23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

ريثما يختمر العجين – 21

ريثما يختمر العجين – 21

الكلمة شرف الإنسان وضميره
أول الكلام:
هل بوسع كل إنسان أن يُحصي كلماته المنطوقة في اليوم؟! وهل بوسع الكاتب أن يراجع كلماته بين الفينة والفينة؟! وإذا استطاع ذلك هل بوسعه أن يتأمل ما صدر عنه ويقف عنده وقفة موضوعية ناقدة؟
بوسع الإنسان ان ينقد غيره بسهولة، بوسعه أن ينتقد هذا الكاتب أو ذاك.. بوسعه ان ينتقد هذا السياسي أوذاك.. أو ينتقد أغنية كلمات ولحناً.. ولكن هل يمكنه أن يمارس نوعا من النقد اسمه النقد الذاتي؟! وأن يكون رائده النزاهة والموضوعية في نقد ذاته حتى وإن أفضت الحصيلة إلى جلد الذات!
إليكم قولين لرسولين عظيمين، أتباعهما يشكلان سوية الغالبية الساحقة من سُكّان كوكبنا فلنسمع:
قال السيد المسيح (ع): “في البدء كانت الكلمة”.
قال الرسول محمد (ع): “الكلمة الطيبة صدقة”.
***
تابعت عن بعد إعلاميين ومحللين سياسيين وصُنّاع رأي، وكتاب في مواقع التواصل الاجتماعي من شتى المشارب والمذاهب وإن شئتم من شتى الأطياف، ولكثرة المتابعة باتت وجوههم وأصواته محفورة في الذاكرة، أكثر من آرائهم، وأكثر من منطلقاتهم وأكثر من حججهم وأكثر من انفعالاتهم وأكثر من أناقاتهم ومن رشاقة حركات أياديهم وأكثر حتى من تظاهرهم بالحرص على الوطن أكثر من غيرهم وأكثر من تشاكلهم مع بعضهم…أقول عن هؤلاء في معظمهم أصبحوا وجوهاً معروفة مكررة الى حد الملل..
ورب سائل يسأل: أين العلة؟ أم هو حسد عيش؟
العلة يا أحبتي – وأحسبني أصدقكم القول- تكمن أن هؤلاء السادة (والسيدات بينهم جدّ قليلات) نعرف أشكالهم ونميز أصواتهم بل أصبحنا نعرف أسماءهم..لكن هؤلاء (أكرر في معظمهم) لا نعرف أفكارهم لأنهم لا يمتلكون رؤية فكرية واضحة تشكل منطلقاً متماسكاً ومن ثم رأياً حصيفاً..هم في تغير مستمر ولا يقر لهم قرار، هم كالأميبا ذاك المخلوق المجهري الذي يغير شكله ويسبب مرض الزُحار أو الدزنتري..
بالأمس مدحوا نوري المالكي وألّهوه وجعلوه علي بن ابي طالب في زهده؛ وحين دارت الدوائر أنزلوه الى الحضيض وقالوا فيه مالم يقُل مالك في الخمر…ثم جاء حيدر العبادي فمدحوه ورفعوه الى عليين وذكروا أباه طبيب الأعصاب الشهير الدكتور جواد العبادي النجفي وتكلموا عن انسانيته وشجاعته واخلاصه ودوره في جعل مستشفى الجملة العصبية من خيرة مستشفيات الشرق الأوسط واشادو بيساريته – كل ذلك عن الأب صحيح) وقالوا إن ابنه حيدراً “على سر أبيه” وأن “هذا الشبل من ذاك الأسد” !!
والآن أوشك الدكتور العبادي على الانتهاء من مهمته فأدار لههؤلاء ظهورهم وظهر المجن، والتفتوا الى القادم عادل عبد المهدي فأخذوا يشيدون به ويمتدحونه ويصفونه بصفات كبيرة وكالوا له المديح من نزاهة وتعفف جعلته يستقيل من وزارة النفط وهو الوحيد الذي استقال دون غيره وسجلوها له منقبة كبرى! ناهيك عن حصافة في الرأي وجراءة وإقدام وضبط وكفاءة قلَّ نظيرها ..كل هذا والسيد لم يشكل وزارته بعد..ونسي هؤلاء هم أنفسهم ماذا قالوا عنه بالأمس القريب وماذا كالوا له من تهم لا أود استرجاعها والرجل منهمك في تشكيل وزارته وهي مهمة جد صعبة..
أفرزت حادثة تغييب وتصفية الصحفي السعودي جمال خشوقجي إفرازات معيبة لمن اعتبروا نفسهم اعلاميين وصحفيين من غير السعوديين تطوعوا ليصبحوا ملكيين أكثر من الملك فدافعوا ونافحوا وبرّءوا السعودية ملكاً ووصياً على العرش براءة الذئب من دم ابن يعقوب! بل وخالف أحدهم كل الوقائع وقال أن شريط بعثة الخمسة عشر مبعوثاً استخبارياً هم سبق لها المشاركة في ندوة ي تركيا في عام 2015 والشريط مزيف وقديم!! وراح غيره (لقبه الخزاعي).. يدافع بحماس وعناد ووقاحة وعندما حاججه المذيع المصري المهذب لم يحر جواباً وغدا كمن “عملها بالمضيف “!
مرتزقة الكلمة ياناس أخطر من مرتزق السلاح، لأن الارتزاق بالكلمة سام خطره خطر اليورانيوم المنضّب الذي أضر بالبيئة في العراق ومازالت أضراره قاتلة للأخضر واليابس للإنسان والحيوان والنبات والغذاء والماء..
الكلمة شرف الإنسان وضميره..
من لم يقدر على قولها فالصمت أجدى وأستر!
23ت1/أوكتوبر 2018