إنسحبت روسيا أم لم تنسحب، هذا السؤال الذي راود كثيرٌ من متابعي الحدث السوري، ومعَ إن الرئيس الروسي “فلادمير بوتين” أعلنَ إنتهاء المهمة، يبقى السؤال حاضِراً؛ هل الإنسحاب الروسي عسكري فقط، أم إنه سياسي أيضاً؟!
المتتبع للمشاركة الروسية في الحرب، يُدرك جيداً إنها قَلبت المُعادلة، وأصبحت الحكومة السورية بجيشها الوطني، هي المُسيطرة على المَشهد، فعديد من المُدن السورية المُهمة تم تحريرها، وجبهة القوى المُتطرفة باتت أضعف بكثير من السابق، خصوصاً معَ إستهداف سلاح الجو الروسي لطرق المؤونة، وتقليص الدعم اللوجستي للإرهابيين.
الإنسحاب الروسي لم يكن مُفاجئاً كما يرى البعض؛ بل إن هدف (الأربعة أشهر) قد تَحقق، والحَل العربي_الغربي بإسقاط النظام السوري عَسكرياً، باتَ في غياهب الزمن، الحَل السياسي هو من صارَ واقعاً، وإن أحتسبه البعض واقع مُر فهم قبلوه على مَضض..
الهُدنة بين الفصائل السورية هي شَرط موسكو؛ الولايات المُتحدة من جهتها قَبلت بالهُدنة لكنها تُرواغ، أملاً بحصولها على مَكاسب سياسية، فالمُعارضة السورية تَرفض إجراء المُفاوضات بعد الإنتخابات السورية، التي سُتحسم للأسد لا مَحال، نظراً لطبيعة المنافس الفاقد للمشروع، ولا يؤمن إلا بلغة القتل والتشريد.
هذا ما حققه التدخل الروسي؛ بشار الأسد باقٍ بقناعة دولية وإن لم يعلنوها، وما كلام الجنرال الروسي “سيرغي رودوسكي” رئيس هيئة الأركان الروسية، بأن روسيا ستتدخل بقوة ضد الأطرف غير الملتزمة بالهدنة، يزيد من مصداقية الفرضية القائلة؛ روسيا تتكتك سياسياً وإن إنسحبت عَسكرياً!
إن التأخير بحسم سياسي في سوريا؛ سببه فقدان الثقة بين المُعارضة السورية (المدنية) وبين الدول الحاضنة لها؛ فهذه الدول لم تكن تدعم واقعياً الحل السياسي، مثلما دعمت ومولت التنظيمات الإرهابية، التي ترفضها المُعارضة وتعتبرها ناراً حَرقت سوريا.
فقدان الثقة بين الطرفين؛ مَهد لصعوبة التفاوض الذي لم يكن بحسابات الدول المعادية لسوريا، فالمعارضة (المدنية) سبق لها وإن إنتقدت تجاهل الولايات المتحدة، للمعلومات التي قدمتها عن الإرهابين، كما ذكرها أحد المُعارضين في تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية.
إذن؛ روسيا إنسحبت لتعجيل الحل السياسي، الذي لا يتوقع إن يكون إلا لصالحها، نتيجة لما تَفرضه أرض سوريا وشعبها، بالمقابل تكون الهدنة (العسكرية) مهددة، إذا لم يحصل إتفاق سياسي خاضع لمعايير الأرض والشعب، وهذا ما تَجد الدول الداعمة للإرهاب صعوبة في تطبيقه، مرةً لفشلها في إحتواء المعارضة (السياسية)، وأخرى لعشقها لتدمير سوريا، وهنا سنتسائل؛ متى سيعلن بوتين عن ساعة صفر الجديدة؟!