23 ديسمبر، 2024 2:20 م

رنا جعفر ياسين تحيي رموز الحضارات العراقية (1-2)

رنا جعفر ياسين تحيي رموز الحضارات العراقية (1-2)

كتب / عدنان أبوزيد :
رنا جعفر ياسين اعلامية وفنانة وشاعرة عراقية ، تجمع بين الشعر والتشكيل والاعلام ، تعكف في الوقت الحاضر على مشروعها الجديد لتصميم الحلي يحمل اسم اوتونبشم المستمد من روح حضارات وادي الرافدين وهو الشخص الاسطوري في ملحمة كلكامش, و الوحيد الذي د حصل على سر الخلود كمنحة من الالهة. هذه الحوار يقترب من ابداع رنا ذي الاتجاهات المتعددة ، والذي يشير الى تجربة مبدعة عراقية تحاكي الهم العراقي ، على رغم الفترة الطويلة التي قضتها في الغربة .

**رنا جعفر ياسين ..من الشعر والتشكيل والاعلام الى اوتونبشم مشروعك الجديد لتصميم الحلي من روح حضارات وادي الرافدين, حدثينا عنه, وهل ستتخلين عن كل ما مضى لخدمة هذا المشروع؟
 ..اتونبشتم أعتبره مشروعا مهماً لا يلغي الدروب الاخرى التي قطعتها سابقا ولا يتعارض معها, لم أترك الشعر وانا أرسم ولم أترك اللوحة وأنا أعمل في التلفزيون. بالعكس اعتقد ان كل هذه المجالات ستخدم هذا المشروع بشكل افضل. أوتونبشتم هو مجال جديد أخوض فيه لتصميم الحلي من النحاس والاحجار الطبيعية, لكنه مستوحى بشكل كامل من حضارات وادي الرافدين ويمثل في مجمله بعضا من الرموز الصورية لتلك الحضارات العريقة. الهدف من المشروع ترويجي يقصد تعريف العالم برموز الحضارات العراقية المتنوعة من خلال حلي وأيضا اكسسوارات منزلية من النحاس, بالاضافة الى رسالة أطلقها من خلال هذا المشروع للدعوة الى الحفاظ على الاثار العراقية واصلاح ما تخرب منها خلال السنوات الماضية والدعوة الى ضرورة تعريف العالم بها من خلال مشغولات فنية تحمل رموزها وتنقلها الى كل أرجاء العالم.

مشروع تعريفي
 **لماذا اخترتي عنوان اوتونبشتم للمشروع ولم تختاري اسما اخر متداولا مثل عشتار او كلكامش؟
 ..اتونبشتم هو الشخص الاسطوري النصف بشر والنصف اله في ملحمة كلكامش, الوحيد الذي كان قد حصل على سر الخلود كمنحة من الالهة, وكان له دور مهم جدا في ملحمة كلكامش وفي تعزيز فكرة الخلود , لهذا اخترت هذا الاسم تعبيرا رمزياً لفكرة الخلود التي انشدها لرموز الحضارات العراقية من خلال هذا المشروع. أيضا سيهدف المشروع الى التعريف برموز كثيرة ليست معروفة عند الانسان العادي وسيكون هناك مع كل قطعة ملخص بسيط يعرفها للمتلقي.

** كيف كانت بداية الفكرة لهذا المشروع؟ ولماذا الحلي؟
 ..اعتقد ان هناك اكثر من بداية لهذا المشروع وخلال فترات مختلفة بدأت في البداية كأفكار متحمسة للبحث في اسرار حضارات وادي الرافدين. فمنذ ثلاث سنوات عندما كنت أفكر بكتابة برنامج وثائقي عن آثار العراق وجدت ومن خلال البحث لكتابة المادة أن الاثار الموجودة في العراق وقصصها تفوق ماكنت وضعت من خطوط عريضة في المسودة الأولى, لهذا توسعت فكرة البرنامج من مجرد برنامج يقدم على شاشة تلفزيونية الى برنامج كنت أطمح ان يكون برعاية مؤسسة ثقافية عالمية تعنى بالاثار مثل اليونسكو ويطلق على احدى الشاشات التلفزيونية تحت شعار حملة انقاذ الاثار العراقية , لكنني لم أوفق في هذا اذ وجدت ان الكثير من الفضائيات العراقية تبحث عن البرامج سهلة التنفيذ قليلة التكلفة, وبرنامج مثل هذا كان سيتطلب ميزانيات عالية وتخصيصا جيدا لوقت العرض على الشاشة, فوضعتها على الرف مؤقتاً لأنه عمل مؤسساتي كبير. أيضا أنا بطبيعتي أحب اقتناء تذكارات من كل البلدان التي أزوروها وأحب المشغولات اليدوية ولكنني لا أملك في بيتي أي تذكار عن العراق. هذا آلمني كثيرا,لماذا لا أملك أي تذكار عن العراق العظيم الغزير برموزه الحضارية. خلال هذا بقيت أبحث, وكنت أتألم وأنا أجد ان معالمنا العراقية وحتى المعاصرة منها تخرب في كل يوم أكثر وأن أساليب الحفاظ المعمارية المتبعة تسيء للأثر والتراث أكثر مما تنقذه بالرغم من أننا نملك كوادر جيدة من المتخصصين في طرق الحفاظ المعماري وكنت أقارن ما درسته في الجامعة من اساليب الحفاظ المعماري مع ما أراه وما رصدته من معلومات فأجد أن كل اثارنا وتراثنا في خطر كبير. كانت الافكار تتوالي في مخيلتي, حتى جاءت لحظة فكرت فيها بالعمل الفردي على المشروع وبامكانيات شخصية لتكون بداية المبادرة, استفدت من اقامتي في مصر التي تزدهر فيها كل الحرف التقليدية اليدوية وكنت خلال عملي في التلفزيون قد دخلت الى ورش كل تلك الحرف وصار عندي معلومات جيدة عن المواد واسلوب تنفيذ كل منها, لهذا قررت أن أبدأ مع الحلي النحاسية والاحجار, وباصرار يقصد المطالبة باعادة احياء حرفنا التقليدية في العراق وترويج رموز حضاراتنا المتنوعة والدعوة الى حماية الاثار والتراث العراقي من خطر الزوال. الرسالة الأساسية للمشروع ذات بعد ثقافي وانساني ينشد حماية الثروة التاريخية الهائلة التي نملكها وترويجها من خلال وجه من اوجه السياحة الثقافية, سأحاول أن أضع هذه المنتجات في متناول من يسأل عن حضارات وادي الرافدين ويريد اقتناء تذكار عنها. بدأت فكرة المشروع بتصنيع الحلي وتوسعت لتشمل بعض اكسسوارات البيت الصغيرة مثل الشمعدانات والفواحات وتعليقات حائطية وأطمح أن يتوسع المشروع أكثر.

** أنت الان خارج العراق, كيف ستخدمين مشروع اتو نبشتم ؟
 .. ظروف بقائي خارج العراق قد تطول الان ولكن اثارنا لن تنتظر وحماسي يزيد للتعريف بآثارنا وهي تستحق اكثر من هذا, لهذا أجهز الان لاقامة اكثر من معرض أطلق من خلالها رسالتي بالدعوة الى حماية وانقاذ اثارنا العراقية. واطمح ان يكون هناك تنسيق مع الاعلام والمؤسسات المعنية لايصال هذه الرسالة الى العالم والى المسؤولين العراقيين.

**متى العودة الى الوطن بعد طول اغتراب ؟ وما أول مكان ستقصدين اذا ما وطأت قدماك الارض هناك؟
 .. عدت فعلاً الى بغداد في تموز عام 2011 بغد غياب كامل لخمس سنوات, لم أجد ما ألفت من المدينة, قبل خرابها, وبعد خرابها الذي شهدته حتى عام 2006. كأنني صرت أفتح عيني على نسخة مزورة من بغداد. بدءً من المطار حينما لفحني لهيب تموز الذي ازداد لهيبا على لهيبه كأنما اخترق رأسي ولسعني في أعماق الروح. طلبت من أخي الذي اصطحبني من المطار أن أزور منطقتنا الأعظمية .. بحثت عن الشوارع التي قطعتها في الماضي, كانت ظهيرة صفراء شاحبة, كنت مصرة على أن يصطحبني الى شارعنا وبيتنا في مشهد درامي يمتزج فيه الحنين بالخوف من فتح ذاكرة الألم السابق, ملأني الحنين الى بغداد وبقدره ملأني حنين آخر الى بيتي القديم, ذاكرتان هما سيدتا ذلك المشهد ذاكرة الطفولة وما كان من العائلة ورؤيتي التي بدأت تتفتح على العالم هناك, وذاكرة أخرى ثقبها القتل والدم والجثث وعتبي على البيت الذي كان سبباً في اختطافي ومعاناتي من أجله فيما بعد والتي استمرت حتى عام 2009 وانا احاول انتزاعه من براثن المجرمين الذين استولوا عليه وشوهوه. وصلت أول الشارع, تغير كثيرا, تغير جدا, صار أضيق وصرت أرى نهايته أكثر قربا مما كانت حتى أنني عبرت بيتنا القديم دون أن أعرف وقد صار في مكانه عمران آخر, حديث ومختلف. لم يتحسس قلبي المسافة للبيت, كان مشهداً من الأقسى مما شاهدت وعرفت. بكيت, بقيت بعدها أبكي كلما مررت بشوارع كنت أعرفها في بغداد, لم يكن أي شيء على حاله, كأنها مدينة تقوم على العدم, رمموها برخص, قطعوها ووسخوها. غادرت بغداد أحمل في قلبي صورتين لها ولم أتحمل وحشة الصورة الثالثة. الخراب هناك هائل وكبير ويتطلب صرخة انقاذ.

 الادب الذكوري
**كيف تقيّمين الأدب النسوي والعراقي؟ ثمة من يرى ترهلا في الكم على حساب النوع ، وهل ثمة التقاطات مهمة للجيل الجديد؟
 .. جوهر المشكلة يكمن في هذا التصنيف اساسا, أدب نسوي وأدب ذكوري. بحديثنا عنها نرسخ لها , نحن نتحدث دون أن نعبرها بحلول واقعية, فقط نثيرها دائما وكأننا نستمتع بأننا نكشف الغطاء عن هذه التمييز الأدبي وما خلف من تابوهات ومحرمات جاءت من المجتمع الى الأدب وبالتالي قدمت تجارب هشة للمرأة في بعض الأحيان وقسوة من المتلقي حين تلقيها . أرى أن علينا أن نهمل هذا التصنيف اذ لا يصح تصنيف الأدب أو أي نتاج انساني معرفي أو ابداعي على اساس الجنس أو اللون أو الدين أو الانتماء, الاختلافات في هذه المفردات تولد ميزة ممكن ان تكون ملمحا لمرحلة معينة تعبر عنها دون أن تخضعها الى تصنيف دائم يبنى عليه, نحن بالحديث عنها دون حلها وانا ارى أن اهمال هذا التصنيف هو أحد أوجه الحل نرسخها ونكسر ثقة المرأة بقدرتها على التعبير, علينا أن نساهم بكسر هذا الحاجز بين المرأة والرجل بأن نجعل الأبواب مشرعة لتقبل عطايا الانسان بصفته الانسانية لا بصفته النوعية وهنا سنساهم بتحرير المجتمعات من قوالبها التي وضعت على اساس انواع التمايز التي قلناه, أشعر ان كثيراً من النساء خائفات وهن يكتبن وخائفات مما يكتبن, يتخبطن, يثرن, يخجلن, المشكلة في الأدب الذي تكتبه المرأة أنه مازال حبيس قيود المجتمع في أحيان كثيرة, وأكاد أجزم أن كثيراً من الطاقات النسائية في الأدب يمنعها مجتمعها العام أو الخاص من أن تكون متواجدة على الساحة الثقافية . نعم الآن هناك كم هائل من العشوائية ونوع قليل من الأدب الجيد الواعي وهذا ينطبق على نص الرجل ونص المرأة وإن كانت النسبة أكبر مع المرأة بسبب التمايز الشائع. هذه الظواهر موجودة في المنطقة العربية لكن بنسب مختلفة بحسب طبيعة المجتمعات ومعاييرها القيمية بالاضافة الى مكانة المرأة فيها, وفيما يخص المجتمع العراقي هناك سنوات طويلة من القهر والحروب والموت حفرت عميقا في بنية الانسان وساهمت في احيان كثيرة برجوعه الى الخلف والى سلطة العُرف , كل تلك المفردات الموجعة تركت بصمات واضحة في التجربة الحياتية اليومية وفي سلوك الناس هناك وما النتاج الابداعي الا جزء من تلك الحياة, يعكس كثيراً من تداعياتها بل ويعبر عنها. لا يوجد نتاج انساني او ابداعي كامل على المستوى العام , هناك تجارب فردية متميزة تتكامل مع تجارب فردية أخرى متميزة لتحقق حراكاً ايجايبا في حقول الابداع ولا يوجد اي مجال في العالم يتحقق فيه الكمال اذ يجب ان تكون هناك حالة من التفاوت أراها صحية بالاضافة الى رغبة بالارتقاء نحو الأفضل. اليوم ومع كثرة المنافذ الاعلامية وغياب الرقابة عن أغلبها برزت مشكلة كثرة النتاج الابداعي الضعيف بالمقارنة مع التجارب الرصينة إذ صار من السهل على الشارد والوارد أن ينشر لا سيما في المنتديات والمدونات الخاصة, بالاضافة الى تفاقم ظاهرة المحسوبيات والأغراض الشخصية لكن تبقى دائما الغلبة للأفضل الذي يفرض نفسه من خلال الاستمرار في التجربة الأدبية وتطويرها.
 وبخصوص الجيل الجديد, بالتأكد هناك التقاطات مهمة وواعية لهذا الجيل ترسخ لمفاهيم الحياة المعاصرة التي عاشوها وستكون لتجاربهم ملامح خاصة .

الدمج في المجالات
 ** هل أخذك مشروع اتونبشتم من الكتابة؟ ما جديد المشاريع الكتابية لاسيما الشعرية التي ننتظرها منك ؟
 .. لا بالتأكيد, لم يأخذني من الكتابة, استطيع الدمج بين أكثر من مجال في وقت واحد وافصل بينهما, كتبت اكثر من كتاب شعري, هم جاهزون للنشر. ربما قريباً سيبصر احدهم النور. في الماضي كتبت عن الحرب وعن أوجاع الانسان, هذه المرحلة في الكتابة انتهت منذ عام 2008, أشعر أنني انفتحت أكثر على عوالم أخرى في الشعر , وتضمنت هذه المشاريع الكتابية الجديدة تجارب مختلفة ورؤى جديدة تختلف عما أنجزت في الماضي. بطبعي أميل الى التجريب و لا أستطيع وضع رؤاي في قوالب جاهزة ومن ثم أسعى الى تطويرها وانما أبحث دائما عن أشكال جديدة ورؤى جديدة أطور من خلالها بنائي اللغوي والصوري. اشتغلت على مشروع نكهة الكون الذي بدأ في عام 2008 وأنجزته في بدايات عام 2010 , نشرت بعضا منه في الصحف وكان بمثابة بيان شعري فيه تجريب عال جدا وكسر كل الثوابت البنائية في النص وخلال بحثي في هذا المشروع انفتحت لي أبواب اخرى رأيت من خلالها أساليب يمكن أن تنفع فيما أسميته الكتابة العلاجية التي تهدف الى التطهر من الالم من خلال الكتابة وبتقينيات سهلة يمكن أن يمارسها حتى الانسان العادي الغير كاتب, ومشروع نكهة الكون اتسع مداه عندي من الكتابة الى الفن التشكيلي ايضا, وهذا أجلت طبعه من عام 2010 لأنه يحتاج الى ميزانية عالية فهو مشروع من أربعة كتب أحدها يتضمن لوحات ملونة. هنالك أيضاً مشروع كتابي آخر للغواية قواميسها ولك احتمالات البياض هو نصوص شعرية يمتزج فيها الكوني بالوجداني, خرجت من أجواء الحرب التي كتبتها سابقا. أيضا هناك كتاب شعري آخر متكون من نص طويل أستثنيك وأوقظ القيامة كسرت فيه حاجز المقدس المعتاد الى ابتكار خليقة أبتغيها ومساحات من العشق الطوباوية مناهضة لصوت آخر قديم يظهر في النص. هذه الكتب الشعرية منجزة لكنها لم تطبع حتى الان بالاضافة الى كتاب شعري جديد مازلت اعمل عليه وستكون فيه لعبة بصرية ورواية مازالت قد الانجاز.

 ** لاحظت أن العناوين كانت جاهزة أحيانا وهناك كتب لم تسميها فيما لم يطبع, لماذا تعلنين عن اسم كتاب لم يطبع حتى الان وربما قد يتغير اسمه فيا بعد؟
 .. عندما انجز الكتاب اكون قد قرأته وراجعته لمرات عديدة, وعادة مايكون الاسم مرافقا لي منذ البداية وقد يتغير قليلا خلال مرحلة الكتابة , لكنه يثبت بمجرد أن اشعر ان الكتاب قد أنجز وصار في هيئته النهائية, مرحلة الطباعة هي المرحلة الأخيرة التي لا اختار فيها أبدا العناوين, بالنسبة لي العنوان مهم ويجب ان يكون جزء مكملا للنص الداخلي المحتوى في الكتاب. أما ما لم أسميه فهو ما لم ينجز بعد ومازال في مراحله الكتابية لهذا يكون العنوان بالنسبة لي مازال قيد التجربة حتى يكتمل الكتاب.

 **أغلفة كتبك هي لوحات لك, لكنك لا تقيمين معارض فنية, أينك من الفن التشكيلي الآن؟
 .. الفن التشكيلي جزء من تكويني النفسي والانساني, لكنني لا أستطيع بيع لوحاتي, هناك علاقة وثيقة بيني وبين لوحتي لا تمكنني من التخلي عنها باهدائها أو بيعها, لهذا أهرب دائما من فكرة اقامة معرض للوحاتي بالرغم من أنني أفكر أحياناً باقامة معرض لغرض العرض فقط. اعتقد ان عجزي عن بيع اعمالي التشكيلية كان احد الاسباب التي شجعتني على الدخول في مجال تصميم الحلي لأنني هنا سأكون قادرة على تصنع اكثر من نسخة عن القطعة التي اصممها وبالتالي سأتمكن من بيعها وتبقى عندي النسخة الاصلية الاولى.

الانتماء الفني
 ** الى أي مدرسة تنتمين في الفن التشكيلي؟
 .. لا انتمي الى اي مدرسة, أبحث عن خصوصية لي وأيضا يحفزني التجريب في ابتكار تقنيات جديدة, بدأت بالحديد وشكلت جداريات من الحديد مع مواد اخرى, انتقلت بعدها الى الرسم بالحبر , ومن ثم الكولاج بتقنية اقتربت من مؤثرات دراستي للعمارة. في الفن والشعر أبحث عن مناطق غير مأهولة وتستحق المجازفات.

 ** تقولين انك اعتمدت على الرموز الحضارية في تصاميمك , يعني الجانب البصري المدعوم بتجربتك التشكيلية, أين النص السومري من هذا المشروع؟ الم يحفزك النص السومري كشاعرة ليكون ضمن مشروعك اوتونبشتم ؟
 .. النص السومري موجود في المجموعة فلقد اخترت مقاطع من ملحمة كلكامش وايضا بعضاً من الامثال الشعبية المتداولة قديما بالاضافة الى اقدم النصوص التي عثر عليها خلال التنقيبات, ما عجزت عن الوصول اليه حتى الان هو قاموس يعنى بالكتابة المسمارية وأتمنى تعلمها وكيف كانت تكتب.

