يُروى ان أحد الحكام في قديم الزمان مرّ برجل طاعن في السن يغرس أشجار النخيل فقال له الحاكم : لن تُثمر هذه الاشجار الّا بعد سنوات عديدة وأنت رجل كهل قد لاتدرك ثمارها فلماذا تغرسها ؟؟ فأجاب الرجل ( زرعوا فأكلنا ، ونزرع فيأكلون ) .. كلام بليغ وافي المعنى والدلالة من سلفنا الصالح الذي ترك لنا بصمات طيبة وزرع لنا زرعا طيبا ..
السلف الصالح ترك لنا تاريخا نفتخر به ونباهي به كل شعوب الارض ، ليس ترفا ، بل هو ضرورة لكل امة لانه مرآتها التي تبين فيها معالم نهضتها وتتجلى بها شخصيتها المتميزة ورسالتها الحضارية وارتباط اجيالها .. السلف الصالح زرع لنا القيم والمباديء والاخلاق الفاضلة وحب الوطن والمواطنة الصالحة وعلّمنا ان خيانة الوطن ( جريمة مخلة بالشرف )
السلف الصالح بنى لنا حضارة وتأريخا مشرفا وتراثا مازال شامخا ننهل منه … السلف الصالح خطَّ بيده ذلك السفر الخالد
، فهذه بغداد الشعر والشعراء والمستنصرية ودار الحكمة ، وتلك بصرة الفراهيدي وكوفة جابر بن حيان ، هذه المدن التي انجبت واحتضنت اولئك الرجال الاعلام من حملة الفكر والقلم … وتلك مكتبات العالم تغص بالآلاف من العناوين والمجلدات والمخطوطات في كافة مجالات العلم والمعرفة والتي سطّرت حروفها أنامل اولئك الأفذاذ الذين تركوا بصماتهم عبر مراحل التاريخ المختلفة فكانوا بحق منابر ومشاعل للعلم والثقافة والقيم الفاضلة مازال العالم ينهل من فيض ابداعهم … وهنا ألا يجدر بنا ان نتساءل :: أين نحن الآن من سلفنا الصالح الذي زرع لنا فأكلنا ثمرا طيبا ؟؟ وماذا زرعنا نحن للأجيال القادمة وماذا سنزرع لهم ؟؟ وماذا سيحصدون بعدنا وماذا سيأكلون ؟؟ وماذا سيكتب التاريخ عنا وماذا سيقول ؟؟ وهل ستفتخر الاجيال القادمة بنا وبتاريخنا ؟؟ ماذا سيقولون عندما سيقرأون عن فرقتنا وتشظينا وتناحرنا
واحترابنا وسرقتنا للمال العام وفسادنا ونفاقنا … ؟؟ ماذا سيقولون عن الخراب والدمار الذي حلّ بنا ؟؟ وسوف يسألون . اين البناء والاعمار ؟ واين الزراعة والصناعة واين العِلم والعلماء ؟؟ واين الشعر والشعراء ؟ واين الفن والفنانين واين منظومة القيم والاخلاق ؟ اين سلطة القانون .. وأين وأين ؟؟ ثم سوف يسألون : لماذا هذه المقابر ولماذا هذه الارامل ولماذا هؤلاء الايتام ولماذا اصبح الأخوة أعداء في بلادي وخلّفوا وراءهم ركاما ودمارا … ومن حقهم ان يتساءلوا ومن حقهم ان يعتبوا ويغضبوا لأننا لم نترك لهم شيئا ، سنترك لهم ارضا جرداء قاحلة تشكو المحول والسبب لأننا لم نحسن التدبير ولم نحسب حساب الاجيال القادمة وليس هذا فقط بل اننا ارتكبنا خطيئة كبرى وهي اننا سلبنا حقوقهم بغير وجه حق ، وان التاريخ لايرحم …