القسم السادس
الجمهورية الثانية والثالثة
جمهورية الأخوين
لم تكن بداية الجمهورية الثانية أقل دموية من الأولى ، إن لم تكن أكثر وأوسع مساحة وشمولية ، ويبدو أنها من نتائج تداعيات التعامل السلبي للتوجهات السياسية والحزبية التي إتبعها أنصار نظام الحكم القاسمي ، مما أدى إلى إستخدام أساليب ووسائل اللارحمة المتقابلة في حسم الخلاف بين المتخاصمين على سدة الحكم ، ذلك الإرث العفن واللعين الذي زاد من حدة البون الشاسع بينهما ، فتراكمت صور الإنتقام فيما بينهما إلى حد عدم التسامح والنسيان ، فكل ما شرع في العهد القاسمي ألغي وحل خلافه بالبديل أو بالتعديل ، فصدر المرسوم (27) في 20/2/1963 بسند قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم رقم (7) لسنة 1958 ؟!، بإلغاء المحكمة العسكرية العليا الخاصة ( والتي سميت باسم محكمة الشعب ) أو (محكمة المهداوي) . لتشكل محكمة عسكرية تسمى ( محكمة الثورة ) لمحاكمة المتآمرين على أمن وسلامة الجمهورية ، بالمرسومين الجمهوريين (373 و 397) في 25و28/5/1963. مع سبق تعديل قانون معاقبة المتآمرين المذكور آنفا إعتبارا من 9/4/1963 بالقانون رقم (21) لسنة 1963. وكأني بأركان نظام الحكم العارفي في الجمهوية الثانية يقولون لأنصار الحكم القاسمي في الجمهورية الأولى : سنسقيكم من نفس الكأس مرارة وألما وبطعم مختلف ، فكان إصدار التشريعات مستندا الى البيان رقم (…) الصادر عن المجلس الوطني لقيادة الثورة وبناء على ما عرضه ( وزير … ) ووافق عليه مجلس الوزراء وأقره المجلس الوطني . ذلك لأن قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (25) لسنة 1963 ، قد تضمن بأن المجلس هو الجهاز الثوري القيادي الذي قاد جماهير الشعب والقوات المسلحة الوطنية في الرابع عشر من رمضان الموافق 8 شباط 1963- وأسقط نظام حكم عبد الكريم قاسم ، وأقام بإسم الشعب ولمصلحته ، السلطة الثورية القائمة في العراق ، وهو يتكون من أعضاء لا يزيد عددهم على عشرين عضوا ، ويتولى مهام وواجبات السلطة التشريعية في وضع القوانين والأنظمة وتعديلها وإلغائها . والقيادة العامة للقوات المسلحة والشرطة والحرس القومي ، وتأليف الوزارة وقبول إستقالتها وإقالتها . والمصادقة على قرارات مجلس الوزراء . وله أن يقرر نقل وفصل الموظفين من مدنيين وعسكريين وإحالتهم إلى التقاعد . ولا ينفذ حكم الإعدام إلا بعد تصديق المجلس عليه ، وله حق تبديله وكذلك تخفيف العقوبة ورفعها بعفو خاص ، وللمجلس بوجه عام الاشراف على شؤون الجمهورية العراقية بما يحقق حماية الثورة ، والوصول إلى أهدافها وتيسير السبل أمام مسيرتها حتى تستكمل كل غاياتها خلال فترة الإنتقال . حيث تم تشكيل منظمات شعبية مسلحة تدعى قوات الحرس القومي ، وتكون لها قيادة مستقلة مرتبطة برئاسة أركان الجيش أو بأية جهة يقررها المجلس الوطني لقيادة الثورة . حسبما نص عليه قانون الحرس القومي رقم (35) لسنة 1963 . كما ألغى قانون تطهير الجهاز الحكومي رقم (2) لسنة 1958 وتعديلاته ، وحل محله قانون تطهير الجهاز الحكومي رقم 48 لسنة 1963 ، بما يتناسب وتوجهات مجلس الوزراء في تقرير مصير أي موظف في ضوء تقديره لحجم الضرر بالمصلحة العامة . كما تم تعديل قانون معاقبة المتآمرين رقم (7) لسنة 1958 للمرة الثانية بموجب القانون رقم (4) لسنة 1964 ، ليتماشى وتنفيذ سياسة الحكم الجديد .
*- أما فيما يتعلق برواتب المسؤولين ، فليس هنالك ما يستدل به على رواتب الوزراء ، ولا يوجد مجلس للنواب منذ عهد الجمهورية الأولى ، وعليه تضمن القرار رقم (2) لسنة 1963 ، منح العقيد الركن عبد السلام محمد عارف رتبة مشير ركن إعتبارا من 8/2/1963 ، بناء على ما أبداه من خدمة جليلة للبلاد والأمة العربية في ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي أطاحت بالحكم الملكي الفاسد ، وكان هدفها تحرير الشعب من العبودية والإستعمار ؟!، وحيث إن إعفاءه من منصب معاون القائد العام للقوات المسلحة بموجب المرسوم الجمهوري المرقم (274) في 11/9/ 1958 كان إجراء غير قانوني ، الأمر الذي أدى إلى عدم تمتعه بحقوقه القانونية من قدم وترفيع . ونظرا لما قام به من عمل باهر في ثورة الرابع عشر من رمضان سنة 1382هـ الموافق للثامن من شباط عام 1963 ، الذي أدى إلى القضاء على الحكم الدكتاتوري الشعوبي وإعادة الحق إلى نصابه ، ولشموله بأحكام القرار الإستثنائي المرقم (1) والمؤرخ في 12 شباط 1963 ، فقد قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة ( إلغاء المرسوم الجمهوري المرقم (274) في 11/9/1958 الخاص بإعفاء العقيد الركن عبد السلام محمد عارف من منصب معاون القائد العام للقوات المسلحة في حينه . ومنحه رتبة مشير ركن إعتبارا من 8/2/1963 . مع إعتبار الفترة الواقعة بين 11/9/1958 و 8/2/1963 خدمة لغرض أحكام قانون خدمة الضباط رقم (89) لسنة 1958 وقانون التقاعد العسكري . وتلك من أنواع الخدمة الجهادية مثار التذمر في الوقت الحاضر ، ليقفز راتبه من (95) دينارا إلى (210) دنانير شهريا ، يضاف إليه علاوة بمقدار (5) خمسة دنانير ، و (40) دينار شهريا عن شغله لمنصب القائد العام للقوات المسلحة ، و(36) دينارشهريا مخصصات غلاء معيشة ، فيكون مجموع ما يتقاضاه المشير الركن (291) دينارا إعتبارا من 8/2/1963 ، ولكن الجشع والطمع وإستغلال المنصب لتحقيق المصلحة الشخصية ، سخر القرار رقم (11) لسنة 1963 بتخصيص راتب ومخصصات لرئيس الجمهورية ، بعد أن ناقش المجلس الوطني لقيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتأريخ 20/2/1963 ، مقدار الرواتب والمخصصات التي تصرف إلى رئيس الجمهورية ، وبعد أخذ معدل رواتب رؤساء الجمهورية للدول الشقيقة ، تقرر تخصيص راتب شهري لرئيس الجمهورية مقداره (700) سبعمائة دينار ، مع تخصيص مبلغ قدره (100) مائة دينار شهريا كمخصصات سكن ، والبالغ مجموعه (800) ثمنمائة دينار إعتبارا من 8/2/1963 ؟!.