قال لي : لو كنت رئيس الوزراء لأقلت الوزير فنجان بعد هذا التصريح عن المطار الفضائي ، فقد عرض نفسه وحكومته وبلاده بل وحضارته للسخرية في كل أنحاء العالم .
حقا إنه أمر غريب أن يتفوه وزير تسنم المسؤولية بوصفه من التكنوقراط والمهنيين بهذا الكلام . فقد استمعت ورأيت الفيديو الذي يتحدث فيه باعتقاد كامل لايشوبه أي شك في أن السومريين أول من بنوا مطاراً في الكرة الأرضية . بل والأغرب من ذلك هذا التباهي الفارغ والذي لايمت الى الواقع بصلة في أن هذا المطار سيكون وصلة بين الماضي والحاضر.
بيد أن مايقلقني أكثر ، ويصيبني بالحيرة أولئك الذين انطلقت أقلامهم في الصحف والمواقع لتدافع عن أفكار الوزير الأسطورية . وتدعمها بالدليل والوثائق ، والتي هي طبعا وثائق مفبركة ، وأدلة وهمية لاتصمد أمام أي منطق عاقل . فهؤلاء أساس البلاء في بلادنا ؛ لأنهم إما أن يكونوا يؤمنون فعلا بذلك ، أو أنهم موجهون من الكتلة التي رشحت الوزير التكنوقراط للحفاظ على ماء الوجه . وفي الحالتين فإن هذا سوء كبير ابتلى به وطننا الممزق .
بيد أننا لا نستغرب كثيرا حينما نفهم أن واقعنا إنما ينطلق من تعظيم الأساطير في نفوسنا . فها هي أيام محرم بيننا ، وسنسمع من أؤلئك الذين يتسلقون المنابر لاستجداء دموع الناس كلاماً ماأنزل الله به من سلطان . وسيطلقون العنان لمخيلتهم المريضة في التحليق بنا في عالم وهمي مليء بالمطارات والزرق ورق ، وستكون أضغاث أحلامهم أدلة برهانية على مايريدون غرسه في عقول البسطاء .على الوزير أن يخرج الى الملأ ، وأن يعتذر عن تصريحه . وعذره أنه قاله في نشوة المنصب الجديد ، وأن حضارة سومر العظيمة جعلته يعيش حالة من التوحد مع أساطيرها الأدبية . وعلى الحكومة أن تصدر بيانا يوضح ذلك ، فهذا ليس بالأمر الذي يُسكت عنه .. وإن كانت تجاربنا السابقة مع عبعوب والشهرستاني وعفتان وغيرهم ومن جاء بعدهم ومن كان قبلهم تدل على أن هذه التصريحات لاتهتم بها الحكومة وهي عندها ليست إلا زوبعة في فنجان .. وحينها يسكت الكلام وينكسر الفنجان .