(السرد الملحمي الهادف ، قصة الولاء و الوفاء )
عند الرجال ، الحب الاعمق و الاصدق من حب االعاطفة والتغزل بالمراة ، هو الحب الممتزج بالولاء و النابع منه ، الحب المغروس في الوجدان مع ايام الطفولة و النمو ، و تشرب الرؤى و المذاهب و العقائد و الافكار ، الحب المختلط بالجمهور و مايحبه و يميل اليه و الجيل الاكبر و الجيل التالي و الشعائر و اجواء سمو الروح وتشوقها لماض من الطهر والتضحية السامية ينتشلك طفلا كنت ام شابا ام كهلا من حاضر المادة و الجري وراء مطالب الحياة و مواهبها و يرمي بك في اجواء تهفو الروح اليها و يلتصق بها الضمير و يتشبث بها الوجدان .
هذا الذي حصل عند شيعة اهل البيت منذ طفولة احدهم الى شبابه الى كهولته حتى شيخوخته . اختلاط القيم الموروثة المقروءة بواقعية الحياة صالحها و طالحها ، تلك الايام التي يستذكر بها ابناؤهم و اباؤهم و رجالهم و نساؤهم في مواكب و مجالس وميادين و طرقات و ليال و نهارات محبة متبوعيهم و معصوميهم و مضحيهم . فتلتصق صور العزاءات و القراءات الحاضرة بالذاكرة و تستحضر صور وقائعها الاصيلة و معانيها بالوجدان . فيكون الولاء حبا و يتكون الاتباع غراما ، و يتحول الاستذكار لكل الحدث حزنا و فرحا و اعتبارا و ندما و حسرة و تأنيبا و وعظا و غضبا و لوما و نصرة و ارشادا و اتعاظا و اعتبارا و توصيفا ، فينفجر كل ذلك شعرا ،، حسينيا و لائيا عشقيا.
و هذا شاعر استشرب كل ذلك ووعى كل الجوانب من اول الحب الطفولي الى الفهم الموالي الى النصرة في الثورة الى الاتباع في الخلق و القيم الى الكرة على الظالم و لعنه و لومه ، الى توصيف ظلمه و حاشيته و موالي عصره ، الى القعود عند باب اضرحة ائمته و باحاتها ،،الى ان صار كل ذلك صورا و ثوابتا في الوجدان فصاغ كل ذلك شعرا صادقا ينظمه الايمان الراسخ في الضمير، فيشدو محيطا بكل ذلك صائحا:
يـ حسين بـضمايرنا .. صـحنا بـيك أمـنا
هذا المطلع العامي البحت جمع كل ماتقدم شرحه رمزيا ، المطلع المهيب التاثير على من استحضر ماتقدم من صور و وفهم المحبين وحالهم و نوع اتباعهم و حقيقة روعهم . فلم تعد هذه الصيحة بعد تلك القرون وتوالي الاجيال مجرد “صيحة عواطف” كما كنا نفعل صغارا ، و لن تكون مجرد “إدعاء و راي” قد نغيره او ننقضه ، لقد صار مبدأ وعقيدة :
لا صـــيـــحــة عــــواطـــف هـــــــاي
لا دعـــــــــــــوه ومـــــــجــــــرد راي
هــذي مــن مـبادئنا ،،، صـحنا بـيك آمـنا
الزخم الذي وفرته اللهجة العامية هنا تقصر عنه اللغة الادبية ، فتلك اللهجة و بهذه الجمل المتراصة المعبرة المبتكرة تلمس كل وجدان عاش تلك العقود مع المجالس الحسينية والعزاءات و تشرب تلك القرون من المناقب و الاستذكارات . و ميزة هذه التحفة الشعرية انها و ان جاز الابتداء بها في كل عزاء ، او ربما تسمعها كأول صوت في كل مجلس ، الا انها تشكل دائما رواية عن ماضي دائم في الحاضر . (فلا صرخة عواطف) و اخذت “الصيحة” العامية محلا اقدر على التوصيل من (الصرخة) بعد توكيدها باسم الاشارة العامي ل هذه (هاي)،،،ثم تخفيف الهمزة لكلمة (رأي) الفصيحة يفهمها المستمع -ابن اللهجة- كما قصد منها و اشارت ، كشيء يمكن العدول عنه .
