19 ديسمبر، 2024 11:04 م

رواء القريض ..(7)..معاصر

رواء القريض ..(7)..معاصر

رواء القريض ..(7)..معاصر
عندما يفجر المصاب الشاعرية..الصدق الموجع في كلمات
الرثاء:
عَجيبٌ أمرُها هذي الخطوبُ…… يَحارُ لِحُكْمِها الفَطِنُ اللبيبُ
بحر الوافر …وهو من دائرة المؤتلف التي تضمه الى جانب البحر الكامل ، ولاعبرة بال(متوفر) لانه مهمل الاستعمال ،ويتكون الوافرمن تفعيلة واحدة (مفاعلتن ) مكررة ثلاث مرات في كل شطر:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن …..مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
وهذا هو وزنه التام الذي ندر النظم عليه ، وقد استشهد الزمخشري في كتابه القسطاس لهذا البحر بوزنه الصحيح ببيت واحد ولم ينسبه :
وعندكم مصادق من وقائعنا … ..فمالكم لدى حملاتنا ثبت
وفي كتابه العروض اورد ابن جني بيتا آخر، لا ثاني له :
اذا غضبت بنو أسد على ملك…..تخالهم الملوك لأجلها غضبوا
وواضح ان البيت ركيك ليس مستساغا للسامع المتذوق ..ولذا فقد كثرالنظم في هذا البحر
اذا كان وافيا (غير مجزوء) ،على وزنه المقطوف العروض والضرب الى (فعولن)..فيكون :
مفاعلتن مفاعلتن فعولن …..مفاعلتن مفاعلتن فعولن
أذا لم تستطع شيئا فدعه … و جاوزه إلى ما تستطيع
وقد تكون عروضه مقبوضة (فعول ) او ضربه ..ولامقام لتفصيل كل ذلك ، بل نكتفي بما بسطنا وللمستزيد اللجوء الى علم العروض ، وانما يهمنا مااشتهر عليه النظم واستعذبه الناس وابدع فيه الشعراء ، فهو بحر وان ناسب الفخروالحماسة ، يقول المعري :
أرى العنقاء تكبر ان تصادا ….فعاند من تطيق له العنادا
ومانهنهت عن طلب ولكن ……هي الايام لاتعطي قيادا
واستخدمه احمد شوقي للمديح النبوي :
وعلمنا بناء المجد حتى ….أخذنا امرة الارض اغتصابا
ولكن الشاعر الاول سخره للرثاء فقال :
وهذا أول الناعين طرا ……لأول ميتة في ذا الجلال
وكذلك فعل الجواهري في رائعته :
تعجل بشر طلعتك الافول ……وغال شبابك الموعود غول
أما القصيدة محل مبحثنا هذا ،والتي اعتمدت على البحر بقافية جديدة أعطته نغمة الحزن المسموع من رويها المتميز (الباء) المرفوعة المسبوقة بمد يتغير بين الياء والواو، فقد قرأت البيت الاول منها على صديق شاعركان قد فقد أحبته قريب عهد ..فانصت منتظرا فما ان اكملت البيت الثاني حتى بكى وما ان بلغت الثالث حتى اشار لي بيده أن اسكت ..!.
للمعنى المبتكرتاثير عال كما ان له سببا قاهرا ..فلو اختار شاعرنا مااختاره التهامي في قوله الحكيم يرثي ولده:
حكم المنية في البرية جاري ….ماهذه الدنيا بدار قرار
لكان تقريرا لواقع وان كان بلسان مجرب حكيم ، ولو اختار مطلع الشاعر الاول :
نعد المشرفية والعوالي ….فتقتلنا المنون بلا قتال
لكان حكمة بالغة وتنبيه لغوائل الدهر ..ولكل شاعر سببه وهدفه من وجع ولوعة حقيقية او اسى او لمجرد مشاركة التعزية ..الا ان الرجل الذي قرأ كل ذاك ومر بكل أولئك الراثين ، ماعساه ان يتعلم بعد …فراح شاعرنا يقول صادقا مندهشا باكيا حيرانا :
عجيب امرها هذي الخطوب …يحار لحكمها الفطن اللبيب
ثم لما استذكر اقوال من قبله وتوجعهم وماانتفعنا ولن يجدي انتفاعنا وان فعلنا أردف:
تخَطَفُنا المنايا كُلَّ يومٍ………عَسانا أَنْ نَتـوبَ ولا نتوبُ
أفطنت رعاك الله الى دافع الشاعرالذي وكأنه يرثي نفسه بموت صاحبه ..فقد تيقظ من رقدة الحياة الملهية ..واذا برفيقه المليء بالرضا والعطاء والذي لعله كان يذخره لقادم السنين التي ظن انها ستطول حتى يجلسان بالشيخوخة يتذاكران الايام ، واذا بالنوائب تفعل فعلتها الغادرة ..فتنبه حكيما ومسريا النفس ومصدقا متعظا يقول :
فلا طفلٌ ولا شيخٌ سَيَنْجو……ولا يَنْجو المريضُ ولا الطبيبُ
وهذا من اجمل العطف والترادف في المعنى واحالة الفواعل بالعطف الى الفعل الاول والمبتدأومعطوفه كذلك الى خبر لاحق وكلاهما معنى واحد بلفظين متطابقين …ولو أنه أخرالطفل على الشيخ كما فعل مع الطبيب لكان انجع ،فالأصل ان (ولا) اريد بها شمول غير المتوقع بما شمله المتوقع من الخبر
فيكون مفادها (ولاحتى)..فلا المريض ينجو ولاحتى الطبيب الذي يحاول مساعدته على النجاة ،وهذا وان كان معنىً شائعا فأنه حسنه هنا وجوده..
وهاهو كمن يصحو ويستوعب الصدمة ويسلم لأمره ..فينتقل للاخبار بعد ان كان يتكلم بالحكمة والاندهاش:
وقدْ وَدّعتُ هذا اليومَ خِلاً……حبيبٌ للجميعِ أخي ( رَقيبُ )*
ولست أدعي ان استخدام الاسماء في المراثي جديد فقد فعله جل الشعراء المتمكنين من قياد لفظهم واوزانه ..ولكن القافية التي نوهنا اليها في المقدمة واختيارها الموفق المنغم للحزن والذي لايمكن مع مااجاد به الشاعر من معاني عالية متماسكة أن تظن او ياتي الى خلدك انه كان يقود ابياته لتصل الى التناغم مع اسم المرثي عمدا…وهذا مانسميه الصناعة الشبيهة بالطبع ،(ولاشك ان في البيت عيب من عيوب القافية وهو الاقواء سناتي على تفصيله) ثم:
( رَقيبٌ ) بَلْ رقيقٌ بَلْ نَسيمٌ…… إذا ما غابَ تَنْظِرُهُ القلوبُ
وللجناس الناقص الذي جمع فيه الشاعر بين اسم المرثي وصفته “رقيب بل رقيق”
واستخدام (بل) للعطف على المثبت – وهذا في احكامها النحوية يثبت الحكم للمعطوف -وهو من جميل التصرف في المحسنات البديعية اللفظية ..ثم يردف “بل نسيم” ..وواضح ان الجناس انتهى وانتقل بنا الى التشبيه ولكنه اختار التشبيه المعكوس، وينقل الهاشمي عن الامام عبد القاهر: (وهذا التشبيه مظهر من مظاهر الافتتان والإبداع، كقوله تعالى حكاية عن الكفار: “إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا” في مقام أن الربا مثل البيع،) والمعكوس تعود فائدته إلى المشبه به، لادِّعاء أن المشبه أتم وأظهر من المشبه به في وجه الشبه.، وكذلك كان تشبيه الشاعر أحد أعلى اقسامه تاثيرا وهوالتشبيه البليغ في ذات الوقت ، دون ذكر أداة التشبيه وباستخدام الاسم محل الصفه.
وعجزه…”اذا ماغاب تنظره القلوب” …وهذا ايضا من حسن الصناعة ..فالأشهر ان يقال اذا حضر نظرته العيون لتعلقها به ..فان غاب تنظره القلوب..ان كانت تنظره من النظر وليس تنتظره ..المخففة التاء ، وهو الأرجح حيث ضم الشاعر (الظاء) وكان يمكن له ان يقصد الثانية ايضا ولايخل من المعنى شيئا..وانما النظر هو مااراد ومنه قول الشريف الرضي: وَتَلَفّتَتْ عَيني، فَمُذْ خَفِيَتْ ……عنها الطلول تلفت القلب
كناية عن ان لا أمكان لرؤيتها وان دام التعلق والتشوق لأدامتها ..فصار القلب هو الذي يتلفت -حيرانا- باحثا ..وهذا شاعرنا هنا يحذف شطرا كاملا تماما يمهد لعجزه …ولكن لوفاء عجزه بالمعنى وبلوغه (بتسخير -اذا-..لهذا الغرض ، وبالتمهيد لهذا بالتشبيه والوصف ..فهو حبيب للجميع كما اسلف ورقيق كالنسيم ، بل هو النسيم) ..واذن فلاشك اذا غاب تنظره القلوب ..ثم :
وَديعٌ في بَراءَتِهِ كَطفلٍ……ويَسكُنُ مِنْ هَداءَتِهِ الغَضوبُ
فها هو يرادف الصفات الواحدة تلو الاخرى ..ولاشك أن لأختيار وزن صرفي واحد (فعيل ) اعطى للأبيات الثلاثة انسيابيتها وسلاستها وترابطها ..(حبيب ، نسيم ، رقيق، ) والآن : “وديع في هدائته ..كطفل” (وهذا من حسن التصرف في التشبيه التام ) ، حيث ان صفة الشبه والمشبه به مطروقان لدى الشعراء ومسوغان لدى المتلقي ..فلابد من اضافة تزيح عن الاذن ملل التكرار فكان له مااراد، وليس اروع شفاعة ولا أنجع من قوله مبررا مستدلا على تلك الهدائة بقوله : “ويسكن من هداءته الغضوب” الشديد الغضب ودائمه ..
البيت الذي يليه وصف بصفات مبالغه مستمرة والان ننتقل الى وزن فعول ..اتدري لماذا ؟ لأن البيت السابق انتهى ب(غضوب ) فلايناسبه الا فعول:
كَفوءٌ في إدارتِهِ حَكيمٌ………حليمٌ في تَحَلُمِهِ عَجيبُ
كفوء في ادارته” وهنا تبيان واضح لعمل المرثي وهو زميل له ، ويمكن العودة الى فعيل بعد كسرالتنغيم بالجملة السابقة ، فقال: “حليم في تحمله عجيب” …ولايخفى التناغم في الجرس بين حكيم وحليم ..وان لم يكن السجع هو المقصود ..فحكيم في الادارة وحليم في التعامل ..ويؤيد ذلك قوله :”تحلمه عجيب” ..وأرى بحس المتلقي قبل رأي الناقد ..ان الشاعر كان صادقا في الوصف الى حد عدم المبالغة وان استخدم المبالغة لفظا …فأنت تكاد تلمس تذكره لصاحبه وهويتحمل مرؤوسيه ورؤساءه ولايضجر ولايشتكي ولايغضب ..فاندهش صاحبه الان لهذا الطبع والفعل ..كيف كان يصبر على كل ذلك ..فخرجت منه اللفظة كما تخرج من متحدث يصف لك المطر الشديد كماهو ..مندهشا .
واقتباس الأثر “لكل مجتهد نصيب” في هذا الموضع من القناعة ، حسن ومريح للنفس انظرويبدو انه كان مبعث رضا المرثي وقناعته كما يبين راثيه:
قَنوعٌ لا يُطالبُ غيرَ حقٍ…….يَظنُّ (لكلِ مجتهدٍ نَصيبُ)
ولانأخذ على الشاعر -بلاغيا- في هذه المرثية المؤثرة الا نزوعه في هذا البيت :
سَتَذْكٌرٌكَ المحافِلُ يا فَتاها…… أيا قَمراً يَغيبُ ولا يَغيبُ
الى ابتداء نداء جديد في : “أيا قمرا يغيب ولايغيب” ، فقد كان أجدى واسهل على اللسان والفهم لوعطفت على ماقبلها حيث قال : سترثيك المحافل (يافتاها ) وهنا تحقق النداء اصلا ..ومعه استعاره جميلة فكان أحرى به ان يقول ..ويا قمرا .…..العجز.
ولكنه ولاشك جبر ذلك بما حوته قصيدته من فنون البديع والبيان ، يقول بعد بيتين:
وقُلْتَ الصَبْرُ في المِحْناتِ مَنْحٌ……. لِتُغْتَفَرِ الخَطايا والذُنوبُ
فن الطباق بين المحنة والمنحة ..وقد كان طباقا مفسرا بما بعده حتى كاد يصبح مقابلة ..و”لتغتفر الخطايا” ..وهي من فوائد المحن والتي ألفت فيها الكتب وحررت لها المقامات في ادب العرب .
وبعد فأن من حسن مايختم به قصيد الرثاء ماقاله شاعرنا مطمئنا الأب المغادرعلى ابنه الميتم من بعده ..(غيث) :
(أبا غَيْثٍ) فلا تُشْغَلْ ب(غَيْثٍ)……فإنْ يَرحلْ (رَقيبُ) لَهُ الرقيبُ
“ابا غيث فلا تشغل بغيث”..هذا من قول النافلة المستحسن ، فلا شك ان الميت لايشغل بغير ماينتظره أمامه ..ثم يبدع في استخلاص المعنى المراد من الأسمين ..المتوفي واسم الجلالة ..”فان يرحل رقيب له (الرقيب)” ، وهذا من جميل الوصول الى المعنى وانفاذه في الشعر الحديث وقل في المعاصر ..
وقد تهيأ لهذا الشاعرمن الحظ مالم يتهيأ للمهلهل الشاعر العربي الفذ ، الذي اضطر ان يقول راثيا أخاه مستخدما الغيث وصفا:
سقاك الغيث انك كنت غيثا …….ويسرا حين يلتمس اليسار
في معنى رائع فريد، ولكن شاعرنا توافر له موافقة اسم الولد اليتيم المنكوب (غيث) ليصل منه الى الكنية ليجنس بين اسم الاب المرثي والدعاء له ، فعمد اخيرا الى معنى لطيف رائق، مسخرا ذلك لدعاء هو اطيب وأنسب مايختم به الرثاء بعد حفظ الوصية في العيال فقال:
أبا غَيْثٍ سقاكَ اللهٌ غيثاً…… وأُكْرِمْتَ الجِنانَ ومايَطيبُ
ومابقي بعد هذه الرحلة الا ان نعرف ان القصيدة المرثية هذه تعود للشاعرالذي لم أكن أراه شاعرا اكثر منه ناقدا المهندس تحرير احمد حسن العلواني…قالها وقد فجر عنده المصاب الشاعرية ، في رثاء صديقه المهندس رقيب مطر ياسين الراوي.
_____________________________
لمن يرغب هذه هي القصيدة قبل تقطيعها للنقد..
عَجيبٌ أمرُها هذي الخطوبُ…. يَحارُ لِحُكْمِها الفَطِنُ اللبيبُ.
تَخَطَفُنا المنايا كُلَّ يومٍ………… عَسانا أَنْ نَتـوبَ ولا نتوبُ.
فلا طفلٌ ولا شيخٌ سَيَنْجو……ولا يَنْجو المريضُ ولا الطبيبُ.
وقدْ وَدّعتُ هذا اليومَ خِلاً……حبيبٌ للجميعِ أخي ( رَقيبُ ).
( رَقيبٌ ) بَلْ رقيقٌ بَلْ نَسيمٌ…….. إذا ما غابَ تَنْظِرُهُ القلوبُ.
وَديعٌ في بَراءَتِهِ كَطفلٍ………ويَسكُنُ مِنْ هَداءَتِهِ الغَضوبُ.
كَفوءٌ في إدارتِهِ حَكيمٌ……………. حليمٌ في تَحَلُمِهِ عَجيبُ.
قَنوعٌ لا يُطالبُ غيرَ حقٍ……… يَظنُّ (لكلِ مجتهدٍ نَصيبُ).
سَتَذْكٌرٌكَ المحافِلُ يا فَتاها……… أيا قَمراً يَغيبُ ولا يَغيبُ.
سَتَرثيكَ القوافي باكياتٍ……… فَأنتَ الشاعِرٌ الفَحْلُ الأديبُ.
لَقدْ عانيتَ آلاماً وظٌلماً………. فقلتَ لِدَعْوَتي رَبٌّ مُجيبُ.
وقُلْتَ الصَبْرُ في المِحْناتِ مَنْحٌ…. لِتُغْتَفَرِ الخَطايا والذُنوبُ.
(أبا غَيْثٍ) فلا تُشْغَلْ ب(غَيْثٍ)..فإنْ يَرحلْ (رَقيبُ) لَهُ الرقيبُ.
(أبا غَيْثٍ) سقاكَ اللهٌ غيثاً……. وأُكْرِمْتَ الجِنانَ ومايَطيبُ.
_______
*في البيت الرابع اقواء نوهنا عنه ، ولست أعلم له تخريجا نحويا على حد علمي كأن يقال انه انما اراد جملة جديدة مكونه من مبتدا مقدر و(حبيب) خبره ، لا اجد لذلك سبيلا ، ولعله اكثر من اقواء (حيث ان الشاعر وتماشيا مع القافية كان قد يكون مضطرا لقلب علامة اعراب اسم العلم -رقيب- من الفتح حيث حقها النصب اصلا بدل من -حبيب- المنصوبة اصلا صفة ل-خلا- التي هي مفعول به ل -ودعت-) ولكن الشاعر بدأ لحنه -دعني اقول- من عدم نصبه ل-حبيب- وكان اجدى به وقد اضطر للاقواء ان يبقي على -حبيب- على محلها الاعرابي الصحيح منصوبة ..ويقوي -رقيب -فقط . “فإن الإقواء في القافية جائز، حيث قيل: إن شعر القدماء لا يخلو من إقواء، ولو اني لست مع الاقواء ابدا ولا أقره وعندي انه ضعف في التمكن الشعري وهو خطأ نحوي وليس جبر خلل موسيقي كما يبرر المحدثين وبعض القدماء ، الا اننا نتلمس لشعرائنا ولشاعرنا هنا ونتفسح لهم في بعض اقوال النقاد والنحاة القدماء واليك منهم : قال الأَخفش: الإِقْواء رفع بـيت وجرّ آخر نـحو قول الشاعر:
لا بَأْسَ بالقَوْمِ من طُولٍ ومن عِظَمٍ ….جِسْمُ البِغال وأَحْلامُ العَصافـيرِ
ثم قال:
كأَنهُم قَصَبٌ، جُوفٌ أَسافِلُه…. مُثَقَّبٌ نَفَخَتْ فـيه الأَعاصيرُ
قال: وقد سمعت هذا من العرب كثـيراً لا أُحصي،…. ثم لا يستنكِرونه لأَنه لا يكسر الشعر، وأَيضاً فإِن كل بـيت منها كأَنه شعر علـى حِياله. و قال ابن جنـي: أَما سَمْعُه الإِقواء عن العرب فبحيث لا يُرتاب به لكن ذلك فـي اجتِماع الرفع مع الـجرّ، فأَما مخالطة النصب لواحد منهما فقلـيل، وذلك لـمفارقة الأَلف الـياء والواو ومشابهة كل واحدة منهما جميعاً أُختها.
وقال ابن جنـي أيضاً: وفـي الـجملة إِنَّ الإِقواء وإِن كان عَيباً لاختلاف الصوت به فإِنه قد كثر، قال: واحتـج الأَخفش لذلك بأَن كل بـيت شعر برأْسه وأَنَّ الإِقواء لا يكسر الوزن؛ قال: وزادنـي أَبو علـي فـي ذلك فقال إِن حرف الوصل يزول فـي كثـير من الإِنشاد .
“وبعد هذا أقول : إن الإقواء في الشعر جائز ووارد كثيراً وقد عده البعض سنادا لا إقواء، ولا يؤثر على بيت الشعر عروضياً ولكن هو اختلاف للحركة الإعرابية فقط”.*
ومنه قول النابغه :
زَعَمَ البَوَارِحُ أَنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا …وَبِذَاكَ حَدَّثَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدِ
وقد كسر الصفة-الاسود- ومحلها الرفع لموصوفها الفاعل -الغراب- لمجاراة قافية القصيدة ورويها حيث البيت الذي قبله :
أَفِل التّرَحّلُ، غير أنّ ركابنا……لما تزلْ برحالنا ، وكأنْ قدِ
والذي بعده :
لا مرحباً بغدٍ ، ولا أهلاً بهِ ……. إنّ كانَ تَفريقُ الأحبّة ِ في غَدِ

أحدث المقالات

أحدث المقالات