول احداث ما يسمى بانتفاضة صفر او ( خان النص ) وموقف الحزب السلبي منها، ومناصرة حكومة البعث في اجراءاتها التعسفية والانتقامية ضد المنتفضين، حيث حاول حسان عاكف في لقائه المذكور انكار وجود هكذا بيان، عن عدم دراية، او محاولة للتهرب من الخوض في هكذا موضوع، مع اصرار مقدم البرنامج على تاكيد وجود هكذا بيان. سانشر ما كتبت عن لقاء حسان على وضعه مبتورا، مع بيان الحزب حول انتفاضة صفر 1977 وبعض ما كتب عن الموضوع في مذكرات احد القادة الميدانيين للحزب في مدينة النجف .
* كانت مقدمة اللقاء على قناة الفلوجة حول الصراع بين البعثيين والشيوعيين ودور المليشيات الحزبية في تأجيج ذلك الصراع بعد 14 تموز 1958، وقد اختلطت الأمور في البداية على مقدم البرنامج بين انصار السلام والمقاومة الشعبية معتبرا ان أنصار السلام مليشيا حزبية متناسيا المقاومة الشعبية، وانسحب الحوار الى احداث الموصل وكركوك الدامية في عام 1959 ، امتعض حسان حول جر الحديث نحو تلك الاحداث باعتباره حديث طويل والمتعارف والشائع منه غالبا ما يدين الشيوعيين، وهو يحتاج الى الكثير من الحديث لتغيير وجهة النظر السائدة في ادانة الشيوعيين محاولا رمي كامل المسؤولية على الجهات الاخرى، وهذه كما ارى واحدة من المشاكل الازلية في تاريخ الحزب التي لم تعالج حزبيا بشكل مركزي اعلاميا، والتوجيه بنفي تلك التهمة عن الشيوعيين جملة وتفصيلا، في حين ان عبد الكريم قاسم استغل الشيوعيين ومهرجانهم للسلم في الموصل، وأصر على اقامته، لتأزيم وتفجير الوضع في الموصل واستغلاله لضرب الخصوم القوميين بواجهة شيوعية، مباركا اندفاعهم في حماية الثورة والزعيم والحزب وتطرف البعض منهم في اقامة محاكم ثورية لتصفية الخصوم واشهرها احداث الدلماجة، وهذا لا يلغي من دور الأطراف الاخرى من قوميين وبعثيين وغيرهم في دفع الصراع بزخم مضاعف وتصفية اعداد مضاعفة كثيرا من الشيوعيين وبوتيرة عنف أعلى وأضخم والى مديات زمنية طويلة. تلتها احداث كركوك في تموز 1959، واندفاع بعض الشيوعيين الاكراد ( الذيم تصرفوا كأكراد متعصبين اكثر مما هم شيوعيين امميين ) في تصفية الحسابات القديمة ــ الجديدة مع خصومهم التركمان، وبتجاهل من المسؤول الحزبي لكردستان عزيز محمد والذي كان مقره في كركوك، وبحجة خروج الامر من تحت سيطرتنا، وأدت تلك الأحداث فيما بعد، الى ان يقلب الزعيم ظهر المجن على الشيوعيين ويبدأ بحملة اعتقالات ومحاكمات. وتركت تلك الاحداث بضلالها السلبية على مسيرة الحزب وحتى يومنا هذا. من هنا جاء امتعاض حسان عاكف من طرح تلك المسألة من قبل مقدم البرنامج، تلتها محاولات عقيمة للتبرير والتهرب من المسؤولية الجزئية عن تلك الاحداث. ليتكرر هذا الامتعاض من اسئلة وطرح مواقف اخرى في تاريخ الحزب، لا يرغب الحزب وقادته الحاليين للخوض فيها معتبرين ذلك محاولة اساءة للحزب، وانه ليست بالوقت المناسب للخوض فيها وتكرار لازمتهم الازلية ( مو وكتهة ) للتهرب من طرح الحقائق وانتقاد ما هو خطأ او سلبي منها والتهجم على من يخوض في تلك المواضيع بواقعية وخصوصا من الشيوعيين المنصفين.
مع سير الحديث ورط حسان نفسه بموقف لا يحسد عليه، فعندما سأل عن علاقة الشيوعيين بشعار ( ماكو مؤامرة تصير والحبال موجود ) نفى حسان علاقة الحزب بالشعار وعدم تبنيهم له ولا يترجم توجه الحزب، في حين عندما سأل: ضد من كان هذا الشعار؟ فأجاب : بانه ضد كل المحاولات للنيل من ثورة تموز وتريد اسقاط الوضع، وهذا هو نهج الشيوعيين في حينها، وبالتالي فان حسان تبنى الشعار دون ان يعلم ووضع نفسه في حرج، أثر عليه في محطات اللقاء الاخرى ليكون متأزما وحذرا من الاسئلة القادمة . وقالها وكررها اكثر من مرة وفي اكثر من موقف وبارتباك، انه لم يكن يتمنى ان يفتح هذا الموضوع بالوقت الحاضر، باعتبار ان الوضع الراهن للبلد يتطلب البحث عن المشتركات مع القوى عموما، هو الافضل من ان ننبش صفحات الماضي ليعود للازمة القيادة ( مو وكتهة ) وينبهه المقدم الى ذلك…..
* بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي
الى جميع اللجان الحزبية ..
الرفاق الأعزاء..
