وسط حضور كبير للنخب الأدبية والثقافية والإعلامية ، جرى مساء الثلاثاء التاسع والعشرين من كانون الثاني 2019 ، الإحتفاء بالروائي والأديب والإعلامي الكبير الأستاذ أمجد توفيق وتكريمه بدرع الإبداع ، بمبادرة من اللجنة الإعلامية في نادي العلوية ، وتحت إشراف رابطة التطوير الإعلامي التي تبنت إنعقاد هذه الإحتفالية في قاعة الديوان، تحت عنوان : ” الساخر العظيم..رؤية إعلامية” ، تثمينا منها ومن تلك النخب المثقفة للدور الريادي للروائي الكبير الأستاذ أمجد توفيق عن روايته (الساخر العظيم).
ورواية (الساخر العظيم) للروائي الأستاذ أمجد توفيق صدرت العام الماضي بـ (٦٦٢) صفحة ، عن إحدى دور النشر العربية من عمان ، وقد نالت ثناء وإعجاب كل الأوسط الثقافية والأدبية والإعلامية ، وعدتها (إنتقالة نوعية بارزة) في عالم الرواية وتقنياتها ، لما إحتوته من مضامين وقيم جمالية ووطنية وإنسانية، وكتب عنها النقاد والإعلاميون الكثير من الدراسات التي أشادت بمضامين الرواية ومنهجها الإبداعي والجمالي والقيمي الكبير.
وقد عبرت تلك النخب الثقافية والإعلامية ، خلال الإحتفالية ، وجلهم من كبار النقاد والمهتمين بشؤون الرواية والأدب والثقافة بمختلف مسمياتهم وعناوينهم ، عن فخرها وفرحها بولادة هذا المنجز الأدبي والروائي الكبير، في حجمه ومضامينه، وعدته بأنه يبشر بولادة عصر إنطلاقة واعدة للثقافة العراقية، برغم كل ما تعرضت له من السلطة من تدمير وإبعاد لدور المثقفين ، بل وتحطيم ركائز الثقافة والإبداع ، من وجهة نظر مثقفين وفنانين ونقاد وكتاب رفيعي المستوى ،حتى أصابت الوعي العراقي وعقله الإبداعي بأضرار بالغة ، وعرضته لمخاطر كثيرة، أبرزها فقدان الهوية الوطنية والانسانية وسيادة أجواء التسلط ، بل وعدت السلطة النخب الثقافية على أنها (خصم) ينبغي توجيه السهام الى قلبه النابض بالحياة كي تتوقف عجلة الإبداع ، ولكي لايشارك المثقفون في صنع مستقبل بلدهم ، وليبقى الساسة هم من يسيطرون على جموع الجهلة والأميين ،بهدف إشاعة أنماط التخلف والانحاط الفكري والقيمي ، ولينزوي المثفقون وكل المبدعين جانبا ، ويبقى الساسة هم المتربعون ومن يمسكون بمقود السيطرة على عقول البشر والعمل على ترويضهم وإستباحة كرامتهم.
وخلال إفتتاحه لإحتفالية التكريم ، ألقى رئيس رابطة التطوير الإعلامي في العراق الأستاذ عماد آل جلال كلمة أشاد فيها بمناقب ومنجزات الروائي والإعلامي الأستاذ أمجد توفيق، مشيرا الى أن الواجب الإعلامي والوطني يقتضي أن يتم إطلاع الرأي العام العراقي والنخب المثقفة على إنجازات وابداعات الرجل، وأن يتم تسليط الضوء على هذا المنجز الثقافي الكبير المتمثل برواية (الساخر العظيم) ، مشيرا الى أن الأستاذ أمجد توفيق يعد عنوانا مميزا في عالم الثقافة والإبداع ، وهو يستحق أن يتم تحويل هذا العمل الإبداعي الى عمل فني سينمائي كبير ، ليدخل الذاكرة العراقية على شاكلة الأعمال الإبداعية لكبار الروائيين الذين تحولت روايتهم الى أفلام سينمائية ، وحصدت أرفع الجوائز.
وقدم الكاتب والإعلامي حسن عبد الحميد الروائي الأستاذ أمجد توفيق ، بعد أن أثنى على روايته (الساخر العظيم) وعدها من أروع الأعمال الروائية الابداعية ، التي هزت مشاعره وحركت كل عوامل الإبهار ، حتى أنه عد كل سطر في الرواية على أنه (قنبلة) بحد ذاتها، ومن الواجب كما يقول الكاتب حسن عبد الحميد ، أن يطلع عليها كل مثقف وإعلامي ومن هو معني بشؤون الثقافة والادب، كونها عملا أدبيا جماليا وانسانيا، ربما يفوق في إبداعه روائيين عالميين كبار، وهو يستحق بهذا المنجز الإبداعي أن ينال ثناء العراقيين جميعا وتقديرهم له ، لما شكلته الرواية من إستعراض لأخطر مرحلة مهمة من تاريخ العراق، وهي فترة احتلال داعش لنينوى، وما مارسته عصابات داعش من عمليات إنتهاك للعراقيات وبخاصة لنساء يزيديات ، وما فرضته تلك العصابات من أعمال إجرامية بحق أبناء الموصل ، والرواية من وجهة نظره، تكاد تكون أفضل عمل أدبي يؤرخ لتلك المرحلة، ويرسم معالمها واشكال ما تعرضت له من انتهاكات وحالات إستباحة لكرامة مدينة ، لها أرث تاريخي عريق ضارب في التاريخ العراقي ، وشكلت مقاومة أهلها لتلك العصابات أبرز حالات الفخر ببطولات شعب نينوى وهو يقارع الظلم الفادح بكل أشكاله، ولن يقبل أهالي نينوى أن يتم توجيه أي إتهام لهم لما تعرضوا لها ، وهم من إستحقوا أن يكونوا عنوان الفخر العراقي في البطولة والفداء، في مواجهة أشرس عدو بربري همجي لم يعرف له التاريخ المعاصر مثيلا.
ثم تحدث الروائي والكاتب الكبير الأستاذ أمجد توفيق عن فكرة الرواية ومضامينها ودلالاتها الرمزية والتعبيرية والجمالية ، مشيرا الى أن أي كتاب أو رواية يمكن أن تتعرض لحالة الموت اذا لم تنل حظها من القراءة ، والقاريء هو من يضفي عليها الحياة ، مشيرا الى إنه ليس بإمكان مئات الشاحنات من الكتب أن تنتج حركة ثقافية ، وقد يثير كتاب واحد الجدل بشأنه ، ويحرك أشياء جديدة في الواقع الثقافي الادبي، لافتا الى أن أصحاب القصور ومن الاغنياء هم من حفظوا للوحات الفنية الكبرى قيمتها ، ولو لم يشتروها ويعلقوها في قصورهم لضاعت ولما إهتم بها أحد ، حيث يتباهى أصحاب تلك القصور الفخمة بأنهم قد علقوا تلك اللوحات والأعمال الفنية في قصورهم، وانعكست بالنتيجة على تلك اللوحات ، بأن حفظت لها قيمتها الفنية ، ونالت الثناء والتقدير العاليين في وقت لاحق ، ممن وجدوا فيها أنها لوحات ثمينة بقيمتها الجمالية ، لاتقدر بثمن.
وأوضح الروائي الأستاذ أمجد توفيق أن أغلب الأعمال الروائية اذا لم تعنى بالقيمة الجمالية وبخاصة للمرأة ، ليس لها قيمة ، وبخاصة بعد أن طغت (الذكورية) على أغلب الاعمال الأدبية ، ولهذا ينبغي الاهتمام بالجانب الجمالي لإظهار قيمة المرأة والانتصار لدورها في المجتمع، وكذلك للجمال ولقيمه التي شكل عالما سحريا يرمز الى الروح الانسانية في أبهى صورها.
