18 ديسمبر، 2024 8:01 م

زهرة في حقل أشواك

زهرة في حقل أشواك

يَسْرُدُ لي صاحبي ونحن نجلسُ على إحدى طاولات المقهى، عن الحزن الشديد الذي ألم به أثناء حضوره حفل عقد قران أحد معارفه، وقد تجاوز الستين عاماً، على زهرة لم تتجاوز ربيعها العاشر.

وصفها بحمامة بيضاء تذبحُ على مذبح الموروث الاجتماعي، ويسر يد العريس أمام ضيق حال أهل العروس.

دموعها، خجلها، خوفها، يأسها، وهي جالسة كالزهرة بين الأشواك يمزقها حتى الهواء إن مر بها.

وهنا يقول صاحبي “لم يكن فرحاً بل مأتماً، على سكوتنا” تجاه هذه الطفلة وتزويجها زواجاً قسريا لرجل يكبرها بثلاثة أجيال، ونحن نتبادل الابتسامات بيننا، ولكن يعتصرنا الألم على هذه الحورية الصغيرة التي لا ذنب لها سوى أن أهلها فقراء ورضوا بيعها لهذا المتصابي.

هل يا ترى هل تعلم بأننا بعناها في سوق نخاسة شرعي؟

هل تعلم ما هو الزواج؟

هل ستأخذ معها العابها؟

هي حتى لم تتقن جذل ضفائرها بعد !

لعلها سَتَكُونُ صداقات جديدة مع أطفال الحي الجديد الذي ستسكن فيه.

تخيلتً بحزن كيف ستكون ليلتها الأولى بين يدي هذا الوحش… ستبكي وتنادي أمها. وهنا الوحش سيرتدي قناع التودد ولسانه سيتقطر عسلاً، فقط لينال من عفتها وليقنعها بأنها الان أمرأه وعليها تجاوز مرحلة الطفولة والعفوية واللعب، وعليها الدخول في مرحلة العبودية الجنسية والزواج المقرف من رجل متصابي، أقنع نفسه بأنه إن تزوج طفلة فأنه سيرتوي من ماء حياتها، ليصب في عروقه اليابسة ماءُ حياةً منبعه الألم والخوف.

هذا حدثً من جملة أحداث تمر به هذه الزهرات، لا لشيء سوى أنهن من بيوتات تعاني الكفاف والعوز وتبتغي الستر، وهذا الستر مع الأسف مكلف جداً، فقد كلفنا ابتسامة الزهور وزرع بدلا عنه حزناً والماً وحسرة.

ستعاني هذه الزهرة كباقي الزهور التي احترقت بسبب المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية جراء هكذا زيجات، وستواجه تحديات كبيرة في مجالات الصحة والتعليم وغيرها، وسيجد هذا الذئب كباقي الذئاب ضحايا أخريات بسبب عدم تشديد القوانين والعقوبات تجاه هؤلاء وهذه القضايا.

ختاما أوجه التهنئة لكل الذئاب التي باركت العرُس وأكلت الوليمة وقد امتلأت بطونها ونامت ضمائرها، وأعزي هذه الطفلة بعد أن فقدت جسدها ولعبتها، وأقول لها عظم الله أجرك في فقدانك لطفولتك وضفائرك.