2 نوفمبر، 2024 4:27 م
Search
Close this search box.

زيارة بلاسخارت لمرجعية النجف ترسم خارطة الانقلاب

زيارة بلاسخارت لمرجعية النجف ترسم خارطة الانقلاب

لقد عودتنا التجارب السابقة وطبيعة تعامل مرجعية السستاني مع الأحداث والتي لطالما كانت لها ردود فعل سلبية وكارثية من حيث أن نتائج تلك اللقاءات والفتاوى دائما ما كانت تصب في مصلحة الأحزاب الحاكمة, بل إننا لا نبالغ إذا ما قلنا أن التظاهرات الحالية هي ردة فعل تجاه كل تلك التجارب التي كان للمرجع الإيراني دوراً كبيراً فيها, كصياغة الدستور وتكريس المحاصصة الطائفية وسيطرة مليشياتها وهيمنة أحزابها على مصادر القرار وتجذرها في كافة مؤسسات الدولة.
ممثلة الأمم المتحدة التي زارت النجف مؤخراً حملت في جعبتها مشروع ومقترحات رحب بها السستاني, في الوقت الذي كانت الجماهير العراقية تنتظر من ما يُعرف بالمرجع الأعلى أن يقدم خارطة طريق لما يشهده البلد من مأساة وفواجع تتناسب وحجم المسؤولية التي أنيطت به, غير أن المفاجئة كانت هي أن آية الله يأخذ ويستمد النصائح والمقترحات من الممثلة الأممية جينين بلاسخارت, ولم يكن من المرجع الذي ظهرت صورته دون كلام في اللقاء وكعادته إلّا الدعوة والحث والمصطلحات العريضة التي يمكن تفسيرها من عدة وجوه.
ومن حقنا أن نقف موقف ريبة أمام التناغم الكبير بين مشروع ومقترحات الأمم المتحدة الهلامية وتأييد السستاني وبين الترويج الكبير لها من خلال وسائل إعلام السلطة وبعض فضائيات الأحزاب السياسية والتي ما انفكت ترفع هاشتاك “المرجعية أماننا” حيث من المفترض أن الشباب العراقي قد خرج ضد وجود هذه الأحزاب والكتل وأن المطالب الصريحة للمتظاهرين هي حل الحكومة والبرلمان وإقامة حكومة انتقالية وتغيير الدستور وتغيير قوانين الانتخابات ومحاسبة الفاسدين فما الذي يجعل هذه الفضائيات تزمّر لمقترحات المبعوثة الأممية وتوجيهات المرجعية إذا كانت تمثل مطالب الجمهور العراقي في إزاحة هذه الوجوه؟.
يمكن من خلال قراءة المشهد الدولي والإقليمي وحلبة صراعه في العراق أن نفهم حركة الشارع وكيف يراد توظيفها من قبل هذه المرجعية ودهاليزها المظلمة, فالشعب العراقي في الجنوب خرج متظاهراً حنقاً على سوء الخدمات, وسرعان ما تطورت هذه التظاهرات إلى هتافات تطالب بقطع يد التدخل الإيراني وذلك لعدة أسباب, من أهمها تغوّل المليشيات الإيرانية وسيطرتها على العديد من المؤسسات الأمنية والتجارية ووعي الشارع وإدراكه بأن إيران تشارك بالدمار البنيوي والاقتصادي للعراق وهي المُعيق الرئيسي لبناء مؤسساته وهي المساهم الأول بتهجير كفاءاته واغتيال الناشطين والمتظاهرين فيه.
ومكمن الخطورة في أن يوظف هذا الوعي الجماهيري لصالح أطرف دولية كما تم توظيف النفس الطائفي والعاطفة الدينية سابقاً لتكريس مشاريع أحزاب الاحتلال والذي رسم شكل المحاصصة المقيتة ومن نفس هذه المرجعية الدينية.
