روايتي “ذاكرة شمبانيا”

روايتي “ذاكرة شمبانيا”

في بداية القرن الثاني عشر، يحل الخزي وسوء الحظ بعائلة الكونتيسة أديل دو بلوا. يموت زوجها كونت بلوا إتيان هنري، دون أن يتمكن من تحسين سمعته التي أساء إليها فراره من الحملة الصليبية.
بصفتها ابنة ويليام الفاتح وأخت الملك هنري الأول ملك إنجلترا، يجب على أديل فعل كل شيء لإنقاذ شرف نسبها. ستحشد كل قواها لإحباط خطة ملك فرنسا لويس البدين الذي ينوي استخدام حادثة فرار زوجها من الحملة الصليبية كسلاح سياسي ضد عائلتها.
الانتقام والمؤامرات والتجسس والتلاعب هم قلب هذه القصة السرية التي ستؤدي، على عكس كل التوقعات، إلى التوسع الاستثنائي لأخويّة صغيرة من الفرسان.
من خلال الحديث عن مصير امرأتين استثنائيتين، هما: أديل دو بلوا وإليزابيث دو شابس والتي تصبح إليزابيث دو باينز بعد زواجها من هيوجز دو باينز، تسلط هذه الرواية التاريخية الضوء على جزء مهمل من إنشاء نظام فرسان الهيكل.
لأنني مولع بتاريخ العصور الوسطى وبالحركات الباطنية في تلك الحقبة، فأنا أقدم عملا يغمر القارئ في التعقيدات التاريخية والسياسية والروحية للقرن الثاني عشر. في لوحة جدارية تمزج بين الخيال والواقع التاريخي، تنسج روايتي “ذاكرة شمبانيا” -التي ما تزال مخطوطة- خيوطا من الإثارة الشخصية والجماعية حول شخصيتين نسائيتين استثنائيتين: أديل دو بلوا وإليزابيث دو شابس. إن هاتين الشخصيتين هما محورا قصة تُلقي الضوء ليس فقط على مصير الفرد، بل أيضا على القضايا الجماعية المرتبطة بتأسيس نظام فرسان الهيكل.
بين الشرف والسلطة، تتألق رواية “ذاكرة شمبانيا” من خلال العمق التاريخي لشخصياتها، وحرصها على إعادة صياغة سياق غني بالتفاصيل. تُجسّد أديل دو بلوا ابنة ويليام الفاتح وكونتيسة بلوا، المعضلة بين واجبات الأسرة وصراعات السلطة. ويجسّد سعيها لإعادة الاعتبار لذكرى زوجها، إتيان هنري دو بلوا، الذي رُمِيَ بالجبن لتخليه عن الحملة الصليبية، الفكرة المتمثلة في المصالحة بين الخطأ البشري والشرف من خلال أفعال مستنيرة.
في الوقت نفسه، يمكن اعتبار إليزابيث دو شابس جسرا بين التقاليد والتحرر. تُجسّد إليزابيث دو شابس -زوجة هيوجز دو باينز، مؤسس نظام فرسان الهيكل- أيضا قوة خفيّة لكنها جوهرية، سندا في خضمّ المغامرات الروحية والفروسية العظيمة. إنها رمز أنثوي لنقل القيم.
تستكشف حبكة الرواية أيضا البعد الجيوسياسي لهذه الحقبة، التي اتسمت بالحروب الصليبية، والتنافسات الإقطاعية، وظهور أنظمة دينية جديدة.
تناولتُ في “ذاكرة شمبانيا” مواضيع عميقة: الفداء، الشرف، وكذلك التلاعب السياسي، بأسلوب يتأرجح بين الصرامة التاريخية واللمسات الرومانسية.
تمنح محورية المرأة في “ذاكرة شمبانيا” رؤية نسوية من العصور الوسطى. ذلك أن دور المرأة في النص لا يقتصر على الجانب الخلفي، بل تصبح فاعلة بحد ذاتها -كما سبقني إلى الإشارة إلى هذا، صديقي الناقد عمار بلخضرة- مما يمنح الرواية بُعدا نسويا مبكرا. يتيح استخدام شخصيات خيالية، مثل راهبات دير مارسيني، إلقاء ضوء أكثر عمقا على عواقب الأحداث التاريخية الكبرى.
تُثري الشخصيات اللوحة بتقديم وجهات نظر متنوعة، من الخادمة إلى الفارس، مُشكّلةً فسيفساء نابضة بالحياة وأصيلة لتلك الحقبة.
تدعو هذه الرواية أيضا إلى قراءة روحية، إذ تتجذر فيها قيم السمو الروحي، والسعي وراء الحقيقة. فرسان الهيكل، المُستَحضَرون هنا من خلال أصولهم الأسطورية والحقيقية، يُجسّدون بنيةً تأسيسية، ومنظمةً كانت تسعى في الأصل -ذلك أنها وقعت في انحرافات شديدة- إلى التوفيق بين تقوى العابد وفضائل المحارب.
يُذكّر دور الشخصيات النسائية في هذه الرواية بمساهمات المرأة، الخفيّة والأساسية في أي مسعى تنشئة. فغالبا ما ترمز الشخصيات النسائية في “ذاكرة شمبانيا” إلى الجوانب الوقائية والرعائية والحدسية اللازمة لتحقيق التوازن بين الذكورة والأنوثة في المساعي الإنسانية.
يُحاكي سياق الرواية سعي الإنسانوية إلى تجاوز الصراعات وتحقيق السلام القائم على الحكمة والعدل. وهكذا، تُمثل المعضلات الأخلاقية للشخصيات جزءا من رمزية التحول الداخلي، حيث تُعتبر التجارب أدوات للصحوة.
لا تفتح رواية “ذاكرة شمبانيا” نافذة للتأمل في إرث فرسان الهيكل كمنظمة دينية وعسكرية فحسب، بل للتأمل في ضرورة تطلّع الإنسان نحو العدالة والتنوير. وتحث القارئ على التدبر في ديمومة مقارعة المُثل العليا لفساد الطموحات البشرية، وهذا سؤال يبقى خالدا.

أحدث المقالات

أحدث المقالات