وبشأن موقفه من موضوع (المتعة) في الرواية قال الأستاذ أمجد توفيق أن (المتعة) في الرواية لاتعني المعنى الظاهري ، بل أن (المتعة) هي في كيفية تحويل مضامين أي عمل أدبي الى قيم جمالية وإجتماعية ترافق مسيرة حياتنا، مشيرا الى أن ما يتم تخصيصه في موازنة وزارة الثقافة للجانب الثقافي هي إهانة للثقافة ، كون أغلب تخصيصات تلك الموازنة (تشغيلية) ، ولا تحصل الثقافة منها الا على النزر اليسير، الذي ليس بمقدوره ان يقدم لها قيمة ولو في حدها الأدنى.
من جانبها عبرت الفنانة القديرة الدكتورة عواطف نعيم مدير عام دائرة السينما والمسرح عن خالص تقديرها لمبادرة تكريم الروائي الأستاذ أمجد توفيق لإعماله الروائية المبدعة ، مشيدة بمسيرة الرجل ، وما قدمه للبلد من منجزات ، وبخاصة روايته الأخيرة (الساخر العظيم) ، وعدتها مبادرة تستحق التقدير والثناء، مشيرة الى إنها تشعر بالغبطة والفرح الكبير لأن تلك النخب وهذا الحضور الكبير هو عامل إيجابي يفرح القلب، كونه يناقش مشكلات الثقافة وما تعرضت له من تدمير ممنهج ، وبخاصة من السلطة ، التي تشعر أنها في واد والمثقفين في واد آخر، وقد صمت آذانها عنهم ولم تعد تهتم بهم ، ولولا جهود فردية قام بها مبدعون كما تقول ، لتعرضت الثقافة الى الإضمحلال والاندثار، معبرة في الوقت نفسه ، عن استهجانها لموقف قيادات تعد كبيرة في مستوى المسؤولية ، واذا بها هي من تناصب المثقفين العداء ، وقد مارست ضدهم حالات إفساد للثقافة والقيم ، حتى وصلت أحوال الثقافة والفنون في العراق الى الحضيض.
ومن جانبه تحدث الكاتب المخضرم والإعلامي القدير عكاب سالم الطاهر عن علاقته بالروائي والكاتب والاعلامي الأستاذ أمجد توفيق ، مشيدا بمناقب الرجل ، لافتا الى انه برغم كل ما مرت به الثقافة العراقية من تحديات عرقلة مسيرتها فأن الكتاب الآن بخير، وما نشهده من إقبال على الكتب بمختلف مضامينها في شارع المتنبي وفي مكتبات عراقية كثيرة يدل على أن الثقافة ما زالت بخير.
أما الناقد الكبير مؤيد البصام فقد أشار الى أنه كان مشاركا في تلك الرواية ، منذ إن كانت مخطوطة ، وأن الاستاذ أمجد توفيق كان يطلعه على مسوداتها الأولية ، ويضيف عليها من ملاحظاته، عادا رواية (الساخر العظيم) أهم منجز ثقافي وأدبي ، مشيرا الى أن الرواية تعد من الطراز الأول ، ومشيدا بقدرة الروائي الهائلة في السرد ، لافتا الى أن الرواية تنقسم الى روايتين وليس رواية واحدة ، وأن ما كتب عنها حتى الآن الكثير، وتناولتها ( 16) دراسة نقدية واعلامية بالعرض والنقد والإشادة بها من نقاد واعلاميين كبار.
