في فاجعة الطف الأليمة، ظن يزيدٌ وأتباعهُ، أنهم قد أنشأوا سداً على نهر الحسين! كي يقطعوا ماء الحياة عن الأجيال اللاحقة، ولكي تولد أمم لا تعرف شيء، عن الإسلام والإيمان والممانعة، الا ثقافة يزيد!
ظنوا أنهم بصنيعهم ذاك، قد عقروا الإسلام، وكسروا عصاته، وخرقوا سفينته! فأصبحوا يتهللون أن لم يغضب الرب عليهم، وينزل العذاب!
احتشدوا الى الحسين زرافات وفردانا، وكل فرد منهم، كأنه يزيدٌ بل يزيد! فطعنوا الحسين بالرماح، وقطّعوه بالسيوف، وحزوا رأسه الشريف، وغصبوا خيولهم، على سحق جسده الطاهر بحوافرها!
ما كان هدفهم الحسين لشخصه؛ وإنما لمنهجه، وعقيدته، وتقواه، فهم لم يخشوا وطأة حركة الحسين الإصلاحية، على حاضرهم فقط، وإنما كانت خشيتهم على حاضرهم، ومستقبل ملكهم، حيث ظنوا أنه مخلّدا!
هكذا فاضت دماء الحسين، لتغمر الأرض، ثأراً وإصلاحا، فحينما يمتزج الثأر بالإصلاح، تنبجس المعاني والقيم السامية، وتنجم الفضائل التي سيكون لها قدم السبق، في إجتثاث الظلم والجور من جذوره.
سالت دماء الحسين، فشقّت في أديم الإيمان والممانعة أنهاراً جارفة، لا تزال تجري، وتستقطب اليها ملايين العطاشا الى الماء المعين، وأستحالت ثورة الحسين، سفينة نجاة، تحملها تلك الدماء الطاهرة.
نحو غاية الإصلاح، تتجه سفينة الحسين، وعند تلك الغاية يثب صاحب العزاء والثأر، يشدها نحو الهدف، فيا له من مشهد مهيب، قوة دافعة، وأخرى تجر نحو الأمام! وروافد السواد تنهمر من كل حدب وصوب!
زيارة الأربعين، تلك التظاهرة الإلهية، الضاربة جذورها في عمق التكوين، منذ ُإبتداع البشرية، مروراً ببعث الأنبياء والرسل، وما تعرضوا له من أسلاف يزيدٍ؛ جحوداً، وقتلاً، وتشريدا! حتى رست رسالة السماء عند سيد الكائنات.
مسيرة الأربعين، مسيرة إعداد للموالين؛ أخلاقياً وإيمانياً وفكرياً وبدنياً، حيث تشاهد الزائرين والخَدمَة، يسطرون أروع مشاهد الولاء والإلتزام ونكران الذات.
تلك هي الغاية المرجوة، في الإستعداد لنصرة صاحب الأمر عج، فالموالون ينهمرون كالسيول، الى مرقد المولى أبي عبد الله الحسين، فكيف بهم إذا ما خرج إليهم صاحب الثأر منادياً: ألا من ناصر ينصرنا؟! هكذا كانت زيارة الأربعين؛ مدرسة الإصلاح الحسيني، ومركز التدريب المهدوي.