23 ديسمبر، 2024 1:03 ص

رواء القريض … (حديث)

رواء القريض … (حديث)

الابتكار في وصف الطبيعه .
ملأ الضحى عينيك بالاطياف من رقص الشعاع
وتناثرت خصلات شعرك للنسيمات السراع
الاجاده والابتكار في الوصف والتتشبيه ليس منوطا فقط بما يملكه الشاعر من القدره على التصرف بفنون البديع او المحسنات اللفظيه من استعاره وكنايه وتشبيه وغيره ..بل لابد اولا من تهيؤ الشاعريه الحقيقيه التي تمكنه من اقتناص الصوره من الطبيعه روحا وحسا بما اوتي طبعا لا صناعة ..وهنا يتميز الشاعر المتمكن فنيا عن الشاعر الموهوب حسيا ..فلاشك ان شاعرا من الطراز الاول كابي تمام والجواهري واقرانهما بما اوتي من امتلاك لناصية البيان والبديع يمكن له اجادة الوصف شعرا باريحية ..ولكنك ستجد جزالة اللفظ وفخامة الجمل التي اعتاد على تطويعها بيسر تطغى على الرقه والرومانسيه والانطباعيه التي تتركها تلك الصور في الذهن والحس ،فينشغل الشاعر الفحل في اعتلاء الالفاظ وتطويع المعاني وسبك الجمل ونظم الموسيقى على اعلى درجات الاتقان الشعري وهو مايليق به وبمكانته وثراء ملكته وقوة صناعته وتوفر آلاته وندهش ونمتع بما يصنعه..ولكن شاعرا من طبقة ادنى اوتي الروح الملامسه والقلب المرهف للتاثر ورقة الحاشيه ..شاعر يفتنه المنظر ويعيش بداخله ستحس بمايقوله اكثر وايسر، وتستحضر معه الصوره المجرده التي التقطها من الطبيعه وراح يضفي عليها من انسياب حسه قبل انسياب الفاظه ، ذاك ان شغله الشاغل هو التخلص مما بداخله من التأثر والافتتان بايسر الطرق ونقلها اليك ..وتؤثر البيئه عادة على الشاعر في هذا المضمار تاثيرا كبيرا فشعراء العرب في الاندلس اختلف جرسهم ولفظهم وحتى بناء قصيدتهم اختلافا كبيرا عن شعراء العرب في البادية والجزيره الى حد انهم ابدلوا الاستهلال الغزلي والطللي عند شعراء المشرق العربي بافتتاحهم قصائدهم بوصف الطبيعة ومباهجها وصارت اللوحات الفنيه المليئه بالازهار والوان الورود والتغني بالرياض هي الحاضر الدائم في مطالع قصائدهم …والامثله كثيره تعز على الحصر وليس مقامها الان …وكذا فقد رق ابو نؤاس والعباس بن الاحنف في بغداد الحاضره كما لم يكن عليه سابقوهم في البوادي او حتى معاصريهم ..وهكذا فان الاخوين منصور وعاصي الرحباني (الشاعران هنا ) كلاهما في فتوته عمل راعياً في جرود (ظهور الشوير) الخلابه في لبنان ، وطاردوا الماعز الشارد ، ومن هنا تفهم لم هذه الصور الرائعه المزدحمه الممتلئه بالتعبير..
وكان الابتكار هنا هو ربط الطبيعه بالانسان او وصفها من خلال الانسان واتحاده معها ..
مـن فتنـــــة الوديـــان لونــت مراميـــك الخصــابا
ومـلأت هــــــذا المــــــرج ألحـاناً و أنغامـاً عــــذابا
بيــن المرابع تشرديــن كظبيـــــة تهفـــــو اقتــرابا
المرج والالحان والانغام العذاب ..المراه او الفتاة الحسناء التي يراقبها والحقيقه انه اراد ان يرصد الطبيعه من خلالها وليس الامر كمن يتغزل كما اعتدنا الغزل ..وليس هو وصفا بحتا للطبيعه كما راينا فعل معظم شعراء الطبيعه ..لك ان تتخيل ظبيه تشرد وتهفو لتقترب بين المرابع ..وتتصور تلك الحسناء الرشيقه بدلا من ذلك وهي ترعى اغنامها او الماعز ..
تتعشقيـــــن الغــــاب أشجـــاراً و تهويـــن الرحــابا
وصفا يلامس الروح سهل التخيل حتى انه لو تهيا لرسام بارع سماعه لكفاه ان يرسم لوحة كما لو انه يشاهدها كأنه يتنزه في المروج وبين الاقحوان ولربما اجمل ، انظر :
يحكي الغدير صــدى هواه إذا مررت علـــى الغديـــر
ويصفق الشُحرور حين ترفرفيـــن علـى الصخــور
صوت الغدير انما هو حكايته عن هواه وتعلقه بك عندما مررت بجانبه..! والطائر الشحرور هو الذي يصفق والحسناء هي التي ترفرف فوق الصخور ..و:
تهويــــن قمات الجبــال الشم ، أوكــار النســـور
وتسامـــرين معاطــف الوديــــان بالسفــــح النظيـــر
الرنو الى الاعلى حتى وصول قمم الجبال حيث اوكار النسور ..هو ماتهواه وتحاوله …تأمل عبارة (معاطف الوديان) و(السفح النظير) الاتيه تماما بعد قمات الجبال ، الطبيعه متحده مع الانسان ومتناسقه وموصوفه ..واليك صورة اخرى من جانب آخرفي تلك الغابه او المرج ..
وعلى مصب النبع في الحنـوات لاح خيـــال راعــي
كوفيــــةً بيضاء تسبـــح فــــي المرابـــع كالشــراع
بعد “معاطف الوديان ” الان “حنوات ” الهضبه قرب مصب النبع ومن بعيد حيث الانحناء الارضي وبعد المسافه تحجب عن العين الا رؤية (الكوفيه البيضاء) التي لابد ان اشعة الشمس اظهرتها على راس ذلك الراعي الظاهر كالخيال البعيد والتشبيه هو الشراع ، فالكوفيه تسبح بالنسمات وهي بيضاء وتزداد ظهورا مع مسير الراعي واقترابه او ابتعاده ..لاندري ..! وهذا الراعي كان :
يشدو يقول وصوته الـــداوي يهيــــم بـــلا انقطــاع
سمـــراء يا أنشــــودة الغابات يا حلــــم المــراعي
كان مخاطبا تلك (الراعيه ) .. ولو ان موسيقيا موهوبا تأمل في هذه الكلمات لما وجد كبير عناء في ان يصوغ منها لحنا رائعا يتغنى به ..وهذا ماحصل..
ادهم الشبيب