ما يؤكد ذلك هي الرسائل التي بُعثت للسستاني في فترة ما قبل وما بعد عودة القوات الأميركية وحال سقوط المحافظات الغربية, ومن هذه الرسائل التحذيرية التي شكلّت ضغطاً كبيراً لإرغام مرجع العملية السياسية على التخلي عن إيران هي نشر مذكرات توثق علاقة مكتبه مع بعض سياسيي الاحتلال كرامسفيلد وبريمر وغيرها, ولم ينته الأمر إلى هذا الحد بل جرى قياس ردة فعله عند قيام القوات الصهيونية بقصف مقرات الحشد الذي أسسه السستاني نفسه وقُتل العديد من أفراده دون أن يحرك صاحب فتوى الكفائي ساكناً أو تكون له ردة فعل, في أشارة بقبوله وإذعانه للمشروع القادم, وأيضا منها الضغط الكبير الذي سلطته المؤسسة الإعلامية الأميركية مؤخراً وخصوصاً قناة الحرة من خلال فضح الفساد في مؤسسات الأوقاف والعتبات الدينية التي يديرها وهي رسالة صريحة لحواشي ووكلاء هذا المرجع الذين كانت لهم علاقات كبيرة مع إيران بأن أميركا قادرة على فضحهم وكشف كل المؤامرات الذي حاكوها مع السياسيين الفاسدين إذن فعليهم أن يذعنوا ويتخلوا عن إيران وحشدها ومن يواليها.
وعلى هذا فلا مجال لمؤسسة السستاني إلّا أن تسير ضمن المشروع الغربي القادم ولكي تحافظ على مكانتها ومكتسباتها لا بد لها أن تتماشى كليا من رغبة السي آي أيه, فمهمتها في مثل هذه الحال هي نقل قنبلة التظاهرات الجماهيرية العملاقة في العراق من وجه السلطة وأحزابها إلى وجه إيران وتدخلاتها, وهذا هو الذي يفسر لنا سكوت السستاني عن المجازر التي ترتكبها السلطة ومليشيات إيران بحق المتظاهرين فهو يريد أن يكسب أمرين في ذلك, الأول إضعاف التظاهرات للقبول بما يتيسر من الإصلاحات التي تبقي على أطراف العملية السياسية الموالين له والثاني أن يكتسب صفة رجل الدين الوطني المخلّص من جرائم مليشيا الولي الفقيه.
فلهذا يراد للتظاهرات أن تنتقل بشكل تام من تغيير النظام إلى صراع مع الجارة الشرقية ينتهي بقطع يدها فقط, ثم تأخذ نفس العملية السياسية وضعاً جديداً بالإصلاحات الشكلية التي خطتها الأمم المتحدة بالتعاون مع مرجعية السستاني وأطراف العملية السياسية التي ترفع شعار “المرجعية أماننا” .
وهنا ستتشبث إيران بما أوتيت من قوة في هذا الصراع من خلال أحزابها لأنها تعتقد أن هذا الحراك الشعبي لن يكون فقط استقلال عن نفوذها وسيطرتها بل نتيجة هذه المؤامرة الكبيرة سيكون من وجهة نظرها أنه سيؤول إلى هيمنة أميركية جديدة وسيطرة على القرار العراقي الذي من شأنه أن يحّول هذا البلد إلى أو كار للمعارضة الإيرانية كما كان في السابق.
وعلى هذا فالخوف الشديد من تلك التظاهرات الشعبية البريئة أن تُجنّد بأجندات أميركية, وأن وجود نفس الأحزاب في السلطة مع صراع التدخلات التي تجري من خلف الكواليس وبرعاية السستاني ستؤدي إلى أن بعض الكتل ستنتقل إلى جانب المتظاهرين إذا ما اخذ هذا المشروع طريقه إلى أروقة التنفيذ, بينما ستنحاز كتل أخرى إلى الجانب الإيراني لتعلّق مصيرها على تلك العلاقة بحكم تبعيتها.
ولهذا إما أن تصل إلى صورة توافقية جديدة على حساب دماء الأبرياء ستؤرخ لعهد جديد من الفساد وتقاسم المصالح الحزبية والدولية على أساس تغير موازين القوى ولن ينفع بعد ذلك أي تظاهر, أو أن يحدث الاقتتال وجريان أنهار الدماء في ما بين الكتل السياسية ويكون الخاسر هو العراق أيضا ولهذا لابد من أن يكون الحل عراقي خالص بعيداً عن أحزاب السلطة وحواشي المرجعية الإيرانية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات