حصلت ضجة على حادثة هزّت الأوساط المدرسية في اليومين الأخيرين في بلدنا العراقي الذي تكتنفه وتتناوبه هزّات من كل نوع: سياسية وثقافية وبيئية حتى غدا سفينة متداعية تتلاطم على جنباتها الأمواج العاتية والعواصف المهددة ويبدو ملاحوها غير جديرين بالإبحار بها حتى لو كان البحر هادئاَ والرياح رخاء! والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل سرقة وتسريب الأسئلة الامتحانية المدرسية سابقة تحدث لأول مرة في زماننا العراقي العجيب الغريب؟!
إنما الأمر ببساطة هو أن “التسريب” هذه المرة قد انفضح وانكشف عُواره وكان وراءه أياد متنفذة في قمة السلطة الفاسدة، امتدت لتسرق أسئلة الرياضيات للامتحان الوزاري للصف الثالث المتوسط. وهي جريمة كبيرة لو حصلت في أي دولة لديها الحد المعقول من المسؤولية لجعلت الوزير المعني يستقيل أو يقال إن لم تسقط الحكومة كلها! فالحدث جدّ خطير تترتب عليه عواقب خطيرة، فإلغاء وإعادة الامتحان أو تأجيله لمجمل البلاد يعنى أن كل الطلبة سينتابهم اليأس وخيبة الأمر والأضرار النفسية أكبر من أن تقدر فقد بذل الطلبة أقصى الجهود في ظروف مناخية متعبة من حرارة وجو مغبر وانقطاع الكهرباء واجتازوا هذه الصعاب لكي يحصدوا نتائج متاعبهم، ثم يفاجؤون بالغاء الامتحان !
إنها صدمة نفسية وسيكون لها تأثير ما يُعرف بعلم النفس “تأثير ما بعد الصدمة” الذي لا يزول بزوال السبب بسهولة ومن نتائجه القلق والخوف من أن تتكرر المسألة! لذا لا بد من تقديم الفاعلين الى العدالة ليتلقوا الحكم الصارم عقاباً نكالاً لما اقترفوا من أضرار مادية ومعنوية شملت مئات الألوف من الطلبة الأبرياء وليكونوا عبرة لكل من يحاول تكرار هذا العمل اللاأخلاقي المنحط.
ولكن السؤال يولد سؤالاً: لئن رافقت السرقة فضيحة في هذه المرة فكم من مرة سُرقت الأسئلة دون فضيحة؟! أتذكر قبل عامين حدث أمر يبعث على الريبة ويؤشر لدى أي شخص مارس التعليم، وأعني به حصول كثير من الطلبة الذين لم يعرف عنهم النباهة على درجات في الامتحانات الوزارية لطلبة السنوات المنتهية على درجات جدُّ عالية قاربت الاكتمال! ولأسئلة قوُّمَت من قبل الأساتذة المختصين بأنها صعبة أو جدّ صعبة! ماذا يعني هذا؟!
أن سرقة أو تسريب الأسئلة مؤشرخطيرمن بين مؤشرات كثيرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمجمل الوضع السياسي العام لحكومات فاشلة ينخرها الفساد وغياب النزاهة والشعور بالمسؤولية، واشتهرت وزارة التربية بفضائح فساد مالي وإداري ارتبطت بأسماء وزراء لايمتلكون الحد الأدنى من الكفاءة والنزاهة ولعل اسم الوزير ملا خضير خزاعي أشهرهم طرّاً الذي فاق الأولين والمتأخرين في السرقات سواء في مقاولات الأبنية المدرسية أو طباعة الكتب أو محاربته للفنون بكل أنواعهاً تماشياً مع عقليته الغيبية المتخلفة وشهاداته المزوّرة مكنته من كتابة لقب علمي ” الدكتور” الذي يسبق اسمه!
وأما كثرة العطل المدرسية وظاهرة تسرب الطلبة من المدرسة لممارسة الطقوس الدينية فأمر بات شائعاً في ظل مدارس متداعية ومدارس ريفية طينية بلا مقاعد ولا شبابك ولا أبواب ولا تخضع للتفتيش الإداري ولا الإشراف التربوي والحديث يطول.. كل هذا في بلد يُعد من البلدان البترولية الغنية!
بعد هذا، هل هناك من يستغرب انخفاض مستوى التعليم في كل مراحله من الابتدائية حتى الجامعية، حتى غدا التعليم في عراق الإسلام السياسي والمحاصصة هو الأسوأ في العالم! أما الأطاريح الجامعية فقد غدت إحدى مهازل عراق اليوم!
لا شك إن أزمة التعليم في العراق هي جزء من مجمل الأزمات التي يعاني منها العراق والتي باتت تصيب كل مفاصل الدولة بالشلل والعجز في كل ميادين الحياة ولعل خرق الدستور والفراغ الدستوري وزارة ورئاسة غير شرعيتين سيجعل العراق في قعر البلدان المتخلفة وسيكون المواطن العراقي هو الخاسر الأول.
ويبقى الحل الوحيد هو في كنس كل هؤلاء المتسلطين وتقديمهم لقضاء عادل نزيه واسترجاع ما نهبوا لما اقترفت أيديهم، بثورة شاملة في كل العراق لإقامة حكم انتقالي ووضع دستور عراقي جديد يتجاوز فجوات وعثرات الدستور الحالي وإقامة حكم نزيه لعراق مستقل يحكم نفسه بنفسه ويمهد لعراق ديمقراطي حقيقي يضمن كرامة المواطن في العيش الكريم ويحقق حاجاته المادية والروحية بعيداً عن أساليب التمييز الطائفي والأثني التي استفحلت في ظل عراق المحاصصة والمحسوبيات بشتى أنواعها!
الرابع من مايس/أيار 2022