يبدو أن العلاقة بين بغداد وأنقرة قد دخلت مرحلة مفصلية مهمة أقل ما يقال عنها أنها حرجة فبعد أن انتابها التوتر بسبب قضايا وملفات تتعلق بالموقف إزاء الأزمة السورية واستضافة طارق الهاشمي وملفات أخرى جاءت زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو إلى كركوك بتنسيق مع حكومة إقليم كردستان دون إشعار حكومة المركز لتثير هذه الخطوة الشكوك والاستغراب ومن دون أدنى شك أن الزيارة بهذه الطريقة قد جرى الإعداد لها والاتفاق على أن تكون دون علم بغداد لتحقيق مآرب معينة شكلت الخلافات بين تركيا والعراق من جهة وحكومة الإقليم والمركز من جهة أخرى دوافع لها بما يشبه الصفقة بين الطرفين , من المعروف إن هذا النوع من الصفقات السياسية أذا ما اقترنت بمصالح نفعية فإنها تخضع لمعايير القوة والضعف والى البعد الإقليمي والدولي ما يجعل إطرافها غير متكافئة ويكون مبدأ الربح والخسارة فيها نتيجة منطقية لهكذا معادلات يتحكم فيها الطرف القوي ليضمن تحقيق أهداف على المدى القريب وأخرى بعيدة المدى مثل ما يجري الآن في معادلة العلاقة بين تركيا و إقليم كردستان ففي الوقت الذي بدأت أهداف كردستان واضحة ومبنية على ردود أفعال حكومة المركز حيال ملف النفط في الإقليم التي نجحت مبدئيا ً في ثني الشركات النفطية العالمية عن العمل هناك من خلال تلويح حكومة بغداد في جدية فسخ عقود هذه الشركات المبرمة مع وزارة النفط ضمن جولات التراخيص في الجنوب عملت حكومة الإقليم على تهريب النفط إلى تركيا بسعر بخس وبشكل سري بحجة تأمين حاجة الإقليم من المشتقات النفطية وهنا المستفيد الوحيد هو تركيا من جهة أخرى تخاطرت مواقف الطرفين إزاء الأزمة في سوريا فالإنباء تشير إلى دعم كردستان العراق للتحرك المسلح في سورية ضد نظام الأسد أملا في مساعدة أكراد سورية لتشكيل إقليمهم على غرار ما حصل في العراق من جهة أخرى تدعم تركيا التحرك المسلح في سوريا بأهداف ذات بعد طائفي لطالما عقدت من أجله المؤتمرات والاجتماعات بالتنسيق مع بعض الدول الخليجية وهنا يتضح تطابق المواقف المرحلي المتناقض الأهداف الذي تقدم فيه حكومة اقليم كردستان وما زالت التنازلات فهي تعلم جيدا ً أن تركيا لديها موقف حساس إزاء أكراد تركيا الذين يحضون بدعم أكراد العراق و يتخذون من شمال العراق ملاذ أمن فهي ما انفكت تقصف الشريط الحدودي بمدنه وقراه يوميا ً وسبق أن هددت بالوصول إلى مقر مسعود البارازاني في اربيل أن اقتضت الضرورة فمن غير المعقول أن تتوافق مع أكراد العراق اليوم مع كل هذه التقاطعات الا إذا كانت هناك مصالح تتطلبها هذه المرحلة , إن زيارة اغولو إلى كركوك شكل تنازلا كرديا ً كبيرا ً فهي تعلم جيدا إن أحد اكبر الممانعين من ضم كركوك إلى إقليم كردستان هو تركيا بسبب نسبة ساكنيها من التركمان الذين تعتبرهم تركيا رعاياها في العراق وهناك مفارقة في التعامل الكردي مع كركوك فقبل عدة أسابيع أدت زيارة رئيس الوزراء وعقدة اجتماع لمجلس الوزراء هناك إلى مشكلة كبيرة وتحسس لديهم شكل أحد أهم أسباب تبلور مطلب سحب الثقة عن رئيس لوزراء نوري المالكي في حين جرى الترتيب من قبلهم إلى زيارة وزير خارجية تركيا إلى كركوك ويبدو أن الأتراك قد وضعوا في حساباتهم متغيرات المواقف بعيدة المدى عندما ينتهي الدور الكردي العراقي المناط بهم فعملوا على توأمة كركوك مع أحد مدن تركيا لتكون بوابة التدخل عند الحاجة مستقبلا, بالنتيجة يبقى الاكراد الخاسر الاكبر وما مواقف تركيا الأخيرة الا من اجل أهداف ومصالح مرحلية حسبت بدقة من قبل الأتراك كي لا تتقاطع مع مواقفهم في المستقبل تجاه العديد من الملفات وعلى الحكومة العراقية ان تعمل على تقويض الدور الكردي مثل ما عملت مع الشركات النفطية ولكن هذه المرة من خلال تلطيف الأجواء في العلاقة مع تركيا والعمل على تطوير المصالح المشتركة في قطاع النفط ونقله من خلال أراضيها الذي بدأ يقل شيئا فشيئا لاسيما وان العلاقة مع تركيا على مر التاريخ لم تشهد توترات تذكر ولعل تركيا الدولة الوحيدة الجارة للعراق التي ظلت علاقتها تسير على خط بياني منتظم وبأمكان حكومة بغداد ان تجعل العلاقة مع هذه الدولة ايجابية واستراتيجية اذا ما تعاملت بحكمة مع بعض الملفات بالمقابل فأن تركيا تعلم جيدا ان العراق هو منفذها إلى الخليج العربي وان التبادل التجاري من خلاله كان له الاثر البالغ في الاقتصاد التركي فهي لا تجازف في أن تستبدل هذه العلاقة بعلاقة مليئة بالأشواك مع إقليم كردستان .
[email protected]