18 ديسمبر، 2024 8:40 م

رواية “قبل أن يأتي الغرباء” وعودة للتاريخ

رواية “قبل أن يأتي الغرباء” وعودة للتاريخ

عن مكتبة كل شيء في حيفا صدرت مؤخّرا رواية “قبل أن يأتي الغرباء” للرّوائيّ المقدسيّ عبدالله دعيس، وتقع الرّواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التشكيلي محمد نصرالله، وأخرجها ومنتجها شربل الياس في 370 صفحة من الحجم المتوسط.

يفتتح الأديب عبدالله دعيس روايته هذه بـ” هذه رواية خياليّة، تدور أحداثها بين عاميّ 1775 و 1810 للميلاد، وهي ليست سردا تاريخيّا ولا تأريخا لتلك الفترة.”

والقارئ لهذه الرّواية سيجد أنّ الكاتب لم يكتب تاريخا، لكنّه استفاد من تاريخ تلك الحقبة الزّمنيّة، وصاغها بقالب روائيّ على ألسنة أناس شعبيّين. ففي تلك المرحلة كان الصّراع محتدما بين بريطانيا وفرنسا للسّيطرة على المنطقة، وكانت حملة نابليون على الشّرق، والتي ابتدأها باحتلال مصر، وانتقل منها للسيطرة على بلاد الشّام، ودمّر غزّة ويافا، وتحطّم أسطوله عند أسوار عكا.

فما أن استقلت أمريكا عام 1979م من الاحتلال البريطاني، حتى بدأت حروبها الإستعماريّة، وكانت بداية غزواتها لطرابلس الغرب في ليبيا، وكذلك فرنسا هي الأخرى استقلت من الاحتلال البريطانيّ وشرعت هي الأخرى تنافس بريطانيا في حروبها الإستعماريّة، واحتلت العديد من الدّول الإفريقيّة ومنها الجزائر، تونس، المغرب موريتانيا. وقام نابليون بغزواته لمصر ولفلسطين.

وقد استغلّ المستعمرون الغربيّون الخلافات القبيليّة التي كانت سائدة في فلسطين، كالصّراع بين “القيسيّين واليمنيّين”، والذي حصد أرواحا كثيرة، كما استغلوا الجهل والتّخلّف لتحقيق أهدافهم.

ورد في الرّواية ثلاثة شخصيّات محوريّة وهي:

اللورد البريطاني أرنولد ديزرائيلي: والده مسيحيّ اعتنق اليهوديّة، والإبن عاش حالة ضياع بين اليهوديّة والمسيحيّة، أرسلته الحكومة البريطانيّة لدراسة أحوال بلاد الشّام التي كانت جزءا من الإمبراطوريّة العثمانيّة، تمهيدا لغزوها. فقصد حلب وتعلّم فيها العربيّة، وادّعى أنّه مسلم، لتسهيل عمله، وسمّى نفسه “الشيخ ابراهيم الحلبي”. ثمّ انتقل إلى فلسطين. تعرّض للأسر والموت أكثر من مرّة، لكنّ زوجته مريم الكسوانيّة كانت تنقذه في اللخظات الأخيرة.

مريم الكسوانيّة: كانت سيئة الحظّ، فأخوها مصطفى سقط وهو بصحبتها عن ظهر بغل ومات، وابن عمّها الذي كانت على اسمه، ليكون زوجا لها مات، وزكي قطينة الذي أراد خطبتها جرفته السّيول ومات، وتزوّجت من محمد الشّيخ حامد من قرية “حرم”قرب يافا مات، ثمّ تزوّجت من شخص آخر اسمه خضر وانقلب به قارب ومات غريقا، وتزوّجت من موسى من غّزة بعد وفاة زوجاته الثّلاث ومات برفسة بغل، فتعامل معها الآخرون كمنحوسة يموت من يقترب منها. وفي النّهاية تزوّجت “الشّيخ ابراهيم الحلبي.” وأنجبت منه طفلة أسموها “سارة”.

سارة: هي ابنة مريم الكسوانيّة والشّيخ ابراهيم الحلبي.”أرنولد”. عاشت في قرية “بيت سقاية”، وفي كنف شيخ ووجيه القرية، تعرّضت للسّبي في الخلافات القبليّة، ولم يتمّ زواجها ممّن سلبها، انتقلت إلى مدينة القدس، حيث عاشت في كنف أسرة مقدسيّة عريقة، وتعلمّت في الزّاوية الهنديّة، وتزوّجت من التّونسيّ عبد الرحمن الذي مرّ بالقدس في طريقه للحجّ، وعندما غادرت معه إلى تونس تعرّضت للإغتصاب على يد غزاة بريطانيّين، تمّ أسرهم. وواصلت طريقها مع زوجها إلى تونس، ثمّ عادت وزوجها وحمويها إلى القدس مرّة أخرى. وما لبثت أن اهتدت إلى والديها.

أهداف الرّواية: في تقديري أنّ الكاتب الذي سرد روايته عن مرحلة تزيد عن قرنين سابقين من تاريخ فلسطين، أراد أن يعيد إلى الأذهان بأنّ مرحلة التّمزّق والهزائم التي نعيشها الآن، والتي تتيح الفرصة “للغرباء” لتحقيق أطماعهم، ليست جديدة، فقد سبق وأن عاشها آباؤنا وأجدادنا قبل أكثر من مائتي عام، فهل نتّعظ من التّاريخ؟

الأسلوب واللغة: واضح لمن قرأ روايات الكاتب عبدالله دعيس السّابقة، أنّ الكاتب قد طوّر أسلوبه الرّوائيّ بطريقة لافتة، فالرّواية المكتوبة باللغة الفصحى التي تعجّ بفنون البلاغة لا ينقصها عنصر التّشويق، والسّرد سلس انسيابيّ لا يثقل على القارئ.