يقدم لنا الروائي العراقي محمد العطار في روايته المميزة ” مدينة البدناء ” الصادرة عن دار سطور للنشر والتوزيع ،انموذجا واقعياً بدلالاته الرمزية على انحطاط القيم الاخلاقية في نظام رأسمالي يتحول فيه الانسان من قيمة عليا الى سلعة في سوق التنافس السلعي تنعدم قيمتها الانسانية لصالح روحية الجشع والكسب المادي على حساب الانسان ووجوده وتفرده .
الوطن هو المكان الذي لايوجد فيه ثري يستطيع شراء الفقراء ولا فقراء يبيعون انفسهم للأثرياء ، ربما على قاعدة هذه المقولة اراد لنا العطار ان ننطلق معه في رحلة مأساوية مع مجموعة من البشر في مكان محدد في لندن تستهلك منتجات غذائية لشركة تابعة لاحدى العوائل الرأسمالية الثرية ، التي تستخدم معاملها الغذائية مواداً كيميائية وجينات مختلفة لغرض تسويق المنتج مما نتج عن هذا التلاعب بطبيعة المواد الغذائية ، عن حالة مرضية فريدة وهي البدانة ، ولانها اصبحت ظاهرة تعيق الفعاليات الانسانية الطبيعية ، يقوم هذا الثري أمام قوة ضغط الرأي العام ببناء مجمع للبدناء تحوّل بمرور الوقت الى سجن كبير ، ونقل البدناء فيه من دائرة الحياة الانسانية الى حياة كونكريتية تفتقد الى شروطها الانسانية .
يقول في مقطع من الر واية واضفا الحياة الداخلية للبدناء داخل بيوتهم ” الجديدة ” :
” في هذه المدينة، البيوت ذات طابق واحد فقط، فلا احد يستطيع استخدام الدرج ، كل شيء مبني من الكونكريت حتى الاسرة والمقاعد.!
اكثر شيء يكرهه الناس هنا هو يوم الميزان … فبعضهم تجاوز وزنه النصف طن ! ومنهم من لم يغادر سريره منذ اشهر … رغم ذلك لا احد يقبل المساعدة من الاخرين … فان تكون عاجزاً عن فعل ابسط الامور يؤلم اكثر من كل امراض العالم مجتمعة ! هنا … من يموت ينقل بالرافعة كما ترفع الانقاض بشكل قبيح … لكن هنا حدثت اجمل قصة حب”.
اجمل قصة حب في مواجهة هذا العسف وتجلياته الحياتية ، قصة حب بين فتاة جميلة شوّهت جمالها وجسدها البدانة ومحام تبنى قضية بدناء هذه المدينة وضحايا نظام القبح والاستغلال والجشع .
تنتصر قصة الحب وقضيتها الرئيسية بفك ارتباط البدناء بالمدينة ” السجن ” لكّن الرأسمالي الثري وبطانته رغم الاحكام القاسية التي حكمت فيها المحكمة عليهم بفعل الضغط الشعبي ، لم يمس النظام جوهر اخلاقياتهم ونظامهم وقوانينهم التي تحّول الجنس البشري الى بدناء في نظام متحوّل في السياقات التفصيلة وباق على الفكرة الرئيسية وهي تحويل الانسان الى سلعة .