19 ديسمبر، 2024 2:05 م

 زيادة سعر الفائدة على حسابات التوفير في المصارف إلى 10%

 زيادة سعر الفائدة على حسابات التوفير في المصارف إلى 10%

ينشغل عددا من المسؤولين الحكوميين بإجراء زيارات ومشاورات ومناقشات لإقناع جهات إقليمية ودولية لإقراض العراق بمبالغ نقدية لسد العجز في الموازنة الاتحادية للعام الحالي وما يتم توقعه للسنة القادمة ، وحسب المعلومات (الإعلامية) فان هذه الاتصالات تواجه صعوبات عديدة سيما بعد أن وضع العراق في تصنيف ائتماني غير مريح ، فالمقرض يهمه الاطمئنان على خدمة القرض من خلال دفع الفوائد المقررة في الاتفاق بمواعيدها المحددة وسداد القرض في نهاية المدة المحددة للقرض ، وعلى وفق المعطيات المتعلقة بأسعار النفط الحالية أو المتوقعة والتي تشير إلى عدم حصول ارتفاعات انفجارية وخارج التوقعات ، فان القدرة على خدمة القروض وسدادها تتعرض إلى مخاطر جمة وبشكل يجعل بعض المصارف الخارجية ( الصديقة ) تجعل الفوائد السنوية على القروض أكثر من 10% بضمانات لم يتم الإعلان عن تفاصيلها بعد ، ولو سألنا لماذا يتم الدخول في هذه المغامرات المالية؟ ، لوجدنا الجواب جاهزا وهو عدم قدرة إيرادات النفط التي تشكل أكثر من 90% من مجموع الإيرادات على مواجهة نفقات الموازنة ومن أهمها الرواتب والأجور ومتطلبات الدفاع عن الوطن ضد ( داعش ) والالتزامات الثابتة كحصة الاقليم والبطاقة التموينية والدعم الحكومي وغيرها التي تشكل قائمة طويلة لم يستطيع السيد العبادي وحكومته من وضع حدا لها رغم حزم الاصلاحات العديدة .

ورغم اعتقاد البعض بان المشكلات التي نواجهها تتراوح بين الصعوبات النقدية والمالية وترديدهم مقولة إن اقتصادنا قادر على تجاوز المحن في الأمد القريب ، إلا إن ذلك لا يخلو من تفاؤل مفرط به فثرواتنا المحلية قوية جدا ولكن الاقتصاد الوطني لم يدار ويستثمر بالشكل الصحيح منذ عقود وليس سنين ، فرغم امتلاك بلدنا للموارد البشرية والطبيعية وكل مؤهلات الزراعة والصناعة والسياحة والموقع الجغرافي ، إلا انه تم التعويل على النفط كمصدر أساسي للإيرادات بشكل جعل اقتصادنا ريعيا وليس إنتاجيا ، وهذا النمط لا يمكن تغييره في الأمد القريب كما إنه يحتاج إلى إرادة حقيقية وإدارات وطنية كفوءة والابتعاد عن الأجندات الخارجية ، ولان المشكلة تزداد يوما بعد يوم ولا بد من إيجاد حلولا سريعة لمواجهة العجز في الموازنات وتقليل الاعتماد على المديونية الخارجية لأنها سرطان قاتل إذا لم يتمكن البلد من تسديد ما عليه من التزامات ، فان ما يتطلب هو إتباع حلولا مؤكدة وليس التنظير والتشفي بالحكومة الحالية من باب التسقيط أو غيره ، فكم من الأموال صرفت وأهدرت في زمن الحكومات السابقة ولم يجني الشعب سوى الندم والبكاء ومزيدا من الفقر والبطالة والسكن في التجاوزات والعشوائيات والافتقار إلى ابسط الحقوق من الماء والكهرباء والمجاري والصحة وغيرها من الأمور ، وقد وصل الأمر إلى حد التظاهر للقضاء على الفساد والمفسدين وإجراء الاصلاحات .

وتأتي الإجراءات المالية في مقدمة العلاجات ، إذ من الممكن للمصارف العاملة في العراق بجذب الأموال العاطلة حاليا من خلال اجرائين ، أولهما تشريع قانون لضمان حقوق المودعين في المصارف وثانيهما زيادة سعر الفائدة بجعله 10% ( مثلا ) بدلا من السعر المعتمد حاليا ( 4% في مصرف الرافدين و3,5% في مصرف الرشيد على حسابات التوفير ) ، ويمكن لهذا المقترح أن يحول الفائدة من القروض في المصارف الأجنبية إلى المصارف المحلية أي إن الدفع سيكون بالدينار وليس الدولار مع تقليل المخاطرة ، كما إن هذا المقترح سيشجع مدخري الدولار في الداخل والخارج على تحويل أموالهم إلى الدينار العراقي وادخارها في المصارف للحصول على فائدة مجزية بدلا من إبقائها بدون إيرادات وانخفاض قيمتها بسبب التضخم السنوي، ويمكن أن يفضي هذا الإجراء إلى زيادة عرض الدولار وقلة الطلب عليه مما يوفر الأريحية للبنك المركزي في استقرار أسعار الصرف ، وقد يقول أحدا ومن أين يأتون بمبالغ الفوائد ولهم نقول إنها نفس الفوائد التي تدفع للقروض الأجنبية ولكن بالدينار ، ومن الممكن إحداث إصلاحات سريعة في الإجراءات الائتمانية للمصارف من خلال تيسير تمويل وإقراض المشاريع المدرة للدخل والأرباح وبضمانات تكفل الحقوق ولكنها غير تعجيزية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار منح حماية معقولة للمنتج المحلي وبشكل يتناسب مع حجم الناتج المحلي وليس بقصد الحرمان وإحداث الازمات في الأسواق .

