23 ديسمبر، 2024 4:21 ص

رواية :تعالى .. وجع مالك .. حميد الربيعي ..رؤية كتابية

رواية :تعالى .. وجع مالك .. حميد الربيعي ..رؤية كتابية

رواية :تعالى .. وجع مالك .. حميد الربيعي ..رؤية كتابية :

النقد هو الذي يستنطق النصوص ، ويفكك
العناصر المكونة لها ، ويستكشف ابنيتها ،
ودلالاتها ، وجمالياتها ..
عبد الله ابراهيم .
في البدء ، ننطلق في حديثنا هذا ، من الغلاف الأول ، الذي اكتساه لون خردلي ، وثمة فتاة ، شبحية ، مسدولة الشعر، طويله ، ساهية العينين . وثمة لطخة بياض على جهته اليسرى ، ترمز للشخصية الأولى في رواية ” تعالى .. وجع مالك . ” سرد حميد الربيعي .. ” وهنا ، أعلن عن نفسي ، قبل غيري، أنا لم اقرأ مثل هذا العمل السردي الباذخ ، وبخاصة مشهد ما أطلق عليه سارد العمل الروائي الربيعي: اللقاء الثاني : صفحة 36 ، الذي احتوى على 34 صفحة ، من القطع المتوسط ، لمتن الرواية ، وجع مالك ، لحميد الربيعي . وسأكِّرس مقالي هذا عن هذا الفصل الثاني ، الذي أعُّده جوهر رواية احمر حانة الأساس ، لحميد الربيعي ؛ والذي لم التق به في بغداد، أوأيّ مظانٍ آخر، إلّا لماما ، منذ اقامتي في السويد العام 2006، واقامة حميد الربيعي هو الاخر، في الخارج ، لفترة طويلة ، كما اظن . وعندما التقينا في مقهى الشابندر في بغداد ، قبل فترة وجيزة اهداني روايته ،هذه تعالى ..وجع مالك ، فضلا عن بعض اعماله الروائية الاخرى .. وحين شرعت بقراءة هذه الرواية صُعقت تماما ، وبخاصة عند قراءتي فصل ما اطلق عليه اللقاء الثاني صفحة 36. واعلن هنا ، للمتلقي ، أنني لم اقرأ مثل هذا المشهد ابدا ، منذ أنْ أصبت بهوى قراءة منابع الادب الابداعي ، وبخاصة العمل السردي الروائي ، اذ قرأت سرديات كبرى ، لكتّاب عالميين عظماء عربا واجانب ، بعضهم تناول الجنس الفاضح ، والآخر الجنس الخجول إن صح التعبير .
اذن ، وهذا الكلام يقودنا الى جمالية السرد الباذخ لحميد الربيعي في روايته .. تعالى .. وجع مالك ، والذي سنكّرس مقالنا هذا له ، إذ هو جنس آخر ، مارسه طبيب يعمل في مجّمع محلي صحي مع الشحصية الرئيسة ، التي تعمل فيه ممرضة ايضا، كما أنّ هذا الطبيب لم ينطق بكلمة واحدة ، طيلة معاشرته إياها ، وذات قاد هذه الفتاة من يدها منقادة معه ؛ وهي فّي المجمع دون ان تنبس ببنت شفة ، كما ان هذا الطبيب ، هو الاخر لم ينطق بأي كلمة . وانطلقا يلفهما الصمت بسيارته باتجاه فيافي الصحراء .
ويتناول حميد الربيعي ، في عمله هذا ، حتى جزيئات الاشياء المنمنة ، وكانت الفتاة التي عاقرها زميلها الطبيب هذا ، تصف الجنس والرجل هذا ؛ ولم تكتف بالمضاجعة الاولى لشبقيتها ؛ فما فتئت ظمئى للمواطأة : ” في الاولى كان فاتحا يدك قلاعي ، وفي الثانية ، جاء فارسا ، يمتطى حصانا ، وفي الثالثة عاشقا ، يتذوق عشق دغلي ، وفي الرابعة اتخيله غازيا ، وطأ فقري . وفي كل مرة ، اراه بهيئة جديدة ، حينما هطلت امطار الحكاية ، السابعة نهض عن جسدي 56 .”
إنّ هذه المواطآت ، التي قام بها هذا الرجل مع هذه الفتاة ، ما تذكرني برواية عرس الزين ، للروائي السوداني الطيب صالح ، الذي نال عليها جائزة نجيب محفوظ ، والتي ترمز الى اذلال بريطانيا لبلده السودان ، التي استعمرت بلاده لسنين طويلة ، والانتقام منها حين مارس الجنس مع امراة بريطانية.. فماذا ترمز رواية وجع مالك لحميد الربيعي .؟ . ذهبت التحليلات النقدية الى الصنم صدام حسين ، وسقوطه في ساحة الفردوس، في العام 2003 ..
في هذا السرد الروائي الباذخ ، لم اقرأ وصفا جنسيا فنيا ، في كل قراءاتي، بما فيها الكتب الجنسية البحت ، انه ، سرد جمالي، لهذا النوع من الجنس ، يتوزع بين اللذة البحت ، وبين الحركات الجنسية الوحشية التي يضفى عليها السارد غطاء جماليا ماتعا ، ودون سابق انذار بين ممرضة ، وطبيب باشر في العيادة التي تعمل فيها الفتاة التي تعرفت على الطبيب بعد يوم واحد من تعيينه اول مرة طبيبا في المجمع الصحي الذي تعمل فيه فيه الممرضة .