يشهد الوضع الداخلي تفاقماً في النشاطات التآمرية الموحى بها من قِبل الأوساط الإمبريالية والرجعية والاحتكارات البترولية .. نشاطات معادية للسلطة الوطنية ولمسيرة قطرنا الثورية، ويتجسد هذا التفاقم في الوقت الحاضر باستغلال المشاعر الدينية والطائفية، ومحاولة أثارة الجماهير للقيام بأعمال استفزازية تحت هذه الواجهات بمناسبة أربعينية الامام الحسين . ويبدو من الوقائع التي جرت خلال الايام السابقة، أن هذا النشاط ( الديني الطائفي) المعادي للسلطة الوطنية ما هو إلا ستار لمؤامرة رجعية امبريالية تستهدف المسيرة الثورية لبلادنا، ومكتسبات شعبنا، وكل انجازات ثورة 17 ـ 30 تموز التقدمية. إن حزبنا الشيوعي العراقي يقف بحزم الى جانب السلطة الوطنية وحزب البعث العربي الاشتراكي الحليف. ويَعتبر هذه النشاطات التآمرية المعادية، تحت أية صورة ظهرت، وبأي شعار تسترت، موجهة الى جموع شعبنا المناضل وجماهيره الكادحة ومكتسباته التقدمية. إن المكتب السياسي يدعو منظمات حزبنا والرفاق كافة الى رفع اليقظة ومراقبة النشاطات التآمرية، والاتصال بمنظمات حزب البعث العربي الاشتراكي الحليف، وتنشيط لجان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية لغرض التنسيق للقيام بأعمال مشتركة ضد التآمر واعمال التخريب والاستفزاز وفضحها على نطاق جماهيري وبهدف تبصير الجماهير بحقيقة هذه التحركات و أهدافها وارتباطاتها بالإمبريالية والرجعية والأضرار الجسيمة الناتجة عنها.
الحزب الشيوعي العراقي في 8 / 2/ 1977
* وفيما يلي توثيق لما كتبه احد القادة الميدانيين للحزب الشيوعي العراقي في مدينة النجف، في مذكراته عن الانتفاضة والبيان وردود الفعل عليه، عسى ان يساعد ذلك على اتقاد ذاكرة السيد حسان عاكف ويبعده عن التحريف والانكار، الذي اصبح هو نفسه وقودا له من قبل الآخرين .
* الحزب الشيوعي وحادثة خان النص
كانت جماهير النجف قد توجهت الى مدينة كربلاء المقدسة مشيا على الاقدام في أربعينية الامام الحسين (ع) وهي عادة متبعة منذ سنوات طويلة، لكن ما حصل من هتافات وشعارات سياسية أدت الى حدوث مصادمات بين قوى السلطة المدججة بأسلحتها، واستنفار أجهزتها الأمنية، وبين مئات الألوف من الجماهير، وسقط العديد من الشهداء، وكان في مقدمة الجماهير السيد الشهيد آية الله محمد باقر الحكيم، واستطاعت السلطة ان تسيطر على الموقف وتعتقل المئات من الجماهير، وقدمت البعض منهم الى ما يسمى بمحكمة الثورة وحكم على بعضهم بالإعدام، وقد نفذ الاعدام بهم فعلا، وكانت كارثة على مدينة النجف وباتت المدينة حزينة على أبنائها. وكان موقف الحزب مع الأسف الشديد مهادنا للسلطة بإجرائها القمعي، وقد وصف القيام بهذه الشعائر الدينية وبهذه الصورة الجماهيرية الواسعة، بأنها مؤامرة على السلطة الوطنية، واعتقد انه وصف غير واقعي ولا يعبر عن مصلحة الجماهير، واحترام شعائرها الدينية، وكان هذا الموقف مسايرا لرغبة السلطة وحزب البعث، وطبع البيان ووزع على المنظمات الحزبية. وبعد عدة أيام من اعدام الشهداء من أبناء مدينة النجف، قمت بزيارة للمدينة، وقد التقى معي عدد من الرفاق وعدد من وجهاء مدينة النجف، وإنهالت علية الأسئلة كيف يقدم الحزب على اصدار هذا البيان المنافي للحقائق، وسألت بعض الرفاق وهل وزعتم البيان، أجاب الرفاق من الصعوبة بمكان توزيع هكذا بيان، واذا اطلعت الجماهير على هذا البيان فستلعن الحزب وتبتعد عنه على أقل تقدير، وربما تصدر منهم اندفاعات غير مناسبة. وعند عودتي الى بغداد، سألني الرفاق عن انطباع الناس عن بيان الحزب، فذكرت لهم رأي الرفاق المنتشرين في المدينة، وليس رأي قيادة المنظمة حيث اني لم التقي بهم وذلك لضيق الوقت، ومصادفة التقيت مع الرفيق عزيز محمد في مقر بغداد، وكان عائدا من كردستان لتوه، وسألني عن النجف وعن الحادثة ورأي الناس، وعكست له الحقيقة التي لمستها وشاهدتها. والواقع ان الرفيق عزيز محمد لم يساهم في تحرير البيان إذ كان في كردستان، وللعلم ان البيان الصادر باسم الحزب كان من مسؤولية المكتب السياسي. ان ردود الفعل لهذا البيان، من القوى الدينية كانت الهجوم على الحزب الشيوعي، أما الجماهير التي سمعت به أخذت تبتعد عن الحزب ولا تؤيد سياسته .
*قد يسأل البعض وكالمعتاد، لم النشر بهذا الوقت ولمصلحة من، نقول ان الحقيقة تبقى دائما حقيقة ساطعة ولا يمكن اخفائها في وقت ما او دائما، وكثيرا ما تكون مرة، مرارة الحنظل، وغالبا ما تنفجر او تطفح في وقت غير مناسب للمنافقين والانتهازيين وتفضح أساليبهم الرخيصة وتؤرق مضاجعهم .