وبهدف أن لا تكون كلف الاقتراض عالية على المقترضين بشكل يرفع من التكاليف الكلية للإنتاج ( أو الخدمات ) مما يجعلها تفقد قدرتها في منافسة المستورد من الخارج ، فانه من المستحسن أن تكون النسبة التي تتقاضاها المصارف على القروض المقدمة لأغراض دعم المشاريع وتفعيل الاقتصاد الوطني بنسبة 12% على أن أن تساهم الدولة بنسبة 10% ، وتمثل الفائدة التي كان من المفترض دفعها للمقرضين الأجانب ، وفي هذه الحالة يدفع المقترض المحلي 2% وتمثل نسبة الربح أو العمولة أو كلفة المخاطرة للمصارف المحلية ، ويمكن تلخيص الفوائد من العمل بهذا المقنرح بما يأتي :

توجيه مدخرات الأفراد والشركات من شكلها العاطل إلى ادخار منتج ومجزي بفائدة 10%

تشجيع المواطن على التحول من الادخار بالدولار إلى فتح حسابات للتوفير في المصارف المحلية بالدينار

تقليل مخاطر اقتراض الدولة من الخارج في ظل حالة عدم التأكد بأسعار النفط

تفعيل الإنتاج المحلي من خلال القروض الميسرة والقضاء على مشكلات التمويل

تشغيل وتطوير المؤسسات المصرفية في الداخل وزيادة الثقة بها من خلال قانون حماية الإيداعات

توفير المبالغ اللازمة لتشغيل المشاريع الإنتاجية والخدمية وبفوائد غير مكلفة وتقليل البطالة

تقليل الطلب على الدولار لفئة ممن يستخدمونه لأغراض الادخار وحماية الأموال

توفير السلع والخدمات المنتجة محليا لتقليل الاستيراد بشكل تدريجي وبما لا يضر المستهلكين

تقليل الضغط على الدولة في إيجاد فرص عمل للعاطلين لاسيما عند شمول العاملين بالقطاع الخاص بقانون التقاعد

الانتقال التدريجي من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متعدد ومتنوع لمصادر الدخل والإيرادات

إن ما يواجهه هذا المقترح من انتقادات ، هو إن الأنظمة الرأسمالية تميل لخفض نسب الفائدة لطرد الودائع وتشغيلها في الاقتصاد ، وان زيادة نسبة الفائدة إلى 10% سيجعل أصحاب الأموال يكدسون أموالهم في المصارف ، ويمكن التعليق على ذلك إننا نعاني من توفر السيولة لدى البعض والتخوف من تشغيلها في القطاعات الاقتصادية بسبب المخاطرة ، كما إن لهم هواجس من إيداع المبالغ في المصارف المحلية لأسباب تتعلق بإجراءات إيقاف المسحوبات أو برمجتها أو العجز عن مواجهتها مما يعرضها لمخاطر عديدة أخرى ، كما إن هناك من يمتلك الأموال ولا يميل لتشغيلها في القطاع الخاص لأنها قد تقع ضمن مفهوم ( الربا ) المحرم شرعيا أو تحت طائلة التحايل بحيث يسعى البعض لاستلام الأموال ويقومون بإغراء أصحابها من خلال منحهم أرباح عالية في البداية ثم الادعاء بالخسارة وغيرها من التبريرات ، ولهذه الأسباب وغيرها يتم اللجوء إلى تحويل الأموال إلى الدولار لتقليل حجمها ووزنها عند الخزن ، ونعتقد إن المقترح أعلاه ينصف الأطراف المعنية لا سيما من يمتلكون الأموال ولا يجدون الطريقة المناسبة لتشغيلها ، فنسبة 10% من الفوائد تعد مشجعة للادخار ، وكانت المصارف الحكومية تمنحها للمدخرين قبل سنوات ولكن ارتفاع أسعار النفط وتدفق الإيرادات الكبيرة هو ما دعا إلى تخفيضها تدريجيا حتى وصلت للمستويات الحالية ، آخذين بنظر الاعتبار إن الحكومة تعاني من عسرة مالية ويمكن معالجة بعضها من الداخل لأنه أفضل بكثير من الاقتراض الخارجي .

أحدث المقالات

أحدث المقالات