23 ديسمبر، 2024 6:00 ص

بداية الآدمية
آدم ومن آدم حواء هكذا كان الخلق الذي تميز عن المخلوقات بأمور نعرف منها:
منظومة عقلية تحفظ وتفهم وتعالج وتستخرج من المعرفة علم جديد.
أن لهذا المخلوق حاجات، لديمومة حياته من مأكل ومشرب.
أن له غرائز لكن لم يك النوع في أول خلقه منها رغم أنها تكليفا لإدامة السلالة في الأرض وهي من أسباب خلقه (إني جاعل في الأرض خليفة).
الحاجات والغرائز
الحاجات هي الكفاية للديمومة، بيد أن الغرائز هي دوافع تتجاوز الكفاية وتحتاج ضبط.
إن الغرائز والحاجات تشكل مع بعضها منظومة الدوافع والحراك المنتج للإنسان، فليس هنالك من حراك للإنسان إلا بدافع من سد حاجة أو إشباع غريزة وان لم تنضبط اتجهت إلى الشطط مما يؤدي إلى أذى للذات أو المجتمع.
إعادة ضبط المصنع
رمضان يشكل عنصرا تهذيبيا مهما في ضبط منظومة الغرائز والحاجات، وتفعيل المنظومة العقلية من السمع والبصر وأحاسيس الفؤاد، فهو عملية تنقية وتصفية وإعادة تنظيم وتموضع للمصفوفة البشرية إلى حالة الصنع السليم، حقيقة الأمر أنها فرصة لهذا المخلوق كي يفعل ذلك، فمنهم من ينتبه ويتجدد ومنهم من ينسى كما نسي آدم  فغوى.
حكمة وجودنا على الأرض:
علم آدمَ ربُّه كل ما يحتاج من معرفة، لكنها معرفة معلوماتية لم تأت بممارسة وتجربة، فأصبحت خزينا لكنها لم تعالج في منظومته العقلية، نسي المحاذير وضبط الذات والطاعة الواجبة لخالقه عندما أثيرت غرائز عنده لم يحكمها بمنظومة عقلية لم تتفاعل مع المعلوماتية الموضوعة فيها، فتحركت غريزة حب البقاء والخلود وحب التملك، لم تناقش فاتجهت لتهيمن على الإرادة ليتجاوزا الحد فتظهر غريزة أخرى هي النوع، وهنا توقف الإغواء فانتبه آدم وحواء إلى طلب ستر أنفسهما ولم يتماديا.
الأدمية على الأرض ليست كسائر المخلوقات، وليس كأي مما سبقها من مخلوقات باي هيئة خلقت، أنها خليقة ذات منظومة عقلية خاصة مبدعة قادرة على تجاوز حجمها بكثير فيما تبتكر من وسائل، فمعظم ما صنعه الإنسان أكبر من حجمه، صنع ما يطير ويبحر ويسير، وبنى السدود والعمران العملاق وناطحات السحاب، بل تفنن في صنع الجديد والإبداع، هذه المنظومة عندما تعالج المعلوماتية تنتج الجديد ولا تدورها كانطباعات، لان تدويرها كانطباعات لن يجعلها تعيش بغير الكهوف وحياة من غير تخطيط أو أهداف وغايات.
الحداثة ورمضــان:
عندما اتجه الإنسان إلى التقنية وأبدع فيها وتوالدت لتكوين نمطا للحياة اضحى غالبا اليوم على تفاصيل حياتنا ووجودنا، لم يأخذ إلا جانبا واحدا من الآدمية وهي قدرتها على استيلاد الفكرة والتطوير، لكن لم يأخذ لحظة التوقف عندما تفعلت الغريزة واقعا وليس في الأمنيات، فإبليس أعطى أمنيات استساغها آدم، خلود وملك لا يبلى (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)، في تلك اللحظة نسي خالقه وما علمه لكن غرائزه هيمنت عليه، هنا في عالم الحداثة الإنسان اتخذ طريق الملك الذي لا يبلى ونسي القيم الأخلاقية واتجه إلى ما تقتضي النفعية من سلوك، حسن عندما يفيد منها وسيء عندما يكون السوء فيه مصلحته الظاهرة، ونسي انه ليس بخالد في الحياة.
رمضان إن اتخذناه من ناحية التدين لإشباع غريزة فسنصل إلى أن نخرج منه برضا إشباع أي غريزة، لكننا لن نعيد ترتيب مصفوفة الإنسان فينا، كل امر لا يستند إلى تفعيل المنظومة العقلية في التدين سيقود إلى الشطط ولطالما رأينا ما تسبب من خراب وتفكيك للمجتمع الآدمي، كذلك تفعل أي غريزة أخرى كحب التملك وما ينتابها من شطط في جمع الأملاك وما تحطمه من العمران والإنسانية في هذه الطريق التي تعد نجاحات لتنفيد خطط كبيرة وفوز بما لا تملكه وان ملكته.
الخلاصة
إن ضعف عزم آدم نكرره بالنسيان ومعالجة المعلومة بشكل متكامل، فعندما نتجه إلى الدين، أكثرنا يتجه غريزيا، فلا يجد في الدين أكثر من إشباع غريزي فلا علاقة له بالحياة، وعندما نتجه إلى العمل والمدنية عموما نتجه بغريزة حب التملك وغريزة حب السيادة وغيرها من الدوافع التي لا تتوقف بدون انضباط من قيم أخلاقية وإنما نتعامل بسلوك النفعية الذي يبدو من مكارم الأخلاق نوع من الزيف انطبع عليه الناس، اذًا نحن جعلنا غرائزنا تستعمر منظومتنا العقلية، بينما المطلوب أن يكون العكس هو الصحيح، والا ما خرج آدم من الجنة فلاشك أن الإنسان بحاجة إلى ضبط المصنع الرمضاني ليفكر ويتأمل ويوجه السلوك بضوابط الأخلاق لا النفعية، ولا يكون متدينا بلا دين وسلبي في محيطه.

رابــــــــــــــــــــــط

رمضان والحداثة ومعالجة المعلومة – محمد صالح البدراني