أرى سردين في رواية(دكتورة هناء) للروائية ريم بسيوني ولكل سرد مساره ُالمنضبط
(*)
في ص126 تطرده وهي على سريرها بالمستشفى، خالد لا يكترث لها قفاه تجاهها ونظره هبط من النافذة (أكتشف فأراً صغيراً يعبث بين/126)
(*)
بعد العملية الجراحية لاستئصال رحم الدكتورة هناء بسبب النزف الحاد حين يزورها زوجها وهو الطالب الذي تشرف على رسالته في الدكتوراه يسألها خالد (ما رأيك في صينية كنافة؟ فتجيبه : أنا لا أحب../ 133 ) لكن سيجلب لها الحلويات والمشويات وحين تتألم تتمسك به لكن خالد (لا يريدها رئيسته، ولا يريدها أن تقهره كما تفعل دائما../135 )
(كان يعشقها ويريد تحطيم حلمها/136 ) هنا خالد يمارس نفيا ثم نفي النفي
(*)
في الصفحات الأخيرة من الرواية ينقل لنا السارد المشهد التالي من بيت دكتورة هناء ، بعد خروج خالد زوجها وتلميذها في الدراسات العليا من بيتها (وقعت عيناها على الحلويات الشرقية التي تركها على المنضدة، فقامت.. أمسكت بها في احتقار، وذهبت إلى المطبخ وألقت بها في كيس الزبالة !/ 158) ثم وهما يعودان للبيت يخاطبها خالد(أريد أن آكل البقلاوة معك. فتقول له هناء: ألقيت بها في الزبالة. يجيبها خالد : لذا اشتريت بقلاوة جديدة. معي في السيارة/166 ).. حدث ذلك بعد عملية ازالة رحم هناء خلاف محتدم بينهما أوصلهما إلى ضرورة الطلاق.. السارد سيقوم بتورية ما يعتمل من تشظ ٍ في ذات دكتورة هناء : من خلال رصد قولها التالي وأفعالها ومشاعرها نحو زوجها الشاب خالد، تصفه ُ متخلفا. ثم يركز السرد على كفيّ دكتورة هناء (نفضت يديها من العسل الذي ألتصق بهما ) ثم يستدرك بقصدية تحمل رسالة للقارئ (ولكن العسل لم يتلاش/ 158).. وثانية التركيز نفسه (لم يزل يلتصق بيديها) وثالثة (غسلت يديها في عصبية).. ثم ينتقل السارد من الكفين إلى مؤثرية الملابس: (ثم ذهبت إلى حجرتها، واستلقت على السرير بفستانها لأول مرة منذ أعوام) :هل تعاملها الاستثنائي مع ملابسها مِن جراء العسل..؟ ! وبسبب العسل اللاصق في يديها وروحها وجسدها، تسرب (شعور جديد إلى نفسها، يدغدغها، يسقط في حلقها كنقطة المياه الباردة يفيقهاويخيفها ويغمرها ولم تكن تعرف بالضبط ذلك الشعور..)..
(*)
هي لا تريد الحياة بالتشارك الدائم، هي تصون واحديتها في كل الاحوال ولا تطيق سواها، حين تجالسها أحدى الطالبات في حديقة الجامعة، لا تُصغي لكلام الطالبة، لأنها تفكّر(كيف تستطيع إبعاد الفتاة؟.. جلوس الفتاة بالقرب منها هكذا وعلى غطائها! ستضطر لغسل الغطاء أكثر من مرة وهو غطاء صغير لا يكفي إلا لفرد واحد /37 ) هذه الحالة التطهيرية مهيمنة على دكتورة هناء
(*)
دكتورة وهي على سريرها في المستشفى تطلب من زوجها خالد مغادرة الغرفة بعد تحاورهما المتشنج القصير. هو لا يغادر الغرفة، هي لا ترى سوى ظهره هو يرنو من النافذة (يكتشف) كما يخبرنا السارد وفعل الاكتشاف يختلف عن فعل الرؤية وما يكتشفه هو (فأراً صغيراً يعبث بين الزبالة.. يقفز ثم يختفي.. يعود من جديد فيعيد الحياة للزبالة / 126- 127)
نتوقف هنا :
(1) خالد يكتشف فأراً
(2) الفأر يعبث بين الزبالة
(3) حركيات الفأر هي التي تعيد الحياة للزبالة !!
في الوحدة السردية نفسها يتحول الحالة من الاكتشاف في المشهد الأول إلى التساؤل في المشهد الثاني:
ثم يتوقف تواصل خالد مع الفأر ويخاطب الدكتورة بهدوء( أنا لا أنظر إليك يا دكتورة، ولا أريد أن انظر إليك الآن) فتقول له بعصبية : فقط أذهب) لكن هو لم يذهب، ليس من أجل دكتورة هناء:
(1)كان ينتظر قدوم الفأر
(2) يتمنى قدوم الفأر
(3) شعر بحركة وسط الزبالة
(4) كان مدفونا ويتحرك في ثقة وحماس
(5) وكلما قفز الفأر أمامه.. شعر براحة هائلة
إذن العلاقة بين خالد والفأر تومئ بتواصل مرآويبينهما.
في ص148 لم يصن السر خالد، سيفعل كما فعلت دكتورة هناء مع أمه وخاطبتها : حماتي. سيخبر خالد عميد جامعة أن هناء زوجته ..
لم يعد إلى البيت ولم يندم!! لماذا إذن في حجرة المعيدين (دفن رأسه بين يديه وبقي في مكانه.. ولم يتحرك لساعات )؟ تحيله ذاكرته إلى المعادل الموضوعي لشخصه (يرى أمامه مرة أخرى الفأر الصغير وسط النفايات والعفن ولم يكن يدري إلى متى سيعيش الفأر؟ كان يفيض بالحياة يتحسس كل شئ في يأس وجرأة. ماذا لو هرب؟ وأين يهرب؟ وهل عليه العيش دومّا بين النفايات وهل للفأر من مخرج؟…) يواصل التراسل المرآوي سرده على سعة صفحتيّ 148- 149 بين خالد والفأر
(*)
دكتورة هناء: لا يهما زوجها خالد : تعتبره علاقة موقته كما يخبرنا السارد المتحكم بالنص الروائي. الدكتورة لا تهما سوى طموحاتها الوظيفية (تعيش للنجاح والأبحاث والعلم كما كانت تريد../79 ) ترى نفسها (قائدة للجميع/80 )
قوتها في علامتين من خشبٍ مهيب مؤسساتيا : هي امتداد لكرسيها ومكتبها (صوتها أكثر سلطة وتحديا وهي جالسة إلى مكتبها، وكانت شبه إنسان آخر حين تكون جالسة خلف مكتبها../ 89 )
(*)
يمكثان معا في البيت : دكتورة هناء وزوجها خالد. وهما يشعان بوحدة وصراع الاضداد..
*ريم بسيوني/ دكتورة هناء/ دار نهضة مصر/ ط1/ 2015