حين هويت من رحم أمّي .. دون أن يكون لي رأي ..خرجتُ ملتفا بكيس , و ظنت أمي بأنها نبوءة , وأنّي سأحظى بما لم يحظ به الأوائل والأواخر .. في المستشفى , حيث ولدت بالبصرة الجميلة بسيابها الشامخ وعشارها الاخاذ ونخلها الباسق وطيب أهلها , تطوّعن الممرضات لتسميتي , فكانت الأسماء قد تراوحت قيمتها وثيمتها بين القومجية والإسلامية, نظرًا للمدّ السائد وقتذاك, حتى حسم أبي النزاع وأسماني ( ).. أنا الآن في العقد السادس من عمري, متمسكا بالحياة التي قضيت نصفها أو يزيد, خارج الوطن , و حين أفكّر بالانتماء, فلا تعنيني – حتمًا – خطوط الطول والعرض , ولا عراك السودان مع جوبا ,ولا يهمني أن كان المالكي أو نتنياهو , رئيسا لما يسموه اليوم وطن .. فأنا رجل عشت في النصف الاول منه غريب في وطن , ووجدت في النصف الثاني منه وطن في غربة, وفي الحالتين ضياع.. فكان هذا الشئ الوطن في مخيّلتي كقصيدةً شعر تحتضر بفعل تقاطعات أولاد الزنا , والغواني الجاهزات للرقص.. وقرع دفوف اللعبة التي سينتهي فصلها الاول , في زمن أنتصار طحالب المالكي على ما أسموه وطن, ويسكرُ بدمه العاقّون, والتافهون الماضون بنحر الوليد.. والحفلة ستقام, بحضور السلطان, والعازفين على أوتار الكره والخديعة , وكل من غرز في جسد هذا الوطن, حقده أو بصق فيه..
أشعر وكأن نوري المالكي ,بينه وبين لحظة السقوط , شعرة, أو أرفع منها..وأكاد أرى من خلالها تخبطه وأنفلات عقله وهو لا يدري أين السبيل للخروج من الازمة التي بدأها, ليجد نفسه أمام باب واحدة , أما أن يكسر هذا الشئ , أو ينزلق الى سماسرة الرذيلة والخديعة لقرع دفوف اللحظة الاخيرة, من أجل أن يحتفظ بالكرسي اللعين.. وليجد نفسه ثانية أمام المستنقع الذي أراد أسقاط خصومه فيه,ألا أنه وجد ما لا يحمد عقباه.
السقوط بالنسبة للمالكي كان خطا أحمر, حينما كان يصطاد فرائسه بأسم القانون المبتذل, ويسقطهم الواحد تلو الاخر في شباك أعدها مسبقا..ألا أنه طغى وأستكبر, وكان قاب قوسين أو أدنى , من أن يكون فرعونا, وأنا ربكم الاعلى.. فتشاجر مع الذين شاركوه العملية السياسية , وبالخديعة هشم بعضها , وأستفز الاخرى ,وأشترى ذمم البقية الطالحة في زمن كان يجيد العوم فيه عكس التيار,وكان يردد دائما, أذا لم تكن معي, فأنت ضدي..
العراق والعراقيون اليوم أمام , سلطة طاغية , وفساد منتشر ينخر في ركائز المجتمع, ومجتمع ناسه متعبة ومرهقة, وله قابلية واسعة للسقوط في أحضان دائرة الرذيلة..ويفتح باب التسول, والبحث عن ما يسد الحاجة من نفايات السلطة, عندما ينقلب الهرم الاجتماعي أو يقلب بفعل فاعل, تنمو في سطح الحياة طحالب لا
أحد يعرف جذورها وتغوص الأسماء الشامخة في وحل التزاوج اللعين بين السلطة والفساد, وتتساقط القيم الموروثة ويصبح الناس غرباء في بلادهم ,وترى الدهماء والسابلة وشذاذ الآفاق يتطاولون في البنيان ويقبضون رسم السلطة وخزائن المال العام..
وما خفي كان أعظم