23 ديسمبر، 2024 10:52 ص

رمضان والفقراء في العراق

رمضان والفقراء في العراق

جاء رمضان, شهر الخير والعطاء . تلك الايام التي تسمى مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد . حّل هذا الشهر الفضيل الذي يتم فيه تنقية النفوس وترويضها على الخير والفضيلة والعمل الصالح وكذلك التكافل الاجتماعي بين الناس… رمضان في العراق له طعم مختلف، فهو يأتي في ظل موجات حارة جداً , حيث تجد اناس يصومون تحت حرارة تموز اللاهبة ، وكذلك تجد فقراء قد لايجدون قوت يومهم فيتمون صوم هذا الشهر الفضيل . وموضوعي في هذا السطور القليلة هو الفقراء رغم انه ليس بجديد ومتكرر لكن ( فَذكِر إِن نَّفعت الذِّكرَى) وكذلك بودي ان اسأل اسأله قليلة عن هذه الطبقة المنكوبة, لاننا بتنا في العراق نعيش تحت شعار “كلمن يكَول ياروحي”  … من مراتب السمو الانساني هو التكافل الاجتماعي بين الاخوة ، وهذا التكافل والمساعدة يعبر عن عمق العلاقات الاجتماعية وتلاحمها, وكذلك يتم من خلاله ترسيخ مبدأ الحب والمودة الاخوية في اذهان الناس, وهذا المبدأ له طعم خاص في رمضان وتكون حاجة الفقراء فيه اكثر, حيث ان هذا الشهر رغم مباركته وتضاعف الاجر فيه, كذلك تكون المصروفات والتكاليف جسيمة, فالمواد الغذائية ترتفع اسعارها وكذلك “البانزين” للمولدات لانقطاع التيار الكهربائي وافشاء البطالة وماشاكل ذلك . ومما يؤسف له ان الطبقات “الفقيرة” تكثر في بلاد النفط والخيرات!, فإينما تذهب تجد الوجوه الكالحة التي يكسوها هذا المرض القاتل الذي لو كان رجلاً لما توانى في قتله علي! كنت اتجول في احدى المناطق البائسة (الحواسم) وحدثت لي مصادفة برؤية امرأة تسكن في حاوية حديد يخرج منها الحر كالنار المستعرة . فسألتها كيف توفقين بين صومك والحر وتكاليف رمضان ؟ فترد: <هذا امر الله, خالة ياتكاليف . الناس كلمن ملتهي بروحه>. لم اجد بدًّ غير النظر بيأس لهذه المرأة المسكينة . والبكاء على هذه المأساة التي تفصح عن قسوة قلوبنا وبعدنا عن مسار العمل الاخوي في هذا البلد . ماهو فعلنا الانساني الذي يشار له بالرحمة في هذا الشهر؟ هل اعدنا عزماً ونية صادقة لمساعدة هذه الطبقات المحرومة؟ ام ان اهتمامنا وتفكيرنا في استقبال هذا الشهر لايتجاوز شراء البضائع وتكديس الاطعمة والتفكير ملياً كيف يتم طبخها بصورة جيدة!  . ومن يجعل جل اهتمامه هو الطعام والبضائع والملابس فهذا يمثل الدرك الاسفل من الانانية ، اليس من الواجب ان يكون لدينا احساس بالفقراء واليتامى عن طريق المساعدات والدعم المادي . ونحن نعلم ان رمضان يأتي ليخرج بذور الخير المتجسدة بموائد الرحمة ودعوة المساكين عليها . اين نظرتنا الاخوية التي يؤكد عليها الدين الذي ندعي الانتماء له, وهو يجعل الفقر مع الكفر في خط واحد! واخواننا لم يجدوا  مايسدون به رمق الجوع والعطش, وعلاوة اننا نقضي رمضان نائمين تحت التبريد والمكيفات, وتركنا نفوساً تحترق تحت حرارة الشمس المضنية . والمشكلة الكبرى انه لايوجد سلطة حكومية ومؤسسة دينية ترعى هذه الطبقات, فبينما لايهنئ الفقير ساعة تحت نسمات التكييف الباردة يعيشون مسؤولينا بحبوحة العيش في بيوتهم الفارهة, ودول اوربا, واذا كانت مساعدات فتأتي بشكل فردي من الخيرين . كنت رأيت قبل ايام احد الخيرين الذي يصرف من جيبه الخاص ويوفر حصص رمضانية للفقراء . فقال لي صديقي . الا تعتقد ان هذا الرجل الذي يوفر الحصص افضل من المؤوسسات الدينية التي ربما تملك من الاموال مالايكسر بالفؤوس !. عندها ندبت حظنا العاثر فمؤساستنا للرياء و “الفيكة” . والفقراء يتلوون تحت سياط الفقر المدقع . وان مسؤولينا فقط يخرجون من على شاشات التلفاز  ينّظروا برؤوسنا ويوعدون الوعود الكاذبة التي سئمنا سماعها كما سئمنا النظر الى وجوههم .. ابارك للشعب العراقي حلول شهر رمضان . واسفي على مساكيننا الذين لايجدون مايفطرون به ونحن نمتلك ثروات طائلة تشرأب اعناق الدول عند التطرق لها, ففوق ثرواتنا, مسؤولينا في شهر رمضان عاجزين حتى على توفير مفردات البطاقة التموينية!