القسم الخامس
الجمهورية الأولى
لم يكن يوم 14 تموز 1958 مبشرا بخير قادم ، إذ كان دمويا بإمتياز . ونموذجا في تقليد بائس طائش وهمجي ، إستمر ولن ينتهي ، بعد قتل العائلة الهاشمية الحاكمة بدون ذنب يستحق كل ذلك الإجرام والوحشية في التعامل اللا إنساني ، وظن الإنقلابيون أنهم سوف لا يهلكون بنفس الطريقة ، فسارعوا إلى حفر قبورهم بأيديهم ، فوضعوا دستورا مؤقتا لأنفسهم في 28/7/958 ، يقضي بأن ( يتولى رئاسة الجمهورية مجلس السيادة ويتألف من رئيس وعضوين . ويتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية بتصديق مجلس السيادة . ويتولى مجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه أعمال السلطة التنفيذية ) . ثم بحثوا في كيفية إستخدام الإرهاب إلى حد قتل بعضهم للبعض الآخر ، حتى تآكل صرحهم الذي شيد بجماجم الأبرياء ، فكان أول إصدار لهم قانون تطهير الجهاز القضائي رقم (1) لسنة 1958. ليعقبه تشكيل منظمات عسكرية شعبية تدعى قوات المقاومة الشعبية وترتبط بوزارة الدفاع ، شرعنت وجودها الغريب والشاذ سلطة غير مؤهلة لإصدار التشريعات ذات الصلة بخدمة الشعب ، فكان قانون المقاومة الشعبية رقم (3) لسنة 1958 ، من غير إدراك لعواقب سلوك وتصرفات مشينة وقذرة ، لعناصر أول ميليشيا مسلحة تقبع في حظيرة الدولة العراقية وبرعايتها . ولا ينسى العراقيون مجازر كركوك والموصل تحت شعار ( ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة ) ؟!. ثم إصدار قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم رقم (7) لسنة 1958 ، الذي أعد لصناعة أعداء مفترضين على قواعد الوهم الحزبي والسياسي لأنصار الحرية والسلام ، ومن ضمنه تشكيل محكمة الثورة برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي ( ابن خالة الزعيم ) ، حيث يتم تعيين هيئة المحكمة وممثل الإدعاء العام فيها بمرسوم جمهوري وباقتراح من رئيس الوزراء . للنظر والفصل في الجرائم المنصوص عليها في ذلك القانون ، وفي الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي المنصوص عليها في قانون العقوبات البغدادي ، أو أية جريمة أخرى يقرر رئيس الوزراء أو من يخوله إحالتها إليها ؟!. ولرئيس الجمهورية أو من يخوله إيقاف إجراءات التحقيق أو المحاكمة مؤقتا أو نهائيا في جميع أدوار التحقيق أو المحاكمة أمام محكمة الثورة . حيث وحسب نص المادة الأولى من القانون المذكور ، أن ( يعتبر متآمرا على سلامة الوطن ، كل من كان صاحب سلطة عامة أو كان عضوا في مجلس الأمة أو كان مكلفا بخدمة عامة ، إستغل نفوذه لإرتكاب فعل من الأفعال الآتية أو المشاركة فيها . دفع سياسة البلاد إلى وجهة تخالف المصلحة الوطنية ، بتقريب البلاد من خطر الحرب أو بجعلها ساحة لها . وإستعمال قوى البلاد المسلحة ضد الدول العربية الشقيقة أو التهديد بإستعمالها ، أو تحريض الدول الأجنبية على التعرض لسلامتها أو التآمر على قلب نظام الحكم فيها ، أو التدخل بشؤونها الداخلية ضد مصلحتها ، أو صرف الأموال للتآمر عليها أو إيواء المتآمرين ضدها ، أو التعريض في المجالات الدولية برؤسائها وتناولهم بالسب أو القذف أو الإهانة وذلك بطرق النشر ) . وفي المادة الثانية منه ( يعتبر مفسدا لنظام الحكم كل من كان موظفا عاما ، وزيرا أو غيره ، وكل من كان عضوا في مجلس الأمة أو مجلس أمانة العاصمة أو المجالس البلدية أو الإدارية على إختلاف أنواعها … إلخ من الأمور التي بالإمكان لصقها في صفحة الإتهام والإدانة الشخصية لأي مواطن ، ومنها الإنتماء إلى الأحزاب السياسية وممارسة مهنة الصحافة ؟!. تلك بعض ملامح ما أطل به النظام الجمهوي الأول برأسه على الشعب المسكين ؟!. نتقدم بها على موضوعنا بمناسبة مرور (62) سنة على اليوم المشؤوم .
*- في سنة 1958 كان عبد الكريم قاسم برتبة ( زعيم ) (عميد حاليا) وراتبه (115) دينار شهريا ، وفي سنة 1959 أصبح برتبة لواء وراتبه ( 135) دينارا شهريا ، وفي سنة 1963 أصبح برتبة فريق وراتبه (155) دينار شهريا ، ولربما لم يقبضه لإعدامه في مبنى الإذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية ، على إثر إنقلاب أطاح بحكمه . وحسب قانون خدمة الضباط في الجيش رقم (89) لسنة 1958- الذي بموجبه حدد راتب الضباط في ضوء المخصص لرتبهم العسكرية وكما ثبتنا ذلك آنفا ، تقرر بذات القانون منح علاوة سنوية بمقدار (5) خمس دنانير ومخصصات غلاء معيشة بمقدار (24) دينارا مع راتب منصب مقداره (40) دينارا ، كونه يشغل منصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع وكالة ، فيكون مجموع ما يتقاضاه برتبة لواء هو (204) دينار شهريا . إلا إن المعضلة في سوء الفهم للتشريع القائم على التعديلات الخاضعة لأهواء ورغبات غير المهنيين ، التي تسوقها توجهات حزبية وسياسية مريضة ، تتخذ من التلاعب بالألفاظ والمبهم من الكلام متاهات سبل يروج لها المطبلون والمزمرون في كل زمان ، وخاصة في هذا المجال من أجل الطعن والتشويه بنزاهة أي حاكم مقصود من غير دليل ، أما ما تم تثبيته في كتاب ( ثورة 14 تموز ) من أن راتب عبد الكريم قاسم بوصفه رئيسا للوزراء مع مخصصاته (440) دينارا ، فلعل المؤلف كان على صواب التقدير بالإستناد إلى نص المادة (40) من القانون التي أصبح تسلسلها (42) ، حيث ( يمنح الأمراء والقادة مخصصات وكالة عند قيامهم وكالة بأعباء وظيفة شاغرة ذات مسؤولية أكبر من مسؤولية رتبتهم الأصلية ، وذلك مع مراعاة أن تكون أعمال الوظيفة الشاغرة من نوع يختلف عن نوع الوظيفة الأصلية . وأن تمتد مدة الوكالة إلى ما لا يقل عن ثلاثين يوما متواليا . وتمنح مخصصات الوكالة بنسبة خمس راتب الوظيفة الشاغرة علاوة على رتبة الضابط الوكيل الأصلية ، على أن لا يزيد مجموع راتب الرتبة ومخصصات الوكالة على راتب رتبة الوظيفة الشاغرة ) . إلا أن المشكلة الأزلية في عدم وجود تشريع يحدد راتب رئيس الوزراء أو القائد العام للقوات المسلحة أو الوزير ، أو وجوده دون نشره في الجريدة الرسمية ، لتبقى العقبة كأداء وعصية أمام كل باحث مهني يبحث عن الحقيقة ليعلنعها بسند المعرفة والإطلاع . ولربما وقع المؤلف في خطأ الإستناد غير المقصود ، لأن إضافة الفقرة (د) إلى المادة السايعة من القانون ، وبالنص على أن ( إذا كان القائد العام للقوات المسلحة أو رئيس الجمهورية حاملا رتبة عسكرية ، فإن راتبه لا يكون حسب رتبته العسكرية ، وإنما يكون حسب راتب المنصب ، وعند إحالته على التقاعد فإن تقاعده يحسب على أساس الراتب الأخير ووفق قانون التقاعد العسكري ) ، قد تمت بموجب القانون رقم (51) لسنة 1964- قانون تعديل قانون خدمة الضباط في الجيش رقم (89) لسنة 1958 , ومن عدم الوضوح فيما ( يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية بتصديق مجلس السيادة ) ما تضمنه القانون رقم (20) لسنة 1958 في أن ( تشمل كلمة وزير أينما وردت في قانوني التقاعد العسكري والمدني رئيس وأعضاء مجلس السيادة ) . ولا ندري إن كان ذلك من حيث الحقوق والإمتيازات المادية أو أنه من الإستحقاقات البروتوكولية ، ويبقى المواطن البسيط ضحية كل نظام ( وطني ) ، ينص قانون الميزانية العامة فيه بالرقم (72) لسنة 1959 ، على أن ( لوزير المالية أن يدفع رواتب التقاعد التي لا تتجاوز – /15 دينارا شهريا لكل متقاعد لثلاثة أشهر دفعة واحدة ) ؟!.