** ثمة من يرى انتكاسة شعرية عراقية في الوقت الحاضر ، فليس ثمة شعراء يٌسمِعون صوتهم باقتدار الى الجمهور ، ام ان ثمة امية شعرية تحول دون صوت الشاعر الى الجمهور؟
 .. هنالك قطيعة بين الشاعر والمتلقي, صارت تتزايد اكثر في السنوات الأخيرة , أسبابها كثيرة منها غياب وعي المتلقي بتطورات الشعر وخروجه عن مناطقه الكلاسيكية القديمة. بالاضافة الى أن المناهج الدراسية مازالت قائمة على تعريف الشعر بأنه الكلام الموزون المقفى, ولايوجد أي تعليم للطلبة بالمراحل التي قطعها الشعر ليظهر اليوم بأشكال مختلفة, هنالك ايضاً مشكلة عقم القراءة , فكم من العراقيين مازال حريصاً على اقتناء كتاب وقراءته وحتى لا نكون مجحفين فمشكلة القطيعة بين المثقف او الشاعر خصوصا وبين المتلقي هي مشكلة عربية بامتياز وهذه الاسباب تتفاوت بنسب من بلد لآخر, أيضا لدينا مشكلة الاعلام الثقافي, في التلفزيون والورقيات, وأنا أعول اكثر على التلفزيون لأنه الوسيلة الاعلامية الأكثر تأثيرا والتي تدخل الى كل بيت وتخاطب كل الأعمار والشرائح, هناك عدم اكتراث بالبرامج الثقافية وعدم وجود استراتيجيات واضحة لخطة عمل تلفزيونية تجذب المشاهد لمتابعة برنامج ثقافي, نحن نحتاج الى شكل جديد للبرامج الثقافية نجعلها جاذبة للمتلقي في شكل ومضمون يختلف عن المألوف في البرامج الثقافية, أيضا نحتاج الى برامج قصيرة أشبه بفاصل يتناول جانب تعريف المشاهد بأوليات المشهد الثقافي لنجلعه يقترب اكثر من حاجته للثقافة, اعتقد اننا نعاني من غياب الفهم الضروري لأهمية التثقيف. بسبب هذه المعطيات صار الشعر الأكثر تضررا من بين فصول الابداع ولهذا ايضا نجد ازدهارا اكثر للرواية بحكم أنها وبالرغم من التطورات التي حصلت فيها الا أنها الجنس الأدبي الأكثر قرباً من الحكي , والتي يسهل فك شفراتها من قبل القارئ.

** الشاعر العراقي فقد التواصل مع جمهوره ، ودليل ذلك ان الامسيات لا يحضرها سوى النزر اليسير ، كيف تقلبين الامر؟
 .. ساهمت الظروف العامة في العراق بفقدان التواصل بين الشاعر والجمهور, اختلفت أولويات الناس و هذا من سوء حظ الثقافة, ايضا تداخل المفاهيم الثقافية وعدم وعي الانسان العادي بمتغيرات المنجز الثقافي في كل مجالاته. كلها تشاركت لخلق تلك القطيعة. ربما نحتاج الى تأسيس جديد لأهمية الثقافة في بنية الانسان تبدأ من المدرسة والشارع والتلفزيون لتدخل مرة أخرى الى البيوت العراقية فتصير جزء منها. كما وعلى المثقف أن يسهم في هذا و أن يخترق الاخرين بمنجزه لا بأناه الخاصة فمازال مثقفنا ولا أعمم طبعاً يميل الى المحسوبية والى الغاء الآخر. علينا أن ننحاز للأنسان المبدع ونتفاعل معه لنستطيع العمل مرة أخرى على احياء دور الثقافة في الحياة ونعيد للانسان العادي ركيزته الثقافية المهمة في تكونيه وانسانيته.

 ** ما اهم الشعراء الذين تأثرت بهم ، وما الكتّاب أيضا؟
 .. لا أتفق مع فكرة التأثر في الشعر لأنها ستولد تجربة مستنسخة عن الأصل ولن تكون لها قيمتها الأصلية. لكنني أحب من خلال القراءة مثلما كنت أحب حينما كنت أحاور كاتباً أو فناناً أن أتقصى عوالمهم وأستكشفها لأرى وأتحسس كيف يفكرون وكيف يؤسسون لمنجزهم الابداعي, تستفزني ايجابياً الفكرة ولغة النص ورؤية الكاتب وبناءه, أحب النص الذي يثير الدهشة وما أراه طازجاً, أيضاً احترم الكاتب الدؤوب المثابر في سعيه للمغايرة, لهذا أحب أن أقرأ لأسماء كثيرة ليست في مجال الشعر فقط وانما في ألوان الكتابة الأدبية. و لا أنحاز في الكتابة الى جنس الكاتب إن كان رجلاً أو كانت امرأة ولا أنحاز الى عمره أو مدى شهرته, يهمني المضمون وبراعته في اجتذابي لاكمال قراءته.

 عن جريدة الزمان الدولية