23 ديسمبر، 2024 9:27 ص

روسيا تحتفل بالذكرى 250 لميلاد كريلوف

روسيا تحتفل بالذكرى 250 لميلاد كريلوف

اسميناه في مقالة سابقة لنا – ( ابن المقفع الروسي ) ( انظر مقالتنا بعنوان – كريلوف ابن المقفع الروسي ) لأنه يذكرنا – نحن العرب – بابن المقفع الذي ترجم لنا الكتاب الخالد ( كليلة ودمنه ) , اذ ان كريلوف ايضا ترجم وقدّم للقراء الروس ( كليلتهم الخالدة ) , كما يطلقون عليه في روسيا بعض الاحيان تسمية (لافونتين الروسي) , لأنه ترجم حكاياته الخرافية واساطيره الى الروسية , ولكنه كان و سيبقى طبعا بالنسبة للروس كما يسميه الجميع في روسيا – الجدّ كريلوف , المحبوب والمفهوم من قبل الصغار والكبار معا( وهي ظاهرة قلما تحدث في تاريخ الآداب عند الشعوب بشكل عام ) , وها هي روسيا تحتفل هذا العام (2019) بالذكرى 250 على ميلاد (جدّها!) , وهي تتذكر مقاطع خالدة من حكاياته الخرافية واساطيره , والتي تحولت مقاطع كثيرة منها الى أمثال وحكم يستخدمها الروس ويستشهدون بها لحد الان في مسيرة حياتهم اليومية , لدرجة , ان جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الاسبوعية قد نشرت على صفحتها الاولى في عددها الصادر بتاريخ 13- 19 شباط / فبراير 2019 مانشيتا رئيسيا كبيرا لها بعنوان – (جدّ كل الروس كريلوف بلغ من العمر 250 سنة) , وتحت هذا المانشيت البارز نرى جزءا من صورة لتمثاله الشهير مع مقطع من حكايته الخرافية عن اربع حيوانات تريد ان تعزف الموسيقى (كفرقة رباعية) ولكنهم لا يستطيعون, وكل واحد منهم يقول , ان السبب يكمن في انهم يجلسون بشكل خاطئ , وكل واحد يوجّه الاخرين كيف يجب ان يجلسوا , ولكن بلا نتيجة, الى ان يأتي البلبل ويقول لهم الحقيقة في نهاية الحكاية ( والتي اصبحت مثل روسي شهير ), و الحقيقة البسيطة تلك هي جملة يقول فيها البلبل –
وانتم ايها الاصدقاء
كيفما تجلسون
كموسيقيّن لا تصلحون
وقد تم نشر هذا المقطع في جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا) على خلفية صورة لصالة كبيرة مليئة بالجالسين امام اجهزة الكومبيوتر وهم يمارسون عملهم , ولا تحتاج هذه الصورة الى تعليق طبعا , اذ ان معناها واضح , فهي تشير الى مؤسسة هائلة يجلس فيها مئات العاملين امام اجهزة الكومبيوتر يوجهون بها الامور , ولكنهم لا يصلحون لادارة تلك الشؤون رغم مظاهرهم واجهزتهم , كما لم تكن تلك الحيوانات ( ومنهم حمار ودب) تصلح لعزف الموسيقى كفرقة رباعية بغض النظر عن امتلاكهم للآلات والنوتات الموسيقية المدوّنة والمثبّتة امامهم وكل المستلزمات الاخرى …..
وكريلوف ليس مجهولا لدى القراء العرب , رغم اننا لا نستطيع القول – مع ذلك – ان معرفتنا لابداعه متكاملة . لقد قدّم المترجمون لدينا بعض حكايات كريلوف الى القراء العرب , ومنهم غائب طعمه فرمان وامين سلامة مثلا , لكن ما قدموه من نتاجاته هو في نهاية المطاف قليل جدا , ولا يتناسب مع مكانته الرفيعة والمتميّزة في الادب الروسي بلا شك , ولا يعرف القارئ العربي طبعا , لماذا قال عنه شمس الشعر الروسي بوشكين , انه ( اي كريلوف) – ( أكثر شعرائنا وطنية وأعظمهم شعبية ) , ولا يعرف القارئ العربي ايضا موقعه الحقيقي في مسيرة الادب الروسي , بل اني وجدت بعض الباحثين العرب يشيرون الى ان كريلوف هو ( مناضل !) ضد النظام القيصري الجائر , وانه كان ( مضطهدا) , وانه كان ( مضطرا) لكتابة حكاياته الرمزية واساطيره تلك …الخ من الكتابات العامة التي يكتبها هؤلاء ( الملكيون أكثر من الملك !) , ولم يسأل هؤلاء انفسهم , لماذا يقرأ الروس نتاجات كريلوف لحد الان , رغم ان النظام القيصري قد انتهى منذ عشرات السنين , وان الانسان الروسي المعاصر لا يعرف ( لا هو ولا اجداده) حتى اسماء هؤلاء القياصرة. لقد كنت – مرّة – شاهدا بمحض الصدفة (قبل فترة قصيرة في روسيا) على واقعة حدثت امامي , اذ قال مواطن روسي (وهو في حالة غضب) الى شخص آخر كان يتحدث معه – ( لقد تصرّف معي مثل الذئب مع الحمل عند جدنا كريلوف , لأن الضعيف مذنب دائما امام القوي بغض النظر عن كل منطق!) , وقد سألت صديقي الروسي الذي كان يشاهد هذه الواقعة ايضا – ( هل يعرف هذا الروسي , ان الاغريقي ايسوب هو الذي كتب هذه الحكاية قبل ميلاد السيد المسيح , اي قبل أكثر من ألفين سنة ؟) , فضحك صديقي الروسي وقال , ولا انا ايضا اعرف ذلك , فهي بالنسبة لنا – نحن الروس – واحدة من الحكايات الخيالية الرائعة , التي كتبها لنا كريلوف بلغتنا الروسية , ولهذا, فاننا سنحتفل في هذا العام (2019) بمناسبة مرور 250 سنة على ميلاده.