اتخذ الدكتور حيدر العبادي عدة قرارات من خلال مجلس الوزراء واغلبها بتأييد من مجلس النواب بهدف إصلاح الجهاز الإداري الحكومي وتقليل النفقات ومنها تقليص عدد الوزارات والمناصب وخفض عدد الحمايات وشمول بعض فقرات الإنفاق بالتقشف ورفع شعارات شد الأحزمة على البطون ، وسواء طبقت قراراته بشكل كامل أو في ظل إمكانياته على التطبيق لان القرارات يجب أن تكون توافقية ولا تهمل الشراكة مع الآخرين ، إلا إن واقع الحال يشير بان العجز في الموازنات الاتحادية يزداد بسبب انخفاض إيرادات النفط مما اضطره لولوج الاقتراض الداخلي من خلال حوالات الخزينة واحتياطي البنك المركزي والاستعانة بالمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لإقراض العراق وإرسال الخبراء لإعطاء الاستشارة في مجال الاصلاحات الاقتصادية ، وفي الوقت الذي لم تظهر فيه نتائج هذه الاصلاحات في مجال تفعيل القطاعات الاقتصادية المنتجة في القطاعات المختلفة ( الحكومي ، المختلط ، الخاص ) فان مجمل الإنفاقات الحكومية تأخذ بالازدياد اضطرارا لسد متطلبات المعارك لمواجهة وطرد التنظيم الإرهابي ، ورغم إن الحكومة أصدرت تعديلا على سلم رواتب الموظفين الصادر بموجب القانون 22 لسنة 2008 ، وبشكل أدى إلى تقليل الرواتب والمخصصات لفئات عديدة من الموظفين إلا إن تكلفة رواتب الموظفين والمتقاعدين لا تزال مرتفعة عند المقارنة بمجموع الإيرادات ، ولغرض توفير بعض المبالغ لتغطية فقرات في الصرف فقد تم استخدام أسلوب الاستقطاعات من الرواتب وبشكل مباشر وغير مباشر مما جعل الاستقطاعات تشكل عبئا كبيرا على الموظفين ومن أبرزها :
. استقطاع 10% من الرواتب توقيفات تقاعدية
. تقليل نسبة الإعفاء الضريبي وزيادة نسبة ضريبة الدخل لزيادة حجم الاستقطاعات
. استقطاع 8،4% من مجموع الاستحقاق الشهري لرواتب الموظفين والمتقاعدين للحشد الشعبي
. استفظاع مبالغ لصالح الحماية الاجتماعية
. فرض ضريبة مبيعات بمقدار 20% على كارتات الموبايل والانترنيت
. فرض فوائد بنسبة 8% على القروض التي تقدمها المصارف الحكومية
. زيادة تسعيرة الكهرباء بنسب تصاعدية رغم إن الطاقة لا تجهز على مدار اليوم
. زيادة الرسوم والكمارك على السلع المستوردة بما ينعكس على أسعار السلع والخدمات
. انخفاض أسعار صرف الدينار مقابل الدولار مما يؤدي إلى المبالغة في زيادة الأسعار
. فرض رسوم على جميع تذاكر السفر
. فرض رسوم على الخدمات الصحية وزيادة الرسوم للمعاملات في الدوائر والوزارات
. إعطاء الصلاحيات لمنح الموظفين إجازة بكامل الراتب الاسمي لمدة 5 سنوات
وفي ضوء الاستقطاعات المتزايدة فان الموظفين والمتقاعدين يشعرون بتخوف حقيقي من عدم قدرتهم على تأمين متطلبات الحد الأدنى من المعيشة فالرواتب تنخفض والأعباء تزداد ، والأبناء الذين يصرفون عليهم مبالغ طائلة في ظل الاضطرار في الاعتماد على التدريس الخصوصي وشراء الكتب والملازم والقرطاسية وأجور النقل ومصاريف الدراسة في الجامعات الحكومية والكليات الأهلية ، ليست لهم أية ضمانات أو أمل لإيجاد فرص العمل لهم بعد التخرج عدا بعض التخصصات كما إن التشريعات لا تحمي شرائح الموظفين لأنها تحمل صفة الإذعان ولا توجد فيها خيارات فالاستقطاعات تطبق برضا أو عدم رضا الموظفين ، والأكثر من ذلك إن بعض القرارات تحمل آثارا سابقة كفرض استقطاعات على المتقاعدين أو إعادة احتساب رواتبهم التقاعدية عند تعديل القوانين الصادرة ، وهناك من يقول إن الدولة تستهدف الموظفين في قراراتها الاقتصادية بل إنها تستهدفهم كمصدر للإيراد وكأنهم آبار للنفط ، فكل قرار ينطوي على أعباء مالية تنعكس تداعياتها على الموظفين والمتقاعدين ، فالحقيقة القائمة إن رواتبهم هي مصدر المعيشة لأغلبية السكان بسبب تعطل الكثير من القطاعات المنتجة فالكثير من الأعمال غير الحكومية الموجودة هي ذات طبيعة خدمية أو حرفية تعيش على إنفاقات الموظفين بعد أن تم تخفيض الإنفاق الحكومي في ظل انخفاض الصادرات غير النفطية لأقل من 2% من مجموع الصادرات ، وان من الانعكاسات السلبية لزيادة الاستقطاعات وانخفاض القدرات الشرائية للموظفين لا تنحصر في الجانب المعيشي فحسب ، وإنما في آثار ذلك على استشراء الفساد الإداري وضعف الولاء الوظيفي وانخفاض دوافع المبادرة والإبداع ، وهناك من يعتقد إن الفساد ينخفض بانخفاض تخصيصات الأجهزة الحكومية ، وهو اعتقاد غير دقيق لان الشعور بالظلم وعدم عدالة الرواتب يدعوا بعض ضعاف النفوس لإغراء الموظفين على الفساد بأنواعه المختلفة وبذلك ينتقل الفساد كظاهرة من الحيتان إلى صغار الموظفين وبشكل ينشأ منظومات للفساد يكون من الصعب معالجتها فيما بعد ، كما إن لهذا الموضوع علاقة بالأمن المجتمعي لان شعور الأبناء بعدم قدرة أولياء أمورهم على توفير متطلبات الأسرة يدعوهم للإسهام في المشاركة لسد القصور ، وفي ظل قلة فرص العمل قد يلجآ البعض لاستخدام الطرق غير المشروعة بتبرير السبب ، ولا نعرف إلى من نوجه الدعوة لترشيد القرارات بهذا الخصوص في ظل الوضع الحالي المعروف للجميع في العلاقة بين السلطة التنفيذية التي تقترح التشريعات والسلطة التشريعية التي تصادق على القوانين وصلاحيات رئيس الجمهورية في المصادقة غلى التشريعات ، فهناك تشريعات تنشر في الجريدة الرسمية ويتم الطعن بها لاحقا لدى المحكمة الاتحادية لان السلطة التنفيذية تجدها خارج المقترح ، لان كل منهما ينظر للقانون من وجهة نظره في ظل غياب من يوصل الفكرة بعد إلغاء منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الذي كان يمثل الحكومة في البرلمان ، كما إن المثل الشعبي ( الشبعان ما يدري بالجوعان ) قد يصح لمثل هذه الحالة بالذات .