رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة السادسة والعشرون

رمضان بين الماضي والحاضر – المقالة السادسة والعشرون

كانت المعاناة في السابق تبدأ من وسائل النقل بين القرية والمدينة أولاً، ولغرض التهيؤ لشراء حاجيات شهر رمضان المبارك، والتي كانت بسيطة جداً كما ذكرناها في المقالات السابقة، كان لابد أن يقوم رب الأسرة نفسه بشراء تلك الحاجات من المدينة، والتي كان يقصدها مرة أو مرتين أو ثلاث في السنة…

نعم، لقد اختلف كل شيء في المفهوم الاقتصادي للعائلة الريفية. ومع أننا نرى أن هناك ضعفاً في التواصل الاجتماعي وصلة الأرحام بين الناس، إلا أننا نشعر بأن الظروف التي تعيشها العوائل أصبحت تتماشى مع هذا الأمر. وربما أن أغلب العوائل أصبحت تفضل العزلة على نفسها من مفهوم الاختلاط العام لأسباب كثيرة، ويعتقدون أن في مقدمتها توفير الراحة الخاصة لعوائلهم…

اليوم، أصبحت الأغلبية من العوائل الريفية تمتلك وسيلة النقل في منزلها من السيارات ذات الطراز الحديث، وأصبحت المدينة بفضل هذه السيارات وفضل الطرق الريفية المعبدة قريبة جداً. وأصبحت أبعد قرية تابعة إلى محافظة نينوى تعتبر قريبة من مدينة الموصل بفضل وسائل النقل الحديثة. وأصبح أبناء القرى والأرياف يتجولون في المدينة إلى ساعات متأخرة أحياناً من الليل، بعد أن كان الحرمان في السابق يعتبر أن هذه الأمور الاجتماعية شبه مستحيلة، فابن القرية ينقطع تماماً عن المدينة بعد ساعات الظهر، حيث أن أغلب وسائل النقل تتوقف عند هذه الساعات، ولن تجد أي مسافر في الليل إلا من كان منتسباً للقوات المسلحة ويصادف نزوله في إجازة اعتيادية لعائلته…

اليوم تجد أن بعض العوائل الريفية الذين يمتلكون السيارة الشخصية في منزلهم يقومون بزيارة المدينة والذهاب إلى مطاعمها أحياناً لتناول وجبة الإفطار. وأجد قسماً من الشباب أحياناً متواجدين حتى في فترة السحور داخل أسواق المدينة في الموصل، والتي تبقى مفتوحة في الليل والنهار في هذا الشهر المبارك. وهذا كله بسبب ما ذكرناه من تحسين في الوضع الاقتصادي للعائلة الريفية ووجود مردود دخل ثابت شهري، وكذلك توفر كل وسائل ومتطلبات حياة العصرنة الحديثة. فابن الريف اليوم يتميز بذكائه المفرط ويتفاخر بتوفير كل مستلزمات ومتطلبات الحياة الحديثة لعائلته. ولذلك تجد أن أغلب البيوت في الريف متوفر فيها وسائل الترفيه والتكييف وكل متطلبات الحياة الأخرى أكثر من الموجودة لدى عوائل المدينة نفسها. فلقد ولى زمن الحرمان وزمن وجبة الإفطار على الخباز أو الكعوب أو على ما تبقى من طعام الأمس…

اليوم نجد أن الموائد الرمضانية عامرة لدى أهلنا الكرام أبناء القرى والأرياف بكل أنواع الخيرات الربانية، وهم يستحقون ذلك لأنهم أصحاب الكرم والجود، ويشهد لهم ولأهلهم وآبائهم التاريخ. ولكن قصر اليد أحياناً هو من يضع الإنسان في خانات معينة…

نعم، إن ابن الريف بكرمه وجوده يعيش اليوم حياة مختلفة تماماً، ويستطيع أن يقوم بضيافة العديد من الأشخاص وبكل طيبة نفس ومحبة…

وإلى مقالة رمضانية أخرى، ورمضان كريم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات