رمضان بين الماضي والحاضر المقالة السابعة

رمضان بين الماضي والحاضر المقالة السابعة

كنا نواجه العطش الشديد أثناء الصيام في فصل الصيف، لاننا لانملك في بيوتنا أي أجهزة تبريد كما هو الحال الآن، وذلك لعدم توفر الطاقة الكهربائية في تلك القرى والمناطق الريفية. لذلك، كنا نتوجه دوماً إلى شاطئ نهر دجلة الذي يبعد عن قريتنا كيلومترين تقريباً، نقطعها ذهاباً وإياباً مشياً على الأقدام…
كنا نقضي بعض الوقت هناك، خاصة في فترة الظهيرة، لنعود إلى قريتنا قبل غروب الشمس، ننتظر صوت المؤذن وهو يعلن موعد الإفطار…
ومع تلك الحرارة الشديدة في فصل الصيف، إلا أننا تعودنا على هذه الأجواء اللاهبة، ومع تلك البيئة التي لم يكن لدينا أي بدائل لها سوى الصبر وتحمل درجات الحرارة العالية. كنا نفضل دوماً الجلوس في ظل بيوتنا الطينية التي تحمينا من أشعة الشمس…
في منتصف السبعينات تقريباً، وصل إلى قريتنا مادة الثلج، التي كان يجلبها لعوائل القرية صاحب سيارة أجرة من معامل الثلج في المدينة، ويقوم بتوزيعها على العوائل، ويكون دفع مبالغها عن طريق اشتراك شهري. وكانت أغلب العوائل تقوم بشراء ربع قالب من الثلج تقريباً كل يوم، ويحافظون عليه حتى لا يذوب سريعاً. وكان الماء البارد في الصيف، وخاصة في شهر رمضان المبارك وعند وجبة الإفطار، له لذة خاصة تنعش كل أعضاء الجسم…
وفي فصل الصيف خاصة، كانت وجبة الإفطار تتكون من البامية والطماطم، التي تتوفر في هذا الموسم لدى أغلب أبناء المدن والقرى العراقية، وتعتبر من الأكلات الشعبية المعروفة لطعمها المميز مع خبز التنور الطيني ووجبة الثريد التي كنا نعتبرها أكثر وجبة دسمة نأكلها في فصل الصيف. وعند وصول الطاقة الكهربائية إلى القرى والأرياف في منطقة جنوب الموصل، تعودت أكثر ربات البيوت على تخزين مادة البامية في المجمدات والثلاجات الموجودة لديهم واستخدامها في فصل الشتاء، على اعتبار أنها من المحاصيل الزراعية الصيفية ويتعذر وجودها لدى الباعة في فصل الشتاء…

ما أجملها من لحظات عندما يجلس كل أفراد العائلة على ذلك المنسف الذي يحتوي على تلك الأكلة اللذيذة بكل محتوياتها. وما أجملها عندما يضاف إلى دسومتها لحم الغنم أو الأبقار، ويجلس الجميع ينتظرون رب الأسرة وهو يقوم بتوزيع قطع اللحم على كل من يجلس على تلك المائدة…

هكذا كان نظام الأسرة مبنياً على ثوابت لا يمكن تغييرها، بعيداً عن مفهوم الطمع والجشع حتى أثناء تناول الطعام، وبعيداً عن حب الأنا، وكانت القناعة موجودة لدى الجميع…

نعم، كان رمضان شهر خير ومحبة، خاصة وأنت ترى جميع أفراد عائلتك من حولك يجلسون على مائدة واحدة ويأكلون من نوع واحد من الطعام، وتجد التواصل موجوداً وصلة الأرحام قوية بين الجميع…

رحم الله تلك الأيام الخوالي وغفر الله لكل من عاش معنا من الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران الذين فارقناهم في هذه السنين وأسكنهم فسيح جناته…

وإلى مقالة أخرى… ورمضان مبارك لنا ولكم…