فهذا جنس ، بين وصفه الغريزي العادي ، ووصف الجنس الفني او الجمالي ، ثم يختلطان ليكوّنان جنسا آخر ، جنسا باذخا، لا مباشرا ، ولا فنيا ، انه جنس سماوي إنْ صح التعبير. ويعد جنسا عاديا ابتداء من قيادة الفتاة الى مكان في الفلاة التي لا طير فيها ولا نأمة دون ممانعة من الفتاة الممرضة ووصفه جماليا . اذ يبدو أن السارد حميد الربيعي موهوب ، اذا لم نقل مهوس، في وصفه لهذا النمط من الجنس . ويبدو ، انه يمتلك ثقافة جنسية ، ربما لكثرة قراءته لهذا النوع من الكتب ..ويكاد يكون موهوبا في وصف امرأة يفوق أيّ سرد ابداعي آخر..
اذن ، لم يكن السرد هذا ، سردا تقليديا ، كما هو سائد في الساحة الادبية الان ؛ بل كان سردا يستفز المتلقي بقوة ، فيتوقف هذا المتلقي متأملا ، وما يعود لاتمام السرد حتى يتفاجأ بسرود غرائبية تتجاوز التي تعودنا على تلقيها ، احيانا ياتي السرد غامضا ، يحتاج الى مقدمات لمعرفة مقاصده . فهو يرسم ويؤطر لوحات ذات ابعاد عميقة في اظهار غور مكامنها ، ويضفى عليها لمسات جمالية ، اخاذة لأحلام هي الاخرى ؛ تغور عميقا في معناها ، لتأطير لوحة اطرها فنان تشكيلي بارع في توزيع الوانها وتشكيلاتها..واحيانا اخرى ، يؤطر لنا لوحات نغرق في متاهات الوانها وغورها ، واحيانا يرسم لنا مشهدا زيتيا تاخذنا الوانه الى متعة جمالية متناهية الوصف ..
يا إلهي ! أيتها إمرأة هذه ! وأيّ رجل هذا ! وأيّ سارد ابداعي هذا ، اقام الدنيا ، ولم يقعدها ! يفوق التخيل ، ليؤطر لوحة زيتية تقارب لوحات بيكاسو ؛ فيها عمق فني يتعالى عن الواقعية التقليدية ليسمو بنا الى رحاب سماوية قل نديرها.. إنه يتناول فيها حتى جزيئات الاشياء والالوان المنمنمة ..
ليس هذا حسب ، بل ، إن الفتاة التي تصف الجنس والرجل الذي واطأها .. لم تكتف بالمضاجعة الاولى ؛ اذ مازالت عطشى للمواطأة : الثانية او الثالثة الخ .” كان فاتحا ، يدك قلاعي ، والثانية جاء فارسا ،، يمتطي حصانا ، والثالثة ، عاشقا يتذوق عشق دغلي ، وفي الرابعة اتخيله غازيا وطأ فقري ، وفي كل مرة ، اراه بهيئة جديدة .. حينما هطلت امطارالحكاية السابقة نهض عن جسدي .. ص56 .
وقبل مسك ختام خطابنا هذا ، وحين يتوهج الجنس لدى الفتاة ، حيث تعبّر عن وهج تذوقها للجنس هذا الذي مارسه الطبيب معها في تيه الصحراء حيث تقول :
” أه .. أه.. أه .. يا أماه ، وحين تتوه الفتاة في شبق نادر :
” انّ ما يفعله لي لم اره في حلم او أمنية ، انه يقودني نحو مجهول ، نحن متاهات ، نحو عالم آخر صنعه الخيال ، لم يعد اسمه شبقا ، أنه الالتصاق الاولي البوهيمي بين انثى وذكر ، تفصدا علقا والتصاقا في مدّ كوني ، خال من ايما ايماءة ..”
إذن ، هذه قصة تنتمي الى جنس الادب الغرائبي اسلوبا وتقنية وثيمة، تناولها قلم رشيق اضفى عليها جمالية انسيابية نادرة وبأحاسيس سارد موزون ، يحاول ضبط مشاعره ازاء حدث جلل لفتاة شبقة ..