حمل الهواء في هباته المتواصلة رائحة معينة ، كانت الرائحة القوية تنبعث من جهة البحيرة ، انها نفس الرائحة الطاغية في كل مكان ، وغادر الطفلان للعب بعد ان وجهت لهما التحذيرات المكررة بألا يبعدا وبأن يكونا يقظين تماما ، فالمكان حافل بالخطر … وضاقت نورا ذرعا بالرائحة الخانفة ، فعادت لتكرر نفس الاسطوانة :
* اتعلم أنه كان من الخطا تماما احضار طفلين ليتنفسا هواء استوائي مشبع بغازات الكبريت السامة ، انهما في اجازة وفي أشد الحاجة لهواء شديد النقاء مفعم بالعافية ! قأجاب شاردا وقد تعب قلبه من تكرار هذا النقاش العائلي العقيم :
* بالفعل ، يبدو الوجود هنا لغير المهتم شديد الوطء ! فعادت لتسأله متوسلة :
* ألا تخاف ؟ فلم تعد وحدك في هذه الحياة ، ونجن بحاجة لوجودك وأخشى ان نفقدك ! فأجاب بهدؤ وبكل طقوس الكبرياء بعد ان اختنق صوته وسالت مدامعه ، وقصد ان لا ترى انفعاله :
* ولم اخاف ؟ فبعد الموت اما العدم واما الرحمة ! …وفجاة اندفع الطفلان للداخل بصخب :
* بابا …ماما … شاهدنا في دغل قريب حديقة غريبة تعج بالزهور الملونة البهيجة المنظر ، ولكن روائح كريهة تنبعث منها ! …فهرول ونورا وراء الأطفال لمعاينة الحدبقة والتحقق من الادعاء الذي بدا طفوليا ومبالغا به ، وبالفعل فقد انبهرا من المنظر الخلاب ، كما انزعجا من رائحة “نتنة” تزكم الانوف ، فقال البرفسور معلقا :
* يا الهي …انها زهرة نادرة في العالم ، وهي تتكائر هنا ببيئتها الطبيعية الخاصة ، وما هذه الرائحة الكريهة الا مزيجا غريبا من روائح ” اللحم المتعفن والسمك النتن والسكر المحروق ” ! وربما تتغذى على الحشرات ، كما انها تجذب الطيور التي تحمل بذورها بغرض التكاثر …أجل انها زهرة ” النتن” !