أما الشاعر عبد الزهرة الديراوي فقد أشاد هو الآخر بالروائي والقاص والاعلامي المبدع الأستاذ أمجد توفيق، مشيرا الى مضامين الرواية ومستعرضها شخوصها وابطالها بإختصار، لافتا الى أن رواية (الساخر العظيم) قد خرجت من دائرة الكاتب وهي تعد رؤية سيمائية بصرية ، وهي رواية تخاطب (الذاكرة الجمعية) في ( مشهد شموخ) ، واكتست بـ (لغة شاعرية) ، وقد تشظت فيها الشخوص ، برغم أنها مثلت كل الشرائح الاجتماعية الخيرة والمنحطة ، ومثلت ذروة الرومانسية في أغلب فصولها ، وقد اهتمت بإظهار قيم الجمال والإنتصار للانسان وكيف يواجه التحديات، ولهذا تعد الرواية من وجهة نظره عملا إنسانيا خلاقا ، وقد سمت بالفكر الانساني ورفعت من شأنه درجات الى الأعالي، برغم تحديات واختلالات الزمن المنحط.
من جانبه إستعرض الناقد عزيز عذاب الأعمال الروائية العالمية ، وما قدمته من قيم إنسانية وجمالية نالت حظوة كبير لدى الجمهور، مشيرا الى رواية (الساخر العظيم) مثلت صناعة في صياغة الحوار ، داعيا الى أن من يمارس مهمة النقد أن يطلع على العمل الروائي قبل إبداء وجهات نظره ، لا أن يتحول الناقد الى تقديم مآثر نفسه ، وينسى أن مهمته كانت تقييم للعمل الأدبي او الفني المطلوب تقييمه.
واشار الروائي الأستاذ أمجد توفيق في ختام كلمته عن روايته (الساخر العظيم) الى أن (المتعة) التي تقدمها الرواية لاتعني رديفا للتسلية ، بل هي التي تثير الحافز لخوض تجربة ، وهي ليست عملية سرد وفك عقد ، وانما عليها ان تحمل من الفكر الانساني والقيم الجمالية ما يرفع من شأنها ، وان السجال حولها هو من يحرك العمل الروائي ويمنحه الحياة .
وبشأن موقف الإعلام والسلطة من الثقافة قال الاستاذ أمجد توفيق إنه ليس هناك إعلام في العراق عدا لغة الإخبار ، ومهمة الاعلام أن تكوين الرأي المستقل ، لا أن يتحول الى (دعاية) لهذه الجهة او تلك ، والإعلام شيء آخر تماما.
وأشار الروائي الأستاذ أمجد توفيق الى أن القطاع الخاص في الخارج الذي يهتم بالنتاج الثقافي له معاييره ومستلزماته وهو يدعم الانتاج الثقافي والفني، كونه يمتلك ركائز ومقومات ولديه إمكانات ، وليس بمقدور القطاع العراقي الخاص أن يقوم بمهمة توسيع مديات الثقافة في ظل إمكانته شبه المعدومة ، ومن حق الإعلامي والأديب ان يبحث عن فرصة عمل كون لديه عائلة ومتطلبات صرف وإنفاق ، والكتاب لن يكون مادة عيش للكاتب يعتمد عليها، لكن الكتابة لايمكن أن تتوقف والابداع لن يتوقف ، حتى وان لم تتوفر معالم الحياة للمثقف في أبسط اشكالها، لافتا الى ان كل النقابات ومنظمات المجتمع المدني والتي تعلن اهتمامها بشؤون الثقافة والاعلام هي مجرد (واجهات) لجهات اخرى ، وأن علاقة المثقف بالسياسي تبقى علاقة متشككة ومرتبكة ، فالسياسي له برنامجه وأهدافه، لكن المثقف ليس مجبرا على الرضوخ لما يريده السياسي منه ، وطموح المثقف هو الحياة ، ونظرته أكثر عمقا وشمولية أزاء المجتمع والانسان وكيف يرتقي بهما الى الحالة الافضل.
وفي ختام الحفل قلد الدكتور فارس أحمد الدوري رئيس الهيئة الادارية لنادي العلوية الروائي الأستاذ أمجد توفيق درع الإبداع ، تقديرا منه لدوره الريادي في صناعة الإبداع ، وفي الارتقاء بالثقافة العراقية الى أرفع مدياتها، مشيدا برواية (الساخر العظيم)، وما حملته من قيم إنسانية ستظل تذكرها الأجيال لأزمان طويلة.