ثم ينتقل الى الدرة الاولى من مطولته، ليصف لنا التكوين البشري و كيف انه متساوي الخلق مختلف النفسية و الخلق ، فالجانب الاول واضح ظاهر و الثاني خفي مجهول انما تكشفه الميول و الاتجاهات و ان اراد صاحبه مواراة حقيقة معتقده من شر يضمره او نية حسنة تغمره:
بــتــكــويـنـه الـــبـــشــر يــاحــســيــن ،،، مــــتـــســـاويـــيـــن نــــــوعـــــيـــــه
جـــســـمــه ومـــحـــتــواه واضـــــــح ،،، ومــــــــعـــــــروف بــــتــــســــاويـــه
الشــــــي بـــيـــه خـــفـــي ومــجــهــول ،،، نــــــزعـــــاتـــــه الــــنـــفـــســـيـــه
وهـــــيــــه بـــــدورهــــا تـــكــشــفــه ،،، وتــــظـــهـــر لــــــــــك مـــخـــافــيــه
تـــكـــشــفــه مـــــــــن اتـــجــاهــاتــه ،،، شــــــــر يـــــــو لا حــــســـن نــــيـــه
و هكذا فنحن آمنا بنفسك و خلقك والا فالاجساد واحدة و الاشكال خادعة ، انما آمنا بنفس الحسين العظيمة لما تيقنا في روعنا انها روح قدسية ، فلما وجدنا ضالتنا من الحكمة و الشرف و التضحية ، و عرفنا منك و من فعلك و ثورتك انك ابو الاحرار ، و ان الموت الذي كنا نظنه قيدا و رعبا ، انما هو الحرية بعينها ، كان ذلك خافيا عنا و لكننا لمسناه و رايناه عيانا من وقفتك الابية التي مازعزعتها حشود البغي المستنفرة و لا الاف السيوف المشهرة ، فلم يثننا ذلك :
واحــــــنـــــه بـــنـــفــســك أمـــــنـــــا ،،، مــــــــــن إعـــرفــنــاهــا قُـــدســـيـــه
بــشـخـصـيـتـك لــمــسـنـا أوصــــــاف ،،، «مـــــــا نــــوجـــدت» بــشــخـصـيـه
لــمــسـنـا بـــيـــك ابــــــو الأحــــــرار ،،، عــــرفـــنـــا الـــــمــــوت حـــــريــــه
لــمــســنـا الــتــضـحـيـه بــشــخـصـك ،،، عـــرفـــنــا الــــشــــرف تــضــحــيــَه
فعرفنا من ذلك ان مرض الذل هو العبودية ، و عرفنا ان الكرامة هي الترياق الذي التي نريد ، فلمسنا ان بذلك لدمك احياك ، وراينا قسوة البشر وتوحشه اذ لم يضبطه الخلق ، و كان ذلك بائنا من موقف عدوك ، و ادركنا ان هؤلاء البغاة لايوقفهم الا السيف و الدم و لو دونه المنية ، فسلكنا معك هذا الخط و قررنا اننا فدائيون لعقيدة الحق :
لــمــسـنـا بـــيـــك أبــــــي ومــ تــلـيـن … عــــرفـــنـــا الـــــذل عـــبـــوديـــه
لــمـسـنـا عــلــى الــكـرامـه أكــضـيـت … عــــرفـــنـــا أنــــريـــدهـــا هـــــيــــه
لــمــسـنـا ابـــذلـــت بــــــدم وحـــيـــيت … عــــرفـــنـــا الـــدنـــيـــا وقـــتـــيـــه
لـــمـــســنــا قـــــســــوة أعـــــــــداءك … عــــرفــــنـــا احـــــنـــــه فــــدائـــيـــه
و الا فالمصير ان نبقى بايدي الطغاة و زبانيتهم و جيوشهم ، يلتقفوننا و يرموننا من يد ليد و من عصر لعصر ، فقبلنا رايك وصدقنا مهبك وانطلقنا خلفك ، و صرخنا (آمنا بك) :
عــرفــنــا انـــظـــل بــيــديـن إِيـــزيــد
مـــــــن إِيـــــــد الــقــســاوة أل إيــــــد
قـبـلنا ولـمـن أقـبـلنا .. صـحنا بـيك أمـنا
يـ حسين بـضمايرنا
الابيات السابقة من هذه الملحمة الاخلاقية العقائدية عجت كما ترى بصور البديع و لقطات البيان و عبارات المجاز ، اول بيت تميز باتخاذ الامام المثال نفسه مخاطبا يبين له امر مايحصل و كيف حصل و هذا اروع الاعتقاد ، وحيث ان المخاطب عارف بالاصل فسيؤول الاخبار الى المجاز المقصود منه اظهار الولاء و اقراره و تثبيته ، حيث الولاء و المحبة على بينة و وعي و ادراك ليس كالولاء على غير ذلك ، فعندما بين : (بــتــكــويـنـه الـــبـــشــر يــ حْــســيــن — مــــتْـــســـاويـــيـــن نــــــوعـــــيـــــه) ،،، الى آخر ان قال (واحـْـــــنـــــه بـــنـــفــســك أمـــــنـــــا — مــــــــــن ……) كل هذا من اسلوب الإخبار بالمعلوم عند المخاطب لتمهيد الاقرار بما يليه من غير المعلوم .
ف البيت (بــشـخـصـيـتـك لــمــسـنـا أوصــــــاف — «مـــــــا نــــوجـــدت» بــشــخـصـيـه) ليس مدحا صراحا و انما تبريرا للالتفاف حول المرشد ، و لايخفى ما للفظة (لمسنا) من جودة الاختيار فهو –اللمس- لايقبل التشكيك او التردد، ثم بلوغ الغاية في (لــمــسـنـا بـــيـــك ابــــــو الأحــــــرار—) و المطابقة البديعية (عــــرفـــنـــا الـــــمــــوت حـــــريــــه) ، و الموافقة في (— عـــرفـــنــا الــــشــــرف تــضــحــيــَه). و التظافر الاسلوبي بين (لــمــسـنـا بـــيـــك أبــــــي ومــ تــلـيـن —) و نتج عنها (–عــــرفـــنـــا الـــــذل عـــبـــوديـــه) و(—عــــرفـــنـــا الـــدنـــيـــا وقتيه)، ثم يتوالى الترادف بالعبارات المتضمنة مجاز صارخ المعنى (لــمـسـنـا عــلــى الــكـرامـه أگـضـيـت —) (لـــمـــســنــا قـــــســــوة أعـــــــــداءك —) و تقابل عميق الهدف (لــمــسـنـا ابـــذلـــت دم وحـــيـــيت —) (—عــــرفــــنـــا احـــــنـــــه فــــدائـــيـــه).
أما الكناية و الترميز في الاشطر المدورة لتمهيد قفل المقطع على وزن وقافية سابقه : (عــرفــنــا انـــظـــل بــيــديـن إِيـــزيــد—مـــــــن إِيـــــــد الــقــســاوة أل إيــــــد)
ثم يقرر ويكرر في القفلة :(قـبـلنا ولـمـن أقـبـلنا — صـحنا بـيك أمـنا).
وفي المقطوعة الثانية و التي يخصصها لتوضيح الاستعداد لتحمل مشقة الاتباع و التعهد بالمضي في الولاء الذي تجذر بنا (اتباعه) عن اعتقاد وفهم ، وتوقع كل غصة وقصة مرة و خطورة الايام القادمة :
عـــــن ســـابــق عـــلــم يــــا حــسـيـن ،،، وعـــــــــن تـــركـــيـــز بـــالــفــكــره
حـــــبــــيــــنــــاك وتــــبــــعــــنــــاك ،،،، ونـــتـــوقـــع غـــــصــــص مُــــــــره
ونـــتـــوقـــع وقـــــــــت مـــــحــــدود ،،،، وســــاعــــات أل تُــــمـــر خــــطـــره
و نعلم اننا سنكون هدفا يرمى لمن يكيد و غرضا يشتهى للعبيد ، و لكننا تعاهدنا و تواطنا فلاشك وراء كل زهرة شوكة ، وكيف تقاس عطور عترة بيت رسول الله الخالدة بعطر الزهر الفاني :
مــــــــا بــــيــــن أل يـــكــيــد ألــــنـــا ،،، وبــــــيـــــن يـــــدبـــــر الـــــغـــــدره
ومـــــــــــع احـــســـاســنــا هــــــــــذا ،،، ول شـــــفـــــنـــــاه ونــــنــــتــــظـــره
أمــــــــــنــــــــــا وتـــــــوطــــــنــــــا ،،، عـــلــى كـــــل شــــي بــعــد يــجــرى
مـــعـــلـــوم أل يـــــشــــم أزهــــــــار ،،، يــــوخـــزه الشـــــــوك بــالــشـجـره
عـــلــى ريــحـتـكـم شــنــو الأزهــــار ،،، نــــتــــحــــمــــل اذى جــــــــمـــــــره
وعلى هذا الولاء كل شيء شاهد ، تربة كربلاء في كل استذكار ، و يوم العاشر من كل محرم ، و كل الطعنات الاولى و استذكاراتها وكل جرح براس محب متبع موالي ، تنطق صارخة ، آمنا بك و بمحبتك ، وهذا صار في طبعنا و كتبناه بفطرتنا :
تُــــــربـــــة كــــــربـــــلا تــــشـــهـــد ،،، إل مـــــن دمـــنــا أصــبـحـت حــمــره
ويـــــــــوم الـــعـــاشـــر بـــعـــاشــور ،،، هـــــــم يـــشــهــد مـــــــع الـــذكـــرى
وكـــــــل طــعــنــة رمــــــح تــشــهــد ،،، وكـــــل ســـيــف أل طـــبــر طـــبــره
كــــلــــهـــا أتــــصــــيـــح أمــــــنـــــا ،،، بــمــحــبــتــك يـــــابـــــو الـــعـــتـــره
حـــقـــيـــقـــتــنــا وطـــبـــيـــعـــتــنــا ،،، كــتــبــنــاهــا عـــــلــــى الـــفـــطـــره
و قفل هذا المقطع يناسب كثيرا ما بين في كل ابياته السابقة ، فنحن و كل تلك الطعنات و التضحيات و الجروح صرخنا جميعا مرة اخرى بسوح الشرف و بك آمنا :
أحـــنـــه وكــــــل دمــــــى مـــهـــدور
وكـــــل طــعــنـه وجـــــرح ونــحــور
بـساحات الشرف كلنا ،،، صحنا بيك أمنا
يـ حسين بـضمايرنا
و كان هذا الفصل من القصيدة زاخرا بفنون البيان من وضوح في غرض العبارة (عـــــن ســـابــق عـــلــم يــــا حــسـيـن — وعـــــــــن تـــركـــيـــز بـــالــفــكــره) واستشراف (—ونـــتـــوقـــع غـــــصــــص مُــــــــره) و (ونـــتـــوقـــع وقـــــــــت مـــــحــــدود —)و وصف استباقي يتضمن بيان المضي (وســــاعــــات أل تُــــمـــر خــــطـــره). وللشاعر تحول لفظي لافت من حين لآخر يضفي على مقاطع قصيدته استفزازا من الملل و استنهاضا من الكلل ، فيفصل مستشرفا بلهجة مستذكرة و هذا جمع طريف بين نقيضين زمنيين لاستدامة غرض واحد في الجملة الشعرية و قد درج شاعرنا على ذلك : (— ول شـــــفـــــنـــــاه ونــــنــــتــــظـــره) ثم (مــــــــا بــــيــــن أل يـــكــيــد ألــــنـــا — وبــــــيـــــن يـــــدبـــــر الـــــغـــــدره) ، وهنا اللفظ الماضي يطل من جديد مشتبكا بالحاضر و المستقبل في البعد الايماني : (أمــــــــــنــــــــــا وتـــــــوطــــــنــــــا — عـــلــى كـــــل شــــي بــعــد يــجــرى) .
و انتقاله الى التشبيه و المقارنة :(مـــعـــلـــوم أل يـــــشــــم أزهــــــــار —) و الاستعارة المطروقة : (يــــوخـــزه أل شـــــــوك بــالــشـجـره) و المبالغة الصادقة : (عـــلــى ريــحـتـكـم شــنــو الأزهــــار — نــــتــــحــــمــــل ادى جــــــــمـــــــره). ومن فنون البيان استخدم الاستنطاق او التشخيص للجماد مثل شهادة التربة: (تُــــــربـــــة كــــــربـــــلا تــــشـــهـــد —) و وصفها (—أل مـــــن دمـــنــا أصــبـحـت حــمــره) و الشاهد الثاني الذي لابد من حضوره :(ويـــــــــوم الـــعـــاشـــر بـــعـــاشــور — هـــــــم يـــشــهــد مـــــــع الـــذكـــرى).ومعهما طعنات الرماح و طبرات السيوف :(وكـــــــل طــعــنــة رمــــــح تــشــهــد —وكـــــل ســـيــف أل طـــبــر طـــبــره).
ثم يغير قافية البيت التمهيدي لقفل المقطع و الذي كان رويه (الدال) ليصبح :(أحـــنـــه وكــــــل دمــــــى مـــهـــدور—وكـــــل طــعــنـه وجـــــرح ونــحــور) في نسق موسيقي جميل لا قاعدة له ، و لكنه ارتجال المحترف و الذي يصبح ارتجاله مثالا ، ثم يقفل عائدا لقافية ملحمته و لازمتها التي لاتمل حيث يسبقها كل مرة بشطر يحيي معناها و يجدد دماها : (بـساحات الشرف كلنا ،،،، صحنا بيك أمنا).
المقطع الثالث من هذه التحفة الملحمية الهادرة يتناول الفرضيات المحبطة واعطاء العهد بسحقها و تجاوزها ، فقد تعاهدنا مع المولى على موالاته بالدم و بالنفس و الجسد ، كما اسلفنا “فطرة” و ليس تكلفا و لاصدفة ، فلو فرضت شذوذنا عن النهج او ان ييغرينا التجدد او لو حتى شططنا و قامرنا فلابد ان نثوب لرشدنا بمنهجك ، وتدركنا رحمة ربنا ببركتك.و هذا من التيقن فيقول:
يـــــــا حـــســيــن اتــفــقـنـا اوْيــــــاك ،،، بـــــالـــــدم بـــالـــنــفــس بـــالــجــيــد
مــــثـــل مـــــــا كــلــنـــا عــالــفــطـره ،،، لا صــــــــدفـــــــه ولا تـــــعـــــويــــد
افــــــرض نـــشـــد عــــــن خـــطـــك ،،، ونـــســيــر إعـــلـــه خــــــط ابــعــيــد
افــــرض يجتذبــنـا الــكـاس ،،، ويــســحــرنــا هــــــــوى الــتــجــديـد
افــــــــــرض نـــلــتــهــي نـــقـــامـــر ،،، ونــــتـــصـــرف بــــــــــلا تــــقـــيـيــد
شــمــا تــفــرض بــعــد يــــا حــسـيـن ،،، شــــمـــا نـــعــمــل بــــعـــد ونـــزيـــد
لا بـــــــد مـــــــا تــــجـــي الــســاعــه ،،، أل بــــيـــهـــا نـــنـــتــبــه ونـــعـــيـــد
لا بـــــــد مـــــــا هـــــــوى الــرحــمــه ،،، يــــدركـــنـــا ونــــــــــرد اجـــــديــــد
و لو فرضنا اننا سنهرم و نضعف و نخور :
حــــــتـــــى أنچانـــَـــــــه نـــــهـــــرم ،،، ويـــضـــعـــف حـــيــلــنــا ونـــبـــيـــد
ولا نـــــــقــــــدر نــــــحــــــرك راس ،،، ولا نـــــقـــــدر نـــــحـــــرك إِيـــــــــد
و لو فقدنا سمعنا و بصرنا و اصبحنا على فراش الموت
ولــ نـــشـــوف ول نــســمـع صـــــوت
تـــســـنــدنــا وســــــــــادة مـــــــــوت
فاعلم اننا حتى :
(بـأخر نِـفس احـسبنا .. صـحنا بـيك أمـنا)
و سلك الشاعر في طريق الافتراضات المثبطة و المحبطة هذه مسلكا بنائيا خاصا يقوم على التطمين و التوطين ان الاجيال و ان شطت و ان زلت و ان بدا عليها الهوان و الضعف فلن تحيد طويلا و لن تغرق بعيدا ، فستعود الى رشدها الى صاحب المنهج الهادي ، وتوصل الشاعر لغرضه هذا -و بعد ان غير قافية المقطع كلها كعادته في كل فصل – توصل بالترادف الموحي بالفرضية الجدلية لا اكثر ، (افــــــرض نـــشـــد عــــــن خـــطـــك) فسماه شذوذا و هذا التضاد لبيان الاصل و هو الر شد في الاتباع . وفرضية اللهو بالملذات (افــــرض يجتذبــنـا الــكـاس —ويــســحــرنــا هــــــــوى الــتــجــديـد) ، و التحرر المنفلت (ونــــتـــصـــرف بــــــــــلا تــــقـــيـيــد) كل هذا الفرض و اكثر (شــمــا تــفــرض بــعــد يــــا حــسـيـن —) و(— شــــمـــا نـــعــمــل بــــعـــد ونـــزيـــد). ثم ينقلب بلفظه المتمكن الى الخط الاول: (لا بـــــــد مـــــــا تــــجـــي الــســاعــه — أل بــــيـــهـــا نـــنـــتــبــه ونـــعـــيـــد) و هنا يعيد الترادف بمعنى جديد (لا بـــــــد مـــــــا هـــــــوى الــرحــمــه —يــــدركـــنـــا ونــــــــــرد اجـــــديــــد) بنفحات رحمة الله ببركة آل بيته نعود.
و لسبك العبارات الجديدة بتغيير التفصيل باسلوب الانتقال السلس بين الاغراض علة ، فللشيخوخة دور: (حــــــتـــــى أنچانـــَـــــــه نـــــهـــــرم —) و للزوال و الضعف عبارة ؛(—ويـــضـــعـــف حـــيــلــنــا ونـــبـــيـــد) و للمبالغة الوصفية :(ولا نـــــــقــــــدر نــــــحــــــرك راس–) (ولا نـــــقـــــدر نـــــحـــــرك إِيـــــــــد) .
بعدها التحول الجديد في قافية التمهيد لختم الفصل بآخر الفرضيات البالغة: (ولــ نـــشـــوف ول نــســمـع صـــــوت—تـــســـنــدنــا وســــــــــادة مـــــــــوت) ثم مرة اخرى واخرى ، التأكيد على المطلع العهد الذي لا يخبو أثره البلاغي و اللفظي :
(بـأخر نِـفس احـسبنا — صـحنا بـيك أمـنا).
و في فصلها الرابع يجوب الشاعر بابياته دروب المحبة و اسبابها و ابعادها و منشئها و مبتغاها ، فينزه محبة محبوبه السبط الحسين ابن (فاتح خيبر و بابها) ، فليست محبة محترف طامع هي ، ولا محبة هاو مشبب بل محبة عقيدة :
عـــــلـــــى ســـــيـــــرة عـــقـــايــدنــا ,,, انــحــبـكـم يـــابـــن داحـــــي الـــبــاب
فـــــتـــــشــــنــــا بـــمـــحـــبـــتـــكـــم ،،، ومــــا ظــــل عــلـى الـعـيـن احــجـاب
لا حــــــــب مـــحـــتــرف طــــامــــع ،،، لا حـــــب هـــــاوي شـــــب أوغــــاب
فللمحترف في حبه غاية وغرض ، و للهاوي الغر تقلب في حبه وهجر :
حـــــــــب الـــمــحــتــرف عـــــنــــده ،،، بــتــحــقـيـق الأربـــــــاح احــــســـاب
وحــــــــــب الـــــهــــاوي يـــتــنــقــل ،،، ويــــه هــــواه إعــلـه ســاعـه وغـــاب
و لكن حب الفطرة هو من نحمل ، حب العقل و العقيدة ، و اهل الاصول يقولون ان من يحب معتقدا فلا شيء عليه و لن يفلت محبوبه من بين يديه .
الـــحــب حــبــنـا أل عــلــى الــفـطـره ،،، أل عــــــــ الــمــعــتـقـد بـــالألــبــاب
رواد الأصــــــــــــــول تـــــــقـــــــول ،،، عــــــــل يــعــتــقـد مـــــــا يـــنــعــاب
فحبكم يا آل بيت النبي خالطنا و نحن بين اصلاب آبائنا و ارحام امهاتنا ، و سنواصل على هذا عقيدة و ولاء ، و نجيب كل داع منكم دون سؤال :
حــــبــــيـــنـــاكـــم اوْ احــــــــنــــــــه … بــــيــــن الــــرحــــم والاصــــــــلاب
عـــلـــى هــــــاي الــعــقـيـده نــســيــر … الـــحـــاضــر ولـــيـــجــي والــــغـــاب
عــلــى كــــل صــــوت مــــن عــدكـم … نـــــرفــــع صـــوتـــنـــا بـــإِيـــجـــاب
فلما دعوت يا ابن رسول الله : (اما من ناصر لهذا الدين)؟
بـصـوتـك مـــن صــحـت يـــا حـسـيـن
هــــــل مـــــن نـــاصــر أل هــالــديـن
كنا اول من اجاب و نحن في اصلاب آبائنا ان ، نعم و:
(ما بين الأصلاب احنه ،،، صحنا بيك أمنا).
اما بلاغيا وتركيبيا فقد بدأ بالتوكيد المنجز بتقديم شبه الجملة (على سيرة عقايدكم—) ، و نفذ منها الى (—نحبكم يبن داحي الباب) و خلله خطاب التسمية الاشهر في الموروث الشعبي و المذهبي العراقي للامام علي (داحي باب خيبر). فسخر هذا اللقب لتسيير مقطعه هذا على قافية جديدة كما اعتاد ، ثم :(فـــــتـــــشــــنــــا بـــمـــحـــبـــتـــكـــم— ومــــا ظــــل عــلـى الـعـيـن احــجـاب) اشارة الى وضوح رؤيتنا قبل محبتنا وهو من الكنايات المعروفة شعبيا ايضا. و بعدها وصف انواع الحب كما اسلفنا في القسم الوجداني من تناولنا ، فاستخدم هنا التصريحات التصويرية :(لا حــــــــب مـــحـــتــرف طــــامــــع—) (— لا حـــــب هـــــاوي شـــــب أوغــــاب) ، و طابق بين عبارتين بائنتين . حب الطمع المحترف و حب الهوى المتغير المختلف).
و قد اجاد في إعقاب العلة باسبابها و الوصف بتدليله اذ قال شارحا :(حـــــــــب الـــمــحــتــرف عـــــنــــده— بــتــحــقـيـق الأربـــــــاح احــــســـاب) بينما (وحــــــــــب الـــــهــــاوي يـــتــنــقــل— ويــــه هــــواه إعــلـه ســاعـه وغـــاب).
ثم يأتي بعبارات شفيفة اللفظ طريفة المعنى لتبيان حب الفطرة مثل :الـــحــب حــبــنـا أل عــلــى الــفـطـره — أل عــــــــ الــمــعــتـقـد بـــالألــبــاب) واستأنف بالاستدلال :(رواد الأصــــــــــــــول تـــــــقـــــــول —عــــــــل يــعــتــقـد مـــــــا يـــنــعــاب).
ثم انطلق بجميل مبالغته :(حــــبــــيـــنـــاكـــم اوْ احــــــــنــــــــه— بــــيــــن الــــرحــــم والاصــــــــلاب) قبل ان ينتقل الى وصف الحب و العقيدة وثبات السير عليها قوله :(عـــلـــى هــــــاي الــعــقـيـده نــســيــر ) ثم يجمع بشطر واحد و بثلاثة الفاظ زمانية محكمة بين الماضين و الاحياء و القادمين من اجيالهم (—الـــحـــاضــر ولـــيـــجــي والــــغـــاب)، و قابل بآخر بيت من تلك القافية بين صوتين احدهما صوت الداعي من آل البيت :(عــلــى كــــل صــــوت مــــن عــدكـم —) و صوت المجيب من محبيهم ان نعم :(— نـــــرفــــع صـــوتـــنـــا بـــإِيـــجـــاب)
و قد وفرت له تلك الابيات المنسابة المعبرة تقاربا و تناسقا حتى الوصول لأشطر التمهيد الثلاثة المدورة في كل فصل بقافية مختلفة فينشد مضمنا عبارة الامام المعروفة : (هــــــل مـــــن نـــاصــر أل هــالــديـن ) بصوته من الف عام (بـصـوتـك مـــن صــحـت يـــا حـسـيـن)، و هذا استحضار في منتهى التأثير الوجداني ، فيختم فصله المميز.هذا بجوابهم الملبي و الذي اطر دائما ملحمته تلك :
(ما بين الأصلاب احنه ،،، صحنا بيك أمنا).
ثم يأتيك هذا الشاعر العاشق للمذهب بكل جوارحه وعقله بفصل درامي مذهل يروي فيه مسيرة الف عام من القهر و الصد و التهديد والتشريد سببها حب امامه و زيارة مقامه ، فيبدأها من وصف الحقب كلها بلون واحد
مـــــرّ بــيــنـا إِعـــلــه حــبــك جــــور ،،، لا يـــــنـــــســـــى ولا يـــــخـــــفـــــى
و نسق واحد :
مـــــــــن عــــدوانــــك أل چانــــــــت ،،، بــــيــــنــــا تــــــريـــــد تـــتـــشـــفــى
الى تفصيل الحقب الواحدة تلو الاخرى باشارات متقاربة لأزمان متباعدة اجاد فيها كل الاجادة و استحق عليها اعظم الاشادة . استعرض تاريخ فرض الاحكام الجائرة لمنعهم :
عـــلــيــنــا أفـــــرضــــوا أحـــــكــــام … بــــــــــلا رحـــــمـــــه ولا رأفـــــــــه
و لم يمنعهم ذلك من القدوم لأبي الاحرار :
ثـــبـــتـــنــا بــــثــــقـــه وبــــرهـــنـــا … لـــلـــظـــالــم رغـــــــــــم انــــــفـــــه
حـــتـــى مــــــن نـــجـــي نــــــزورك … عـــــلـــــى الـــــعـــــادة الــمــأتــلــفـه
ثم تبتكر لهم الاعذار
يـــتـــحــجــج عـــلـــيــنــا يـــــريـــــد … يــمــنــعــنــا بـــــألـــــف حِـــــرفـــــه
قـــــــال الـــلـــي يــــــزور حــســيــن … ولـــــــه مـــهــمــا يــــكُـــن ظـــرفـــه
فمرة وضعوا على راس كل زائر لمرقد امامه المفدى رسم زيارة من الذهب :
عـــلــيــه مــــيـــة ذهـــــــب يــــدفـــع … رســــــــــم أزيـــــارتـــــه يـــكــلــفــه
فدفعنا و دفع اجدادنا وهم جذلين بل يظنون ان هذا قليل ولايوفي حب الحسين و شرف زيارته :
دفـــعــنــا وكــــــل شـــخـــص مـــنـــا … يـــشـــعــر بــــعـــده مـــــــا وفـــــــى
فلاقيمة لمال او ذهب ، بل ان على المحب ان يدفع حياته و يلقى حتفه عند اقدام ابي عبدالله :
شــنــهــو الـــذهــب شــنــهـو الـــمــال … الـــلــي يـــحــب يــتــوطـن أل حــتـفـه
حتى بلغ بجيل من اجيالنا انهم هددوا بقطع كف من يحاول الوصول ثمنا لزيارته و عقابا لتشبثه و جرأته :
ردّ گـــــــال أل يــــــــزور حـــســيــن … مــــــــن إِيـــــــده يــنــگـطـع چفـــــــه
فقدمنا ايدينا طائعين مسرعين فقطعت اكفها ثمنا و جئناك مهرعين :
انـــطــيــنــا چفـــوفـــنـــا بـــالـــحــال … وركـــضـــنــا نـــــــزورك أبــلــهــفـه
فلم يمنعنا عنك الخوف :
عــــنـــك مــــــا مــنــعـنـا الـــخـــوف
و لاقطع الكفوف :
گــطــعــوا مــــــن إِيــديــنـا چفـــــوف
و ماسمعوا لنا صيحة الم :
(مـن الألـم مـا صـحنا —)
و انما :
(— صـحنا بيك أمنا)
صياغة و اسلوبا وجرسا ومعاني كان المقطع المميز هذا ينبىء عن نفسه .
و مسك ختام تلك التصويرية الولائية المطولة الرائعة فصل يغطي مرحلة الخروج للحق و الرفض و مادار (من وجهة نظر الشاعر) -و ان اختلفت معه او اتفقت فهذا ليس شأن الادب- فيستهلها بفترة وفاة النبي صلوات ربي وسلامه عليه وأثرها على المسلمين :
عـــشــت يـــــا بـــــن الــنــبـي فــتــره … يــــصـــعـــب عـــــــــل يـــحـــددهـــا
مــــــات الــنــبــي وعــــــن ضِــنــتـه … جـــــديـــــدة عـــــهـــــد مـــولـــدهـــا
فالناس بين مرتد او مضطرب العقيدة و بين مؤمن متمكن متمسك بدينه :
والـــــنـــــاس بـــكـــفـــر وبـــــديــــن … مــــضــــطــــربـــه عــــقــــايــــدهـــا
حتى بدأت دولة (القهر و الكتم )- بعد الراشدين رضوان الله عليهم – كما يصور الشاعر :
ولـــــن حـــكــم ابــــن ابــــو ســفـيـان ،،، بـــــــــــدا للــــنُــــظُـــم يـــفـــســـدهــا
و ان كانت دولة اسلام دون شك ، الا ان الاختلاف السياسي محرج على كل احد:
وديــــــن الـــدولـــه صـــــح اســـــلام … يـــــصــــم حـــــلـــــوگ ويـــســـدهـــا
يـــــــا ديـــــــن ؟ وأمــــيـــر الـــشـــام … لـــــهـــــا الچلـــــمـــــه يـــــرددهـــــا
ثم بلغ الامر بالتصريح انما القتال من اجل الحكم لا غيره :
مـــــــــــا قـــاتــلــتــكــم للــــــصـــــوم … لا حــــــــــــــــج لا مُــــحــــمــــدهـــا
بـــهـــالـــذهــنــيــه والــــمــــفـــهـــوم … لأمـــــــــور أخـــــلافــــة مـــهـــدهــا
و حيث الناس على دين ملوكها
وعـــلـــى ديـــــن الــمــلـوك الـــنــاس … شــــــمــــــا تــــعــــبـــد تـــقـــلـــدهــا
فقد عم التفرد و الكتم و انت كنت ترقب :
بـــهــالــرد الــفــعــل يــــــا حــســيــن … بـــهـــالــفــوضــى أل تـــشـــاهـــدهــا
فقمت و اطلقت صرختك التي لايمكن ان تفهم على غير اصلها و هو نبذ الظلم و الاستبداد:
گـــمـــت و اطـــلــقــت ـصـرخـه … ألـــــمــــا تـــــتــــأول أل ضـــــدهــــا
صرخة الاصلاح :
“أن لـــــــــــم يـــســـتـــقــم هــــالــــديـــن” … گـــلـــتــهــا واثــــبـــتـــت عـــــدهـــــا
فقام لك من بنيتهم ان يسكتوك بضد ماقمت اليه :
وبـــضـــد چـلــمـتـك لـــــن صـــــوت … ارتــــــفـــــع نـــــيتـــــه يـــفـــنــدهــا
فقالوا خارجي وقلنا بل انت السيد :
صــــاحـــوا خــــارجـــي وصـــحــنــا … يـــــــا حـــســيــن انـــــــت ســيــدهــا
و ينتقل لتمهيده بالثلاثة اشطر بقافية اخيرة تحمل روي محبوبه الذي بدأ به ، فيستأنف ان كلما صاحوا بصيحة باطل صحنا بضدها الحق ف :
صـــاحـــو أشـــركــت يـــــا حــســيـن،،، صــحــنــا انـــــت أصـــــول الـــديــن
وينهي ملحمته بما بدأ:
(صـاحوا بـيكم أكـفرنا) ،، فأكدنا من جديد و :
صحنا بيك آمنا
يحسين بضمايرنا
بقي ان تعرف ان هذه القصيدة الطفية الحسينية هي للشاعر النجفي الحاج رسول محي الدين ، و نظمها في بغداد 1974،و اشهر من قرأها في مجلس العزاء الرادود مله ياسين الرميثي (العبيدي) المتوفى قبل سنوات .