20 ديسمبر، 2024 1:06 ص

رواية ( طائر التلاشي ) والبحث عن الغرائبية

رواية ( طائر التلاشي ) والبحث عن الغرائبية

رواية ( طائر التلاشي ) للكاتب والروائي العراقي محمد رشيد الشمسي الصادرة عن دار الورشة الثقافية ببغداد تجربة غنية بالأحداث المفعمة بروح الغرابة والفنطازية ،وقد تقترب أحيانا من روايات الخيال العلمي ،لأنها تحاول أيجاد عوالم مختلفة من حيث التكوين ليس  في الشكل ،بل في التفكير الذي يحاول أن يجد له بابا في دهاليز الظلمة القاتمة كما يقول الكاتب في مقدمة روايته ” قد تصنف هذه الرواية من صنف الروايات الفنطازية أو قد يصنفها متلق أخر أو يلبسها الرواية الغرائبية ” ص7.

غرائبية (طائر التلاشي) تمكن في موضوع داء التقزم الذي يصيب جزيرة في منطقة نائية تمتاز بالعزلة والبدائية ،ولكنها تعتمد على عنصر قوتها بتقاليدها المتوارثة التي أصبحت أشبه ما يكون دستورا للبلد ،ولكن برغم من أن بدائية تتسم الهدوء وراحة البال بعيدا عن أمراض العصر فان هذه الجزيرة أصيب أهلها بمرض ( التلاشي ) وليس كبقية البشر الذين تكون نهايتهم الطبيعية الموت الذي يوحد المعمورة في هذا العنصر دون النظر إلى البدائية والرقي الحضاري .ولعل التفكير والتأمل هو من قاد الحكيم ( تخاخا) في مراقبة طائر ( تخالو ) الذي يقدسه أهل الجزيرة ،ومنه اشتقت اسمها .( تخاخا) حاول تصحيح خطأ الأجداد في تدجين طائر حر وتحوله إلى وليمة مفضلة لسكان الجزيرة ،وهو أدراك حسي ومعرفي في كيفية تحدي نواميس الطبيعة التي عادة ما يجلب الويلات والامراض .

لا يختلف (تخاخا ) عن بقية المصلحين والحكماء الذين ما تصطدم اغلب أفكارهم ونصائحهم بمعارضة الكثير لان اغلب الدعاة من يؤمنون بالتجديد وعدم السير على خطى من سبق دون النظر إلى المستقبل. ولعل هذا دأب البشرية معارضة الجديد والتمسك بالموروث السابق وإلصاق صبغة القداسة عليه .

التقزم أو التلاشي حالة نادرة في تكوين البشرية ومن جاءت غرائبية الرواية التي أعادة مشكلات الكرة الأرضية إلى الإنسان نفسه ،وكيف يريد أن يكون هو السيد الغالب متحديا قوانين الطبيعية ؟ ربما يعاقب على  هذا التجاوز ،فكان داء التقزم الذي لم يسلم منه اغلب اهل الجزيرة رغم تحذيرات التي اطلقها (تخاخا): ” سوف تندمنون على هذا أنا أنصحكم ،دعوا كل شيء من أيديكم ،وتنبهوا ،أصغوا إلى ما أقول واسمعوا كلامي في هذا الطير يتلاشى ، أحذوره” ص16. رغم هذا الصوت الناصح الذي يكون مصيره النفي والغربة .

السوداوية تؤطر  أجواء الرواية مع هذا هناك بصيص أمل يلوح في الافق يبدد هذه السوداوية كحالة العشق بين ( شباليا ) و( سموحا ) ومساعدة أهل الجزيرة لبعضهم عند الأخطار. أيضا يمكن أن نلمس أشارات سياسية كصراع  بين قبيلتي (السساري ) و( المههاري) والحرب التي اعلنت على جزيرة ( مانواتو ) المجاورة بقيادة (همايش ) فضلا عن صراع الحضارات (التكنولوجيا والبدائية ) في قضية السائح الأجنبي وزوجته والمترجم واستخدام جهاز الموبايل  وغيرها من الأشارات التي تتسم بنوع من الواقعية في عجز العلم الحديث عن علاج بعض الأمراض .

نهاية الرواية هي الأخرى مفارقة الفنطازية تطرح عدة أسئلة بعضها ذات أوجه متعددة وفيها أشارة  إلى الزيادة السكانية على كوكب الأرض والاعتداء على الطبيعية وقوانينها الصارمة ” وسرعان ما أصبحوا وجبة شهية لسمك القرش ” ص  136.

رواية (طائر التلاشي ) يمكن أن تكون في إطارها العام ذات بعد فنطازي غرائبي ولكنها في نفس الوقت نلمس فيها أصوات واقعية متداخلة وهي إشارات ذات بعد أنساني تعيشه الكرة الأرضية حلوها ومرها ، خيرها وشرها .

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات