يتحدث ساراماغو في روايته التي نالت جائزة نوبل للاداب عن وباء يصيب السكان يعميهم فجأة ويخوض اول العميان وطبيبه ومجموعة من مرضاه و زوجة الطبيب الوحيدة التي لا تصاب بهذا الوباء مغامرات في اماكن الحجر الصحي و نزاعات يسلط فيها الكاتب ضوءا ساطعاً على الرغبة في التسلط و التحكم و ولادة الانظمة المستبدة و الاستضعاف و كذلك ينجح في تصوير مشهد الانتفاض ضد الظلم و ضعف المجتمعات تجاه الظلم وانخراطها في انانايتها التي تجعلها ضعيفة امام المتسلطين.
ثم يرسم ساراماغو مشهداً سينمائياً مؤثراً عن حالة الفوضى التي تصيب المدينة بعد اصابة كل سكانها بالعمى و كيف يصبح العيش صعباً في خضم تلك الفوضى التي يصورها بعيون الناجية الوحيدة من الوباء وهي زوجة الطبيب التي يصور من خلالها المشاهد التي تراها ويصور كيف تتبلور جماعات من العميان يتوكأون على مجموعاتهم ليتمكنوا من العيش والعثور على اماكن تأويهم وابتكار اساليب لمعايشة العمى كما يصور اولئك الذين يعيشون على الحكاوى الفارغة و لا هم لهم سوى التبشير بالقيامة ونهاية البشرية والجحيم والهلاك و الخ .
من المؤكد ان ساراماغو كان مبدعاً ليس في تشكيل منحوتته الروائية بل في ابتكار الموضوع والخيال الثري الذي صور من خلاله البشرية دون عيون و لعله اراد من وراء ذلك ان يقول ايضاً اننا مع اننا نمتلك عيون ونستطيع ان نرى الا ان هناك عالماً ربما خفي عنا نحتاج الى حاسة خاصة لادراكه و لربما نحتاج الى تطور خاص في عقولنا لكي ندركه.
لقد تغير العالم من حول العميان لمجرد انهم فقدوا نظرهم فأصبحوا يرونه من خلال ذاكرتهم ويتخيلونه عبر خيالاتهم
و السؤال هو ماذا لو كان في هذا العالم الوسيع جوانب خفية عنا ؟
ماذا لو كنا عميان ولا نرى سوى تخيلات؟
ماذا لو كان ما ندركه لا يساوي شيئاً امام ما خفي عنا؟
هل هذه الاسئلة مشروعة و لها ما يبررها ؟
ادرك تماماً ان تلك الاسئلة بحاجة لاجابات و ان ساراماغو فتح كوة بأتجاه ما و لربما من الصحيح القول ان عالمنا حقاً